أكد رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح، أن الموقف الذي جسده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بافتتاح مسجد آيا صوفيا من جديد للعبادة “هو ما يحتاجه المسجد الأقصى المبارك من أجل إعادة السيادة إليه”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “موقف تركيا من القضية الفلسطينية لم يأت من فراغ”.
كلام الشيخ صلاح جاء في لقاء خاص مع “وكالة أنباء تركيا”، عبر خدمة “سكايب”، تحدث فيه عن عدد من النقاط المتعلقة بمسجد آيا صوفيا وموقف الشعب الفلسطيني من أردوغان، إضافة لممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى والقدس المحتلة والشعب الفلسطيني، وغيرها من المحاور الأخرى.
وفيما يأتي تفاصيل اللقاء:
مسجد آيا صوفيا
- اقتنعت بالجملة التي قالها الرئيس أردوغان قناعة عقلية وقلبية عندما صرّح أن إعادة السيادة إلى مسجد آيا صوفيا هي المقدمة القريبة لإعادة السيادة للمسجد الأقصى المبارك.
- أردوغان يؤكد من خلال إعادة السيادة لمسجد آيا صوفيا أن تركيا صاحبة إرادة حرة وصاحبة قرار حرّ، لا تقبل أن تحيا تحت ضغوط خارجية مهما كانت ومن أي مصدر كانت، وهو موقف يؤكد أيضا أن تركيا مستقلة الموقف النابع من قناعاتها ومن ضميرها الذي لا شك يحمل البعد الإسلامي كوحدة واحدة بين كل هموم المسلمين وآلامهم في العالم.
- نحن نتعطش إلى هذا الموقف المستقل الحر الذي لا يقبل الضغوط من الآخرين، ولذلك أنا كلي قناعة أن وجود مثل هذا المشهد الذي يجسده أردوغان هو ما يحتاج إليه المسجد الأقصى، من أجل إعادة السيادة إلى هذا المسجد المبارك.
- هذه الخطوة الكبيرة التي أعادت السيادة إلى مسجد آيا صوفيا، لا شك أنها تحمل البشرى الكبيرة أنه ما دام في هذه الأمة الإسلامية رجل يدعى أردوغان، وما دام له هذا الموقف الحر الذي لا يقبل الضغوط، فهذا ما يحتاج إليه المسجد الأقصى المبارك الآن حتى ننصره بإذن الله تعالى.
- مسجد آيا صوفيا وقع تحت ظلم امتد لعشرات السنوات، لكن هذا الظلم لم يغير من هوية مسجد آيا صوفيا وعاد إلى أصله بعد هذه السنوات الطويلة التي تحول خلالها إكراها من الخارج إلى متحف.
- هذا الأمر يقول لنا إن الاحتلال الإسرائيلي مهما مارس من عدوانية على المسجد الأقصى المبارك، لن يغير من هوية المسجد الأقصى ولا من حقيقته، وسيعود المسجد الأقصى المبارك إلى أصله حرا كريما وسيزول الاحتلال الإسرائيلي إن شاء الله تعالى.
موقف تركيا وأردوغان من فلسطين والقدس والمسجد الأقصى
- من يريد أن يفهم الموقف التركي الذي يمثله الرئيس أردوغان، سيظلم الموقف التركي إذا قطعه عن جذوره التاريخية.
- هذا الموقف التركي لم يأت من فراغ، ولم يهبط على القضية الفلسطينية وكأنه متطفل عليها، إطلاقا لا، فهو له جذوره التاريخية.
- لا يمكن أن ننكر أن موقف أردوغان له امتداد يجسده دور الخلافة الإسلامية العثمانية التي حافظت على فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك، وكانت الحاضنة لها وكانت الحامي لها على مدار 500 عام.
- هذه الجذور التاريخية لا يمكن أن تـُقتلع، وهذه الجذور ستنمو وستنبت، ومن ضمن ما أثمرت هذه الجذور تثمر المواقف التركية الآن التي تؤكد دوام الانتصار من قبل الموقف التركي الحر لقضية فلسطين عامة ولقضية القدس والمسجد الأقصى المبارك خاصة.
- أذّكر نفسي وأذّكر الجميع أن الرئيس أردوغان في هذا الموقف أيضا، هو بحمد الله يكمّل مواقف أحرار من تركيا، مواقف أبى أصحابها إلا أن يحيوا ويموتوا مع قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.
