مدونات TRمميز

دقت طبول الحرب.. لماذا تتسارع المصالحة التركية المصرية؟! (مدونة)

في خبر لم يعد بالجديد، اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره التركية مولود تشاويش أوغلو بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، كذلك الرسائل الإيجابية العديدة المتبادلة بين مصر وتركيا خلال الشهرين الماضيين.

قد يكون عنوان الخبر عاديا، ولكن عندما نضع اسم مصر وتركيا معا، فإن الخبر حينها لن يكون خبرا عاديا بكل تأكيد، خاصة بعد كل  الفترة الماضية.

كلنا نتابع أخبار وتسريبات ومعلومات عن التقارب المصري التركي الجديد، والذي وفق ما هو واضح يتسارع يوما بعد يوم.. ليس هذا الأمر موضوعنا في هذه التدوينة، بل نحن هنا لنسأل سؤالا محددا: لماذا الآن هذه المصالحة؟!

التوقيت.. لماذا الآن؟!، هذا هو السؤال المهم.

الإجابة عن هذا السؤال بسيط وبكلمة واحدة، وهو: إثيوبيا.

لنخوض أكثر بهذا الجواب، إذ إن الحلول لأزمة سد النهضة غائبة تماما بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية، وهذا واضح للجميع من خلال حتى متابعة الأخبار العادية حول هذا الموضوع.

سبب الأزمة هو التعنت الإثيوبي، وبالتالي نعم طبول الحرب بدأت تُقرع.. ولكن!

 

هل هناك خيار لدى الجانب المصري للدفاع عن حقوق مصر المائية إلا الحرب؟!

ـ للأسف، الجواب: لا.

ـ لا، لأن النظام المصري لم يعد يمتلك أي أوراق للحل، لأن مصر وبشكل فعلي وحقيقي قد تأخرت كثيرا باستخدام الأوراق الخاصة بها بهذا الشأن، وعندما يسألني أحدكم: ما هي الأوراق التي كانت بيد مصر، أقول: هي أوراق عديدة قديمة موجودة منذ بدأيه الأزمة، سنستعرض عددا منها وسنسأل.

ـ لماذا سمحت مصر لإسرائيل بالتواجد بقوه في إثيوبيا، ورضيت أن يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بإلقاء خطاب داخل البرلمان الإثيوبي دون اتخاذ أي خطوة مصرية!؟

ـ لماذا سمحت مصر للاستثمارات الخليجية بالتواجد بشكل كبير وواسع في إثيوبيا؟ كيف رضيت بهذا الأمر؟!

ـ لماذا لم تدعم الحكومة المصرية الأزمات الداخلية الإثيوبية، والتي لو كبُرت كانت ستضع إثيوبيا في موقف اقتصادي صعب للغاية.

 

الآن.. ما هي الخيارات المصرية؟! وما علاقة تركيا؟!

طبعا، الحرب مكلفة في أي ميدان اشتعلت، فتكلفتها باهظة مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب.. ولكن لا خيار أقرب منها في الوقت الحالي بالنسبة لمصر.

حسب الاحصائيات الرسمية والدولية، فإن الجيش المصري يعد أفضل وأقوى بكثير من الجيش الإثيوبي، ولكن ورغم ذلك فهناك عقبات أمام الجيش المصري في حالة قرر الحرب، منها:

ـ الطبيعية الجغرافية لإثيوبيا والتي تجعلها محصنة للغاية، وحسب التاريخ فإن جميع الجيوش التي حاولت غزو إثيوبيا بريا فشلت، فإثيوبيا بلد حبيسة لا يمكن الهجوم عليها بحريا، ومحصنة جغرافيا، فمصر بعيدة عنها، لذلك يبقى الخيار العسكري الجوي هو الخيار الوحيد أمام مصر.

ـ في حالة ضرب مصر لسد النهضة من خلال غارات جوية، فإن الحليف الأول لمصر سيكون في خطر بسبب الفيضانات التي قد ينتج عن انهيار سد النهضة، أي السودان، لذلك سيكون الخيار الجوي العسكري المصري ـ في حال تقرر ـ هو تعطيل السد وليس تدميره.

