سياسةمميز

بحجة الديمقراطية.. الغرب لم يجلب إلا الخراب للشرق الأوسط

قال المفكر والسياسي الكبير، الراحل علي عزت بيجوفيتش، إن “الغرب لم يتحضّر قط، وحالة الازدهار التي يعيشها اليوم قائمة على استمرار الاستعمار الذي أراق الدماء وتسبب بالمآسي والدموع والمعاناة للشعوب المستعمَرة”، في الواقع، هذا الاقتباس كافٍ لخلق منظور مهم حول الديمقراطية والحضارة الغربية في أذهاننا.

إن العالم الغربي، الذي يعتبر نفسه على الدوام مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، هو في الواقع نتاج حضارة لا تتردد في القيام بكل أنواع الوحشية والمجازر من أجل استخدام موارد الدول التي ذهبت إليها واستعمرتها، خاصة بعد الثورة الصناعية، وبداية فترة الاستعمار التي انطلقت في القرن الثامن عشر.

إن المجازر التي ارتكبتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وأمريكا في إفريقيا والهند والشرق الأوسط لم تمح بعد من الأذهان. إن الدول الغربية، التي تعرّض السلام والأمن العالميين للخطر من أجل بيع المزيد من الأسلحة اليوم، تهدد في الواقع النظام الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن دعونا ننظر للنزاعات التي حدثت بين الدول، من هو المحرك والداعم الرئيسي لها؟، الجواب هو الغرب، الغرب الذي يبيع الأسلحة للدول والجماعات المناهضة للدولة أو للتنظيمات الإرهابية، الغرب الذي يتفاوض لحل الصراع من أجل تحقيق مكاسب سياسية، حسناً على ما يبدو سوف لن تنطلي حيلة الديمقراطية الغربية هذه على أحد بعد الآن. وهم أنفسم يعانون من العديد من المشاكل مثل حالات الانتحار والاغتصاب والسرقة والمذابح وغيرها في بلدانهم، لكنهم وبكل وقاحة لا يكفون عن سحب أيديهم الملطخة بالدماء من منطقة الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط، الذي يعبّر الغرب دوماً عن أمله في أن تنصلح أحواله للأفضل، في حين هم من قام بتدمير العراق تحت ذريعة استخدام الأسلحة الكيماوية في التسعينيات من القرن الماضي ومطلع القرن الجاري، وهم من تسبب في أزماته السياسية والاقتصادية التي يشهدها اليوم، وللأسف هم أيضاً من يستفز شعوب أفغانستان وسوريا وليبيا واليمن ويرسل ويمول الإرهابيين بالسلاح من أجل تدمير المنطقة والقضاء على كل حلم فيها بتحقيق الديموقراطية.

لكن لو نظرنا إلى الموضوع من زواية أخرى، هل تعتقدون أن قيام الأخ بقتل أخيه تحت دوافع مذهبية وطائفية وعرقية يحدث بمحض الصدفة؟، ماذا عن دور أجهزة الاستخبارات الغربية التي تشعل فتيل كل هذه الأزمات وتصب الزيت على النار من أجل استمرارها. دعونا نلقي نظرة عليهم في بلدانهم وهم يقومون بهندسة سياسات المنطقة من خلف مكاتبهم المريحة، لماذا يا ترى يغلقون آذانهم عن صرخات مئات الآلاف من اللاجئين الذين ماتوا من الجوع والعطش في الشرق الأوسط وأفريقيا، وغرقوا في رحلة الأمل، لماذا يا ترى لا يقومون بانصاف النساء والفتيات اللاتي تعرضن للقتل والاغتصاب.. للأطفال، ببساطة لأن الديمقراطية الغربية هكذا بصراحة.

في اليمن، تصاعدت الخلافات بين الحوثيين والحكومة الشرعية منذ عام 2011 بتدخل السعودية وإيران. ولا يخفى على أحد أن من يحرك هاتين الدولتين هو العقلية الغربية، انظروا لليمن لقد أصبح أفقر دولة في العالم بسبب قتل الأطراف المتنازعة لبعضها البعض بالأسلحة التي قدمها الغرب.

وفي ليبيا لن يكون الوضع أفضل، ففي عجلة من أمره قصف رئيس فرنسا السابق ساركوزي ليبيا للإطاحة بالقذافي، لكن السبب الحقيقي كان هو التغطية على فساده السياسي. وبعد أن تم إجراء انتخابات في البلاد وتأسيس الدولة الليبية الديمقراطية، سرعان ما بدأت تنشط الجماعات المسلحة في ليبيا، وتم تقديم كافة أشكال الدعم والإمداد لها من قبل الولايات المتحدة، وعلى هذا تم القضاء على المستقبل الديمقراطي لليبيا من قبل الغرب حتى يومنا هذا.

أصلاً، هم لا يهتمون أبداً للديمقراطية، ما يهمّهم النفط فقط، فما تزال شركات توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وشركة البترول الأمريكية إكسون تعمل على الرغم من كل ما حصل، وهذا ليس بشيء جديد؛ لأن الديمقراطية الغربية هي عقلية ترى قطرة من النفط أكثر قيمة من دم الإنسان، ولم ولن تكترث لجثة الطفل السوري إيلان الذي غرق في البحر ووجدوا جثته على الشاطئ، ولا لأصوات اللاجئين الذين يغرقون في البحر وهم في طريقهم نحو أوروبا.

نعم، هذا أمر أصبح شبه اعتيادي في منطقتنا، ودعوني أحصي لكم عدد القتلى من المسلمين الذين راحوا ضحية ديمقراطية الغرب المزعومة، فمع غزو الولايات المتحدة للعراق، فقد مئات آلاف الأشخاص حياتهم ونزح ما يقرب من 2 مليون شخص من ديارهم.

وفي سوريا أصبح أكثر من 6 ملايين شخص لاجئاً، وقتل أكثر من نص مليون، وهناك أضعافهم من المفقودين والمسجونين. وفي ليبيا وحدها، فقد 30 ألف شخص حياتهم في العام الذي أطيح فيه بالقذافي، وقتل آلاف الأشخاص منذ عام 2011، وأصبح مليوني شخص لاجئين في بلدهم.

وفي مصر، ونتيجة للثورة المضادة ضد حكم مرسي الرئيس الشرعي الذي توانى الغرب عن دعم شرعيته التي أتت عبر صندوق الانتخابات، مات في تلك الأحداث ما يقرب من 1000 شخص، وأصيب 10 آلاف آخرين، واضطر معظم الوطنيين المصريين إلى مغادرة البلاد.

واليمن اليوم ليست بأحسن حال من شقيقاتها في المنطقة، حيث يواجه 14 مليون شخص في اليمن الجوع، وقد فقد الآلاف حياتهم في الحرب وتوفي 85.000 طفل من الجوع في اليمن، هذا البلد المكلوم الذي أصبح توفر مياه الشرب فيه ترف كبير.

باختصار، هذه هي الديمقراطية التي جلبها الغرب إلى الشرق الأوسط.

أيوب صاغجان

كاتب وباحث تركي
زر الذهاب إلى الأعلى