- هنا، لا يمكن أن أغفل عن البروفيسور المجاهد نجم الدين أربكان، الذين كان من همه طوال حياته أن يعيد اللحمة التي حاول من وقف من وراء الماسونية العالمية ومن وقف من وراء الصهيونية العالمية، أن يحدث شرخا بين اللحمة الإسلامية التي تجمع التركي والعربي، أو التركي والفلسطيني.
- البروفيسور أربكان حاول أن يعيد هذه اللحمة، وأنا تابعت له جهودا كثيرة ومواقف كثيرة.
- أنا اعتبر أربكان أستاذا، ولا أتردد أن أقول إنه أستاذ لي بمواقفه على الثوابت وبانتصاره للثوابت وباستعداده للتضحيات.
- في ظريقه الطويل، ظل البروفيسور أربكان يضحي حتى عندما دخل إلى سن الشيخوخة لم يتراجع.. لماذا؟ لأنه يشعر أن قضية نصرة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المباركين هي ليست رأيا سياسيا وليست مجرد مربح شخصي، كأن يقدم برنامج عمل يجمع به أصواتا انتخابية، بل كان يشعر أنه واجب تنتمي هويته إليه وتنتمي جذوره وثوابته إليه.
- الآن يسير على نفس هذا المنطق الرئيس أردوغان، بنفس الروح ونفس التفكير والثوابت والانتماء والجرأة على كلمة الحق بحمد الله رب العالمين.
- الشعب الفلسطيني ينظر إلى الرئيس أردوغان كصاحب خطاب، جدد الأمل والتفاؤل وثبات الشعب الفلسطيني على ثوابت القضية الفلسطنية.
- أردوغان يُشعر الشعب الفلسطيني أنه ليس وحيدا وليس متروكا لوحده يداوي جراحه بيديه، لا بل هناك من يحتضنه وهناك من يعيش معاه وهناك من يرفع صوته ويسدد خطاه، وهذه القضايا لا ينكرها إلا إنسان إما جاهل وإما مماحك لا يريد أن يقول الحقيقية.
الاحتلال الإسرائيلي وتركيا والآثار العثمانية
- هذه أرضنا المباركة التي نعيش عليها، إذا تجولنا في شمالها وجنوبها ستقع أعيننا على مساجد لا تزال تحمل تصميم الخلافة الإسلامية العثمانية، ولا يزال أجددنا الكبار يقولون هذا مسجد تركي، وهذا خان تركي، وهذا مصلى تركي، وهذا وقف تركي، لا يزالون يحملون هذه الأسماء.
- السؤال، هذا الاحتلال الإسرائيلي الذي أغاظه علمٌ (علم تركيا) على المقبرة اليوسفية (في القدس المحتلة)، هل يستطيع أن يمسح كل هذه الآثار؟
- ها هو سور القدس الشريف الذي بناه السلطان سليمان القانوني، هل يتجرأ الاحتلال الإسرائيلي أن يهدم هذا السور حتى يزيل آثار السلطان سليمان القانون؟! هذا جنون وهذا تفكير ساذج وتفكير صبياني.
- ليس سرا أن لخلفاء آخرين من الخلفاء العثمانيين بصماتهم على القدس أو على المسجد الأقصى المبارك، وهناك نقوش حول قبة الصخرة التي هي جزء من المسجد الأقصى، هي من آثار الخلفاء العثمانيين، فهل يتجرأ الاحتلال الإسرائيلي أن يبيد هذه النقوش بادعاء أنه يريد هذه الآثار التركية؟ هذه ممارسات صبيانية بكل ما للكلمة من معنى.
عطاء تركيا تجاه فلسطين.. ومن ينافسها
- أنا لا أنتظر الاحتلال الإسرائيلي أن يتحرر من صبيانيته، بل أنا أطمع أن نتحرر نحن كمسملين وعرب من أي سلوك صبياني لا سمح الله تعالى.
- أنا أطمع ألا نتحدث مع تركيا ومع الموقف الرسمي التركي وحتى الشعبي بخطاب مماحكة، فالمماحكة لا تجوز بيننا، الله تعالى قال “إنما المؤمنون إخوة”، أي يتعاونون لا يتماحكون ولا يعرقل بعضعهم بعضا.
