مدونات TRمميز

بيروت بكت.. وتركيا واست

صباح الرابع من آب 2020

استيقظت، كعادتي، في الصباح الباكر لآخذ جرعةً من أغاني فيروز التي اعتدت عليها منذ نعومة أظافري، استقليت الميترو الذي يوصلني كل يوم إلى عملي وبدأت يومي بإيجابيةٍ.

رغم كل السّحاب الأسود الذي يمر في رأسي على مدار الساعات، حتى خلال نومي، بسبب ما يعيشه أهلي وأصدقائي في لبنان، إلّا أني أُصِر في كل صباح على الإيجابية.

حتَى أني قبل أن أغادر المنزل في ذلك اليوم نشرت على حسابي على فايسبوك “رندحة فيروز في الصباح الباكر من كل يوم يفتح أمامنا كل نوافذ الحب والأمل”.

القهوة المسائية

كان يوم مليء بالمشاغل، لم ألتفت إلى موبايلي حتّى، وفي فترة بعد الظهر، ملأت فنجاني بالقهوة التركية، ذي القشوة السميكة، وخرجت لأجلس على شبّاك المكتب أستمع لشكوى زياد الرحباني الساخرة التي حاكت معاناة لبنان في السبعينيات، ومازالت تنطبق على واقعنا عام 2020.

ما ان مسكت هاتفي الجوال، حتى انهالت الرسائل من أصدقائي على المجموعات. “حريق كبير.”
“ألوان غريبة”، “عم تشتي تراب”.

اتصلت فوراً بوالدي لأطمئن عليه وأعرف حقيقة ما يجري فأجاب بصوت مُطَمئن قلق “نحن بخير، يبدو أنه انفجار كبير في بيروت”.
انفجار!؟ لم يَسمَع أحد شيء!

دخلت مجدداً إلى المحادثات لأرى أصدقائي يروون لبعضهم ما حدث معهم. “الزجاج تطاير في كل مكان. أنا بخير.”
“ارتفعت عن الأرض وعدت مجدداً، أهذه ضربة اسرائيلية؟”.

تذكرة سفر

دخلت فوراً، دون تردُد أو تفكير، لأحجز مقعد على أول طائرة مُغادِرة من اسطنبول إلى بيروت؛ ولسوء حظي لم أجد أي تذكرة!
انتابني في تلك اللحظة شعور الحاجة لدفئ منزلنا في لبنان، لصوت نشرة الأخبار البائسة، وتعليقات أمي عليها؛ “ستُفرَج”. صفعني ذلك الانفجار وآلم وجهيَ ووجداني.

بدأت بمشاهدة لقطات للانفجار دون أي ادراك للزمان والمكان، لم أستوعب.

واذ ب”تشاغري”، زميل ثلاثيني تركي لطيف جداً، يتقدّم مني ليُعلِن انتهاء فترة الاستراحة “عبدوووو يلاااااا بدنا نكمل تصوير”.

ربّتوا على كتفي

في هذه الأثناء، كان قد وصل إلى الخارج مجموعة من الشبان التي تعمل معنا حيث وقف الجميع ينظر إلى تعابير وجهي مستغرباً، طلبت منهم العودة إلى العمل واعتذرت عن اضطراري للعودة إلى المنزل.

أوقفني “كايهان”، زميل آخر دائم الابتسامة، وطلب مني عدم المغادرة قبل التصريح عن ما أزعجني.

أدرت إليهم شاشة الموبايل وأريتهم حجم التفجير الذي وقع، حاولوا أن يستفسروا عن ما حصل ولكني لا أعرف فكان الارتباك سيّد الموقف!

سُحبت الألوان من وجوههم، مُلأت أعينهم بالدموع وربّتوا على كتفي مواسين مُرددين “كل شيء سيكون بخير.”

ليل بلا نوم

وصلت إلى المنزل وجلست مُبحلقاً بشاشة الهاتف مُكبَّل الأيادي، ولكن هذا الشعب الطيب لم يتركني. تلقيت رسائل واتصالات من أنطاليا وأنقرة واسطنبول. كل أصدقائي الأتراك الذين لم أسمع منهم لفترة، حتى أساتذتي الذين علّموني اللغة التركية عام 2012، اتصلوا ليطمئنوا على عائلتي وأصدقائي ومنزلنا وأعربوا عن أسفهم لما حصل.

شريكي التركي، اتصل لاحقاً، عارضاً مبلغا ماليا في حال كنتُ أنا أو أهلي بحاجة لذلك.

وتزامناً مع ذلك، وصلت طائرات عسكرية تركية إلى بيروت محمّلة بسيارات إسعاف بكامل عدادها وعتيدها، بالإضافة لبعض المساعدات الغذائية.

شُكراً لكم

شكراً لكل مواطن تركي أو أجنبي مُقيم في تركيا، كلماتكم أبردت النار في صدري. شكراً لكم لأنكم قدّرتم حجم ما حصل، شكراً لأنكم بادلتمونا الشعور وحملتم معنا. شكراً لاعلامكم الذي غطّى الحدث لحظة بلحظة. شكراً لفرقكم الاغاثية التي كانت أول الواصلين الى بيروت، ولجهود دولتكم ولوقوفها إلى جانب لبنان رئاسةً وشعباً.

قومي من تحت الرّدم، كزهرةِ لوزٍ في نيسان… يا بيروت

زر الذهاب إلى الأعلى