تقاريرمميز

تركيا وقطر تحالف قديم جديد.. يلبي تطلعات شعوب المنطقة (تقرير)

إن المتابع لتطور العلاقات التركية القطرية يستطيع أن يدرك أنه تطور لم يأت بسبب الحصار الرباعي الذي فُرض على دولة قطر مؤخرا، ويستطيع أن يرى أنه تحالف يعود إلى نحو 149 عاما عندما دخل العثمانيون قطر بدعوة من الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، فتشكل يومها تحالف بين آل ثاني والسلطان العثماني عبد العزيز، تحالف كان قائما على الأخوة والعلاقات الطيبة والاحترام، كما هو الحال اليوم.

نظرة تاريخية

تعززت هذه العلاقة الطيبة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي استلم الحكم عام 1876، وعهد الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني مؤسس دولة قطر الذي استلم الحكم عام 1877.

وتظهر المراسلات التي كانت بين الزعيمين مدى الاحترام والتقدير الذي كان يكنه كل منهما للآخر.

الوثائق التاريخية تؤكد أن مساعي ومحاولات الإنكليز لزعزعة العلاقات المتينة بين السلطان عبد الحميد الثاني والشيخ جاسم، فشلت بقرار من الزعيمين وقوة منهما، وثقة كل منهما بالآخر.

وتؤكد المراجع التاريخية أن قطر هي الإمارة الوحيدة التي دافعت الدولة العثمانية عن حقها في تقرير مصيرها الخاص، الأمر الذي هيأ الظروف لظهور دولة قطر الحديثة، فكان التعاون العثماني مع الشيخ جاسم وشعبه بمثابة صورة عن التعاون الإيجابي بين أبناء بين المسلمين، وبالتالي يمكن القول إن قطر اليوم كما نراها أصبحت من الدول المتطورة على مختلف الأصعدة، وكذلك تركيا التي كما نراها على أبواب أن تصبح من بين أقوى 10 اقتصاديات في العالم.

نظرة معاصرة

ومع الدولة التركية الحديثة التي تأسست بعد إسقاط الدولة العثمانية، نرى اليوم العلاقات التركية القطرية محافظة ومازالت في أبهى صورها، كيف لا وهي من ميراث السلطان عبد الحميد الثاني والشيخ جاسم، يحافظ عليها ويعززها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

يشدد المراقبون أن هناك تناغما سياسيا كبيرا بين البلدين واتفاق في وجهات النظر تجاه كثير من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.

وكما يشدد المسؤولون الأتراك في مناسبات عدة فإن التحالف التركي القطري “عميق جدا، من قطاع الدفاع إلى الاقتصاد إلى السياسة، كما يرتبط الزعيمان في البلدين بعلاقة ودية للغاية”.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أبرمت تركيا وقطر، 10 اتفاقيات في مجالات مختلفة، أبرزها : الاستثمار المشترك في مشروع “القرن الذهبي” بمدينة إسطنبول، والبورصة، وأنشطة الترويج المشترك في المناطق الحرة. وتضمنت الاتفاقيات إنشاء لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة، والتعاون في مجال إدارة المياه، وتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي، والتعاون في مجالات الأسرة والمرأة والخدمات الاجتماعية.

أردوغان تميم

الشيخ تميم أول زعيم عربي ترفع صورته في تركيا

في كانون الأول/ديسمبر 2016، وللمرة الأولى في تركيا رُفعت صورة زعيم عربي غير تركي في البلاد، هو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى جانب صورة أردوغان ومؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وكان ذلك خلال افتتاح مجمع “شنول جوناش” الرياضي في ولاية طرابزون شمالي تركيا.

حادثة ليست بالعادية كما يؤكد مراقبون، إذ أنه من المعروف عادة أن صور المسؤولين الأتراك فقط ترفع في مثل هذه المناسبات، فكان رفع صورة الشيخ تمام دلالة على عمق العلاقة بين تركيا وقطر، علاقة أصبحت استراتيجية بكل المقاييس، وتنعكس إيجابا على العديد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما تريده الشعوب، خاصة في مناطق الأزمات والحروب.