- إذا أراد أي موقف آخر في الدائرة الإسلامية والعربية أن ينافس تركيا على العطاء فليكن، والله تعالى يقول لنا “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.
- لنتنافس أيّنا يخدم القضايا الإسلامية وقضية القدس والمسجد الأقصى أكثر، فلنتنافس على الخير والعطاء وهذا أمر القرآن الكريم لنا، بعيدا عن المماحكة وبعيدا عن الكيدية، لأنها لا تؤدي إلا إلى فراغ وضغائن بين القلوب.
- نحن نريد وحدة شعوبنا المسلمة إن كان ذلك على صعيدها العالمي أو على صعيد العالم الإسلامي العربي، فكلنا جسد واحد وهذا ما نريده للجميع بعيدا عن مماحكات وضغائن وافتعال صدام غير موجود أصلا.
المسجد الأقصى في خطر
- لا شك أن المسجد الأقصى محتل وما دام محتلا فهو في خطر.
- لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال، ولم نعرف في كل التاريخ أن هناك احتلالا يمكن أن يكون مصدرا للخير فهذا مستحيل.
- من المتوقع أن يؤذى المسجد الأقصى، ومن المتوقع أن يؤذى الأهل الذين يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، إن كان ذلك من خلال الاعتقالات أو الإبعاد عن المسجد الأقصى، أو من خلال افتعال تهم للزج بهم في زنازين التحقيق وفي محاكمات طويلة قد تستمر لسنوات كما يحدث الآن، وهذا متوقع.
- المطلوب منا أمران، أولا أن نعلم يقينا أن ارتباطنا مع المسجد الأقصى ومع القدس يعني ارتباطنا مع قضية قرآنية، نتعامل معها كقضية قرآنية، وكما يجب علينا أن ننصر القرآن الكريم، يجب علينا أن ننصر القدس والمسجد الأقصى المبارك لأنها قضية قرآنية.
- ثانيا أن نكون على يقين أن القضية القرآنية منتصرة، والقرآن الكريم منتصر على كل باطل يتحداه.
- الآن الاحتلال الإسرائيلي عندما يتحدى المسجد الأقصى هو يتحدى القرآن الكريم، وهو يتحدى قوله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”.
- ولذلك ولأن القرآن منتصر، فهو منتصر على كل من تحداه بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي.
- ولذلك أيضا لا ريب ولا شك أن الاحتلال الإسرائيلي مكتوبة عليه الهزيمة في هذا الموقف الذي من خلاله يحاول أن يحتل المسجد الأقصى المبارك، وهذه قناعات يجب أن تكون داخلنا ويجب أن لا نشك فيها ولو لثانية واحدة.
- ولذلك هذا يدعونا أن نصبر وأن نتبنى خطاب تفاؤل ويجب أن نملأ الأمة أملا وتفاؤلا.
- كفاها الأمة الإسلامية هموما وأحزانا وشعورا باليأس والمطاردة.
- آن الآوان أن نقول لهم بإذن الله، ارفعوا رؤوسكم فوق كل معتد، بحمد الله رب العالمين لأننا نحن أصحاب الحق، وصاحب الحق سينتصر بإذن الله أمام كل باطل مهما علا صوت هذا الباطل ومهما ملكَ من إمكانيات.
- ألسنا نحن الذين نقرأ القرآن، وألسنا نقرأ قول الله تعالى “بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق”، هذه آية عامة شاملة لا تستثني أحدا، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي، وحقنا كما دمغ كل باطل سيدمغ باطل الاحتلال الإسرائيلي، وسيكون زاهقا بإذن الله رب العالمين.
- وكما قال سيدنا عبد القادر الجيلاني في أحد دروسه إن “الشجاعة صبر ساعة”، والمطلوب أن نصبر وأن نتأكد أننا في قضية منتصرة.
- واجبنا من موقفين: الأول أن نحافظ على أمانة المسجد الأقصى المبارك، وثانيا أن نسعى للانتصار للمسجد الأقصى، وإن لم نستطع أن نحقق الانتصار للمسجد الأقصى، فعلى الأقل لا نضيع أمانة المسجد الأقصى، بل نعطي مجالا للأجيال القادمة حتى تحقق الانتصار للمسجد الأقصى المبارك.
- التنازل عن هذين الموقفين حرام لا يجوز في أي حال من الأحوال.