ـ ضعف البنية التحتية العسكرية للسودان، وهذا يعني أنه إن هاجمت مصر السد وحاولت إثيوبيا الانتقام، سيكون ذلك ضد السودان، الذي لا يمتلك قوة عسكرية كافية للصد، لذلك أتوقع أن تقوم القوات المصرية بدعم القوات السودانية وتجهيزيها وتحضيرها لأي رد فعل إثيوبي، فالجيش المصري يقوم بتحديث أسلحته بشكل كبير ودوري، وهو يمتلك الكثير من الأسلحة غير المستخدمة لذلك قد يقوم الجيش المصري بدعم السودان بها.

ـ القواعد الجوية السودانية ضعفية، وبالتالي هذا الأمر سيؤثر على حركة الطائرات المصرية الحربية.

ـ الدفاعات الجوية الإثيوبية/الروسية والإسرائيلية، تحتاج لأنظمة تشفير، ولا أعتقد أن مصر تمتلكها في الوقت الحالي.

كل هذه الأمور تجعل خيار الحرب ليس بالخيار السهل مصريًا، في الوقت الحالي، وعدم سهولة هذا الخيار يجعل الإجابة على سؤال المقالة سهلا، والذي هو: لماذا مصر وتركيا الآن؟!

مصر هي الجزء الأهم في اللعبة البحري شرقي المتوسط، وهي لعبة تعتبر من أهم النقاط الاقتصادية بالنسبة لتركيا، لذلك حاولت تركيا عن طريق ليبيا وسوريا ولبنان أن يكون لها داعم شرقي المتوسط، ولكن مصر تظل اللاعب الأهم، وبسبب المشاكل السياسية بين مصر وتركيا، كانت دائما مصر ضد تركيا في أي مفاوضات تخص هذه النقطة.

لذلك تبحث تركيا عن الدعم المصري في ملف شرقي المتوسط، مع الإشارة إلى أن تركيا هي من أقوي اللاعبين في إفريقيا حاليا وتمتلك المفتاح المثالي لمشكلة مصر وإثيوبيا.. وهي البيرقدار.

نعم، لقد أثبتت البيرقدار التركية (الدروزنز) في ليبيا وسوريا وأذربيجان قدرتها الفائقة علي الهروب من أنظمه الدفاع الجوي، فضلا عن فعاليتها بإنهاء المعارك، وهذا ما تحتاجه مصر بالفعل.

مصر لديها طائرات الرفال الفرنسية وF-16 الأمريكية وطائرات السوخوي الروسية، ولكن كل هذه الطائرات لن تكون بأمان أمام الدفعات الجوية الإثيوبية، والتي لا تتوفر عن حجمها وقوتها معلومات كثيرة ودقيقة لدى الجانب المصري.

ولا ننسى أن تكلفة استخدام مصر لكل هذه الطائرات الحربية التي تمتلكها، هي تكلفة عالية مقارنة مع الدروزنز التركية.

كما تمتلك تركيا أيضا نظام تشفير قوي للغاية، وقد ظهر ذلك جليا في ليبيا، حيث لم تستطع أقوى الدفاعات الجوية الروسية من التأثير على الطائرات التركة وخاصة البيرقدار.

 

ولكن هل تجازف تركيا بعلاقتها مع إثيوبيا لصالح مصر!؟

بالطبع لا، ولكن في قانون الحروب وسوق الأسلحة لا مانع من أن تبيع تركيا الأسلحة لمصر، التي هي عميل للأسلحة التركية أصلا، وبالتالي إن توسع هذا الأمر لا أظن أنه سيؤثر سلبا على العلاقات التركية الإثيوبية.

 

وأخيرا..

لا أحد يتمنى الحرب، ولا أحد يتمنى أن يكون الخيار الوحيد لحل هذه الأزمة الخيار العسكري، ولكن أمام العالم أجمع ماطلت إثيوبيا مدة 10 سنوات في المفاوضات، الأمر الذي سيؤدي ربما للحرب في نهاية المطاف.

الكل يعلم أن نهر النيل ليس بخيار بالنسبة لمصر، فحياة 100 مليون إنسان مصري مرتبطة به كما هو الحال بالنسبة للشعب السوداني، كما لا ننسى أن تركيا تتمتع بنفوذ دبلوماسي كبير في إفريقيا، الأمر الذي قد يساعد في النهاية على تحييد الخيار العسكري والتوجه لحلول أخرى بمساعدة تركيا.. فالكل يتمنى ألا تحصل الحرب.

لذلك من الواضح أن العلاقات المصرية التركية أخيرا وصلت لطريق تجعل الخيار الوحيد أمام الدولتين، التصالح، ويتزامن ذلك مع التباعد المصري الإماراتي، بسبب نفس الأزمة المائية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى