نيشان ديرهاروتيونيان، إعلامي لبناني ـ أرمني، تنقّل بين عدد من الشاشات الفضائية، ويعمل في تدريب الإعلاميين الجدد..
ربما تنوّعت البرامج التي قام بتقديمها بين الفني والاجتماعي.. إنما يجمع المشاهدون أو يكادون، على أنه يعرف كيف يلفت اهتمام الجمهور ويجعل من نفسه والمواضيع التي يطرحها حديث السوشيل ميديا..
لكن هذا الانتشار والنجاح في رفع نسبة المشاهدة لا تعني بالضرورة أنه قدّم موادّ دسمة ومهمة، بل غالباً ما ترافقت مع شتائم تطاله وتطال برامجه والقناة التي تعرضها نظراً لتفاهة الطرح والمضمون والترويج لكل ما هو هجينٌ بحجة الحريات..
نيشان، الذي يجاهر بمناهضته للعنصرية، ويتشدّق بالحديث مهما كان محتوى الحديث بسيطاً وساذجاً، سقط على الهواء أمام آلاف المشاهدين، عندما عجز عن ضبط أعصابه لدى تلقّيه تعليقاً من أحد المتابعين لصفحته على تويتر، وصفه بالأرمني المتشرّد، فما كان منه إلا أن انهال بالسباب العنصري والشتائم القذرة على الأتراك منذ السلطنة العثمانية وحتى عهد الرئيس إردوغان الذي وصفه بأبشع الأوصاف في لحظة شيطان خلع خلالها قناع الإنسانية وماكياج التسامح، ليظهر من خلفها كل ما يخفيه من حقد وضغينة مبني على جهله كما الملايين من الناس حول العالم، بالتاريخ والجغرافيا.
مذيع البرامج الفضائحية، وهذا هو حجمه الحقيقي، لم يقرأ ليتثقف عن تاريخ السلطنة العثمانية والمجد الذي أعطته للمسيحيين، حتى إن هؤلاء لم ينعموا بالسلام كما فعلوا في ظل حكمها.
لم يكتشف بكّاء أرمينيا أن السلطنة العثمانية لم تحارب الأرمن إلا لأنهم خانوها لأنها دولة مسلمة بشكل رئيسي وتحالفوا ضدّها مع الروس لأنهم مسيحيون، وارتكبوا في شعبها المجازر والإرهاب الموصوف.. وغفل عن حقيقة أن الدولة العثمانية لم تكن تتردد في تعيين غير أتراك في منصب الباب العالي وهو دليل على تحررهم من العنصرية والقومية التركية.
إعلاميُّ العنصرية هذا خاب نيشانُه إذ صوّب في مكانٍ صلبٍ لا تهزّه جعجعة الحاقدين على دولة كانت بلادنا في أقوى حالاتها عندما صارت جزءاً منها، وغاب عنه أنها دولةٌ صديقة وقوية، استطاعت خلال عشر سنوات أن تدخل مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، وأنها الدولة القادرة الآن على مساعدة لبنان عبر مدّه ببضائعا الأرخص سعراً من بين البضائع المستوردة من بلدان أخرى.
ربما يأخذ نيشان وأمثاله على تركيا أنها تحت قيادة طموحة تسعى لتحقيق مصالحها، وهو ما تفعله أي قيادة وطنية حول العالم، دون الالتفات إلى التفاهات.
ولم تسعفه لباقتُه المصطنعة في لحظة انفعال كان حريًّا به أن يتعالى عليها باعتباره الأكثر حنكة. فعلى الأقل كان الأجدى به أن يتعلم من خطأ الرئيس اللبناني قبل أشهر عندما شن هجوماً ضد السلطنة العثمانية في ذكرى مئية تأسيس لبنان الكبير، مبنياً على الجهل والتحيّز الأعمى الذي لا يليق بشخص في منصب الرئاسة الأولى، فكيف إذا كان رئيس لبنان!
لبنان الغارق في المعضلات الإقليمية والدولية والمتعثر اقتصادياً حتى بات على شفير إعلانه دولةً فاشلة، نتيجة الفساد والنهب وعدم التخطيط والاعتماد على اقتصاد ريعيّ سخيف قائم بالأساس على ميزتين: السياحة والسرية المصرفية..
السياحة التي تحوّلَ مُريدوها إلى تركيا لأنها أقل تكلفةً من لبنان.
والسرية المصرفية التي ذهبت أدراج الرياح مع انهيار الليرة اللبنانية ووصولها لمستوياتٍ تاريخية تجاوزت الخمسة آلاف ليرة مقابل الدولار، وما زالت تتابع انهيارها، نتيجة شح الدولار واختفاء أموال المودعين الصغار فيما هرّب الحيتان أموالهم إلى الخارج قبيل وأثناء الانتفاضة اللبنانية التي اندلعت في 17 تشرين الأول 2019، على صفحته على تويتر يتباكى نيشان من الحال التي وصلها اللبنانيون وينتقد البلد وحكامه، فيما يأخذ على رئيس دولة أخرى عمله الدؤوب في سبيل إعلاء شأن بلاده.
أخطأ نيشان، كما سبق وأخطأ الرئيس ميشال عون، عندما لم يحسب أن كلامه قد يرتد على بلده بالأذى نتيجة المقاطعة إن حصلت، لكن خطأ هذا (نعني به نيشان) على قبحِه، لن يؤثر تماماً كما لم يؤثر خطأ ذاك (نعني به الرئيس عون) على فداحتِه، على الدبلوماسية التركية والعلاقات التركية_اللبنانية، فقط لأن تركيا دولةُ مؤسسات، بكل ما تعنيه الكلمة، سواء أقر بذلك الأعداء والمنافسون قبل الحلفاء، أم لم يقرّوا!