- نحن مؤمنون بالله رب العالمين وبوعده وبكلامه في القرآن الكريم، نحن نعلم أنهم قد يؤذوننا، والقرآن الكريم قال لنا سلفا “لن يضروكم إلا أذى”، ولا يوجد حق دون أذى وإلا أصبح الحق رخيصا، ولا بد من الأذى لصاحب الحق حتى يكون ثمينا وفي منزلة عالية، وإلا لادعى الجميع أنه يريد أن ينتصر للحق، ولا بد أن يؤذى صاحب الحق حتى يميز الله تعالى الناس ويغربلهم ويختار من يكون على استعداد أن يتحمل الأذى حتى ينصر الحق.
- هناك جملة رائعة لسيدنا عبد القادر الجيلاني يقول فيها “إنما وكل الولاء بالبلاء، ولولا البلاء لادعى الولاء الكثير”، وهذا ينطبق الآن على قضية المسجد الأقصى المبارك، فالله جل جلاله وكل بالمسجد الأقصى وجود أذى، حتى يلتف حول المسجد الأقصى من يستحق أن يلتف حوله، من هو على استعداد أن يتحمل الأذى متوكلا على الله موقنا بطلوع الفجر الصادق قريبا إن شاء الله تعالى.
رسالة لمن يفكر بالتطبيع: انحازوا لشعوبكم.. وتركيا أكبر مثال
- نصيحتي لكل من توسوس له نفسه بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أتمنى عليك أن تعلم أن الواجب المطلوب منا أن نحيا مع ثوابتنا الإسلامية وأن نموت معها، وأن ننحاز لشعوبنا وهموم شعوبنا.
- مصدر قوة كل حاكم مسلم أو عربي بقدر انحيازه لشعبه وهموم شعبه، وأن يكون عنوانا لأمل هذا الشعب وطموحه.
- مخطئ من يظن أن قوة الحاكم قد تكون في البيت الأبيض أو في الكرملين أو في الكنيست الإسرائيلي، بل قوة حكامنا وعلمائنا والمسؤولين على الصعيد الإسلامي والعريي تكمن بانحيازهم إلى الشعوب.
- المطلوب مرحلة انحياز وتصالح مع الشعوب، ومرحلة وحدة الإرادة والموقف التي تجمع الراعي والرعية.
- لنأخذ مثالا على ذلك الدور الذي يؤديه الرئيس أردوغان، فهو لم يجمع الشعب التركي حوله بالعصا، وأبناء الشعب التركي لا يمثلون، بل هم وجدوا العنوان الذي احتضن همومهم وكرامتهم وآلامهم وسار بهم نحو الأمام.
- هذا الذي نريده لكل حكامنا على صعيد كل الأمة المسلمة وكل العالم العربي، وهذه هي المقدمة الضرورية حتى نحيا يوما تتحقق فيه الوحدة الإسلامية التي كانت من آخر أمنيات السلطان عبد الحميد الثاني رحمة الله عليه، عندما كان يصيح في آخر أيام حياته “يا مسلمي العالم اتحدوا”.
نداء السلطان عبد الحميد الثاني
- السلطان عبد الحميد أدرك مدى المؤامرة على الإسلام وعلى الخلافة الإسلامية، على صعيد الماسونية العالمية، وعلى صعيد الصهيونية العالمية، وعلى صعيد الصليبية العالمية، لذلك صرخ من كل قلبه وكان يعلم ما يقول.
- نحن الآن فعلا بأمس الحاجة أن نردد جملة السلطان عبد الحميد الثاني “يا مسلمي العالم اتحدوا”.. دعوكم من التطبيع، دعوكم من الظن الواهم أن مصدر قوتكم عند أمريكا أو عند حلفاء أمريكا عجما وعربا.
- قوتنا أولا بتوكلنا على الله، وقوتنا أن ننحاز إلى شعوبنا، وقوتنا أن نصغي إلى علمائنا الأحرار والعلماء السلاطين الذين يجددون فينا دور العالِم ابن تيمية، ودور العالِم العز بن عبد السلام، ودور العالِم سيدنا عبد القادر الجيلاني، ودور العالِم النورسي رحمة الله عليهم جميعا.
- كل مقومات الخير موجودة في الأمة، فقد نحتاج إلى لملمة هذا الخير لتـُصاغ منه إرادة وقرار وموقف ومسيرة أمة تنتصر للقدس والمسجد الأقصى المبارك.