
يوم تم نهب آيا صوفيا في القسطنطينية.. 817 عاما على وحشية الصليبيين
يصادف، اليوم الإثنين، الموافق 12 نيسان/أبريل 1204، الذكرى السنوية الـ 817 لانطلاق الحملة الصليبية الرابعة بهدف غزو المشرق وتحديدا مدينة القدس، بأوامر من بابا الفاتيكان إينوسنت الثالث، إلا أن الحملة ضلّت طريقها واتجهت نحو مدينة القسطنطينية أو ما يعرف اليوم بمدينة إسطنبول، لتنهب آيا صوفيا التي كانت كنيسة آنذاك، وتدمر كل ما فيها بوحشية منقطعة النظير.
وعلى الرغم من أن أغلب الدراسات التاريخية تتحدث عن الحملات الصليبية على بيت المقدس والحروب الأوروبية الصليبية على العالم الإسلامي، لكنّ الحملة الصليبية الرابعة كان لها رأي آخر، حيث توحدت تحت اسم “الصليب” وجعلت عداء المسلمين في الشرق شغلها الشاغل، بدعم وتجيش من البابا.
الحملة الصليبية الرابعة تنهب القسطنطينية
دعا بابا الفاتيكان إينوسنت الثالث إلى الحملة الصليبية الرابعة (1202–1204)، التي كان أعلن عنها كحملة لانتزاع القدس من المسلمين، وضرب السلطنة الأيوبية في مصر، لكن المصاعب الاقتصادية والأحداث السياسية التي مرت بها حوّلت وجهتها للقسطنطينية التي عاث الصليبيون فيها فسادا.
وفي طريق الحملة إلى الشرق، وبسبب الإنفاق الحربي الكبير، حاصر الصليبيون مدينة زادار (الواقعة في كرواتيا حاليا) ونهبوها رغم أنها كاثوليكية، مما أثار غضب البابا الذي دعا إلى الحملة، لكنه لم يعترض بالطريقة نفسها على غزو القسطنطينية أملا في غنائم مالية وعسكرية من بيزنطة تدعم السير إلى القدس، حسب المصادر التاريخية.
ونهبت الحملة الصليبية العاصمة البيزنطية، لكن لم تحصل على دعم عسكري، وآثر كثير من الجنود التمتع بثروات المدينة المنهوبة، ولم يكملوا الطريق إلى القدس، وفشلت الحملة في مهمتها الأساسية، لكن الضحية هذه المرة كانت الإمبراطورية البيزنطية، التي انقسمت لـ3 مناطق: طرابزون، وإبيروس، ونيقية، التي استعادت القسطنطينية مرة أخرى في 1261.
وكانت القسطنطينية في أوجها موطنا لنحو نصف مليون نسمة، وجرى حمايتها بـ13 ميلا من الجدران الثلاثية القوية، وكانت مركزا مزدهرا سيطر على الطرق التجارية من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود قبل العدوان الصليبي عليها. وللسيطرة على المدينة بالقوة، احتاج الصليبيون أولاً إلى عبور مضيق البوسفور بنحو 200 سفينة، ونقلت الخيول، واصطف الجنود على طول الشاطئ، شمال ضاحية غالطة.
وحسب مصادر تاريخية، فقد فر الجيش البيزنطي، وتبعه الصليبيون الذين هاجموا برج غالطة، وفتحوا السلسلة الضخمة التي منعت الوصول إلى القرن الذهبي، ودخل أسطول مدينة البندقية، ولم تصمد دفاعات القسطنطينية طويلا أمام جيش صليبي متفوق عددا وقوة.
ويقول ستيفين رنسيمان، أحد أشهر مؤرخي الحروب الصليبية تحت عنوان “نهب القسطنطينية سنة 1204″، إنه “ليس لنهب القسطنطينية مثيلٌ في التاريخ، لقد اندفعوا كالرعاع المسعورة يجوبون الشوارع.. ولم يفرقوا بين القصور والأكواخ فيما تعرضت له من الهجوم والتدمير، وأخذ الجرحى من النساء والأطفال يلفظون أنفاسهم في الشوارع، وظلت مناظر النهب وسفك الدماء المريعة مستمرة ثلاثة أيام حتى أضحت المدينة الضخمة الجميلة شبيهة بسوق اللحوم، إن المسلمين لأكثر منهم رحمة”.
نهب آيا صوفيا
لمدة 3 أيام بعد دخول الصليبيين القسطنطينية، تمت سرقة وتدمير ونهب العديد من القطع الفنية اليونانية والرومانية والبيزنطية، ونهبت ممتلكات كثير من السكان. ورغم تهديد البابا بالحرمان دمّر الصليبيون كنائس وأديرة المدينة ونهبوها، واقتسم الغنائم مقاتلو البندقية والفرسان الصليبيون الآخرون.
وفي تأريخه للحدث، كتب المؤرخ الأميركي من أصل يوناني المختص في التاريخ البيزنطي سبروس فريونيس “دمر الجنود اللاتينيون أعظم مدينة في أوروبا بطريقة لا توصف، ولـ3 أيام قتلوا واغتصبوا ونهبوا ودمروا على نطاق لم يتصوره المخربون والقوطيون القدامى”.
واعتبر فريونيس في كتابه “بيزنطة وأوروبا” أن الجنود فوجئوا بثروات هائلة لم يتوقعوها، ورغم تقدير سكان البندقية للفن وإنقاذهم العديد من القطع الفنية، فإن الفرنسيين وغيرهم خرّبوا العديد من القطع الفنية، بما في ذلك “آيا صوفيا”، حيث عبر الصليبيون عن كراهيتهم للإغريق عبر “تدنيس أعظم كنيسة في العالم المسيحي، وحطموا الأيقونات الفضية المسيحية والكتب المقدسة في آيا صوفيا، وأجلسوا على العرش البطريركي عاهرة، وهم يحتسون الخمر في أواني الكنيسة المقدسة”.
ويضيف فريونيس “كان اليونانيون مقتنعين بأنه حتى الأتراك -لو استولوا على المدينة- لن يكونوا قاسيين مثل المسيحيين اللاتينيين”، وأدت هزيمة البيزنطيين أمام الزحف الصليبي، كما يقول المؤرخ الأميركي من أصل يوناني، إلى تسريع الانحطاط السياسي. “وهكذا، أسفرت الحملة الصليبية الرابعة والحركة الصليبية عموما، في نهاية المطاف، عن انتصار الإسلام، وهي النتيجة التي كانت عكس أهدافها الأصلية تماما”، حسب تعبيره.
وعندما عرف البابا إنوسنت الثالث بما حدث أبدى انزعاجه الشديد، واستنكر وحشية المقاتلين الصليبيين الذين “استخدموا سيوفهم لغاياتهم الخاصة بدل نصرة أهداف يسوع المسيح وحرب الوثنيين”.
ورغم تنديد البابا بما حدث، فإن المؤرخين يعتبرون أنه قَبِل الوضع الجديد، وأقرَّ الاستيلاء على خزائن القسطنطينية لصالح منافستها روما، واعترف بأساقفة غربيين كاثوليك على المناطق الأرثوذكسية الواقعة في الأراضي البيزنطية.
لكن على الرغم من ذلك، فقد أسهمت “الحملة الصليبية الرابعة” على القسطنطينية (الأرثوذكسية آنذاك) في إضعاف العاصمة البيزنطية المزدهرة، وعانت لاحقا من عزلة شديدة، وإفلاس اقتصادي، وانخفض سكانها لأقل من 40 ألف نسمة فقط، وأصبحت أجزاء من المدينة العريقة خاوية على عروشها، مما سهل فتحها على أيدي العثمانيين في النهاية، حيث دخلها السلطان محمد الفاتح وأمر بإعادة إعمارها عام 1453.