قطر تركيا

التحالف العسكري

ومن أبرز ما يميز علاقات تركيا وقطر الشأن العسكري، إذ أنه بعد اتفاقية الدفاع المشترك عام 2014 قامت تركيا بتأسيس أول قاعدة عسكرية لها في شبه الجزيرة العربية منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، قاعدة تعززت بعد حصار قطر، ومازالت تتعزز حتى بعد رفع الحصار، إلى جانب المناورات العسكرية والأمنية الدورية بين تركيا وقطر.

الدعم الاقتصادي المتبادل

التميز في العلاقات يمتد إلى الجانب الاقتصادي فرأينا الدعم التركي مباشرة بعد الحصار الأخير، ورأينا الدعم القطري لتركيا في هذا الجانب يوم أن شنت بعض القوى الإقليمية والدولية حربا مالية اقتصادية.

وهذا الجانب لم يقتصر في تميزه على الطبقة الحاكمة في كلا البلدين، بل امتد ليكون دعما متبادلا بين شعبي البلدين أيضا.

ومن مظاهر تعزيز العلاقات الاقتصادية ارتفاع حجم التجارة بين البلدين بنسبة 6% عام 2020، ليصل إلى 1.6 مليار دولار أمريكي، حيث بلغت استثمارات قطر في تركيا 22 مليار دولار.

وتعمل في قطر 533 شركة تركية في عدد من المجالات الحيوية، عدد منها ينفذ مشاريع إنشائية تصل قيمتها إلى 18.5 مليار دولار، وفي المقابل تعمل 179 شركة قطرية في تركيا.

أمير قطر

الانقلاب الفاشل.. وقطر

ولا ينبغي لأحد أن ينسى أن قطر كانت أول دولة في العالم ـ ومنذ اللحظات الأولى ـ أعلنت تأييدها لأردوغان والحكومة المنتخبة ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها منظمة “فتح الله غولن” الإرهابية، مساء 15 تموز/يوليو 2016.

لذلك فإن تركيا تنظر إلى قطر أنها كانت دائما وخاصة خلال السنوات العشرة الماضية حليف الأوقات الصعبة.

قطر تركيا

تركيا وقطر.. وشعوب المنطقة

اليوم من الواضح أن التحالف التركي القطري الذي يستمد قوته من تاريخه وحاضره وأهدافه الاستراتيجية المرسومة له، هو الذي سيكون صاحب التأثير الأكبر في المنطقة، فالشعوب وعيت وعلمت الجهات التي تقف معها وتلك التي تقف ضدها، والقرار في نهاية المطاف هو للشعوب وقرارها.

تركيا وقطر دولتان يقوى نجمهما عالميا، فالأولى أصبحت قوة إقليمية لا يُستهان بها وقوة دولية مسموعة الرأي يؤخذ برأيها، قادرة على فرض ما تريد في العديد من الميادين والساحات، نجحت في استقطاب القوى العالمية الكبرى إليها، استحوذت على العديد من المشاريع العملاقة العالمية، تنمو وتتقدم بخطى متسارعة ثابتة نحو عام 2023 حيث ستكون حينئذ من الدول الإقتصادية العشرة الأولى في العالم.

أما الثانية، قطر، فأصبحت دولة مستقلة القرار تجيد اللعب في الميادين السياسية لما فيه مصلحتها ومصلحة شعبها وأمتها، قادرة على التحرك ذاتيا في ساحات الاقتصاد وأسواق الغاز والنفط، استقطبت أهم الأحداث الرياضية في العالم، بنت شبكة علاقات دولية.

وختاما..

استطاعت تركيا وقطر من خلال محافظتهما اليوم على تحالفهما التاريخي، بل وتعزيز هذا التحالف، أن تقدما نموذجا للتحالف الاستراتيجي الإيجابي النافع للدول الراغبة بالتحالف فيما بينها، أي أصبح التحالف التركي القطري مضرب مثل بالنجاح إقليميا ودوليا وشعبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى