مدونات TRمميز

الإبادة الأرمنية المزعومة.. لماذا الآن أمريكيا؟!

سعي إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن للاعتراف رسميا بمزاعم الإبادة الجماعية للأرمن على يد العثمانيين في هذا التوقيت الذي تتزايد فيه الضغوط ضد تركيا ليست سوى جزء من حملة غربية ذات أبعاد دينية يمينية متطرفة غالباً، تستهدف العالم الإسلامي، الذي باتت فيه تركيا بمثابة رأس حربة في مواجهة مطامع الاستعمار والحملات الغربية التي تتجسد بوضوح في السياسات الفرنسية تجاه المسلمين والخطاب العدائي ضدهم، وفي محاولات السطو الغربي على مراكز صناعة القرار في الدول العربية والإسلامية.

هجمات شرسة شنتها دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة، ضد تركيا طوال السنوات الماضية تراوحت بين دعم تنظيميات تصنف بأنها إرهابية معادية لتركيا واستهداف الاقتصاد وصولا إلى رعاية ودعم المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز 2016، وأخيرا استدعاء التاريخ وتزويره في محاولة لإجهاض النهوض التركي بخاصة في مجال الصناعات الدفاعية، وقبل ذلك وبعده وأثناءه إصرار تركيا أردوغان على المضي قدما في نفض يدها عن التبعية للغرب وبناء تركيا الحديثة ذات الإرادة الحرة و القرار المستقل.
تقول الولايات المتحدة الأمريكية إنها تتخذ هذه الخطوة، كجزء من التزاماتها بدعم حقوق الإنسان حول العالم، لكن لماذا الآن فقط تذكرت مظلومية الأرمن المزعومة وليس طيلة السنوات الماضية؟!

ولماذا لم تستجب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لدعوات تركيا المستمرة بفتح الأرشيف العثماني والاطلاع على حقائق ووثائق ما حدث في تلك الحقبة، واستجلاء الحقيقة كما هي دون ابتزاز أو توظيف رخيص لمأساة مئات الآلاف من البشر ضحايا الصراع الدامي الذي لم يكن ضحاياه الأرمن فحسب، ولكن أضعاف أضعافهم مسلمون من رعايا الدولة العثمانية، وكان لقوى استعمارية حينها يد في إذكاء ذلك الصراع، كما تقول مصادر التأريخ؟!

الجواب: لأن الأمر برمته لا يعدو عن كونه مجرد ابتزاز أمريكي صرف، سبقه قرار حرمان تركيا من مشروع مقاتلات F-35 رغم أنها شريك فيه، ردا على حق تركيا في اقتناء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S-400، بحجة أن ذلك يتعارض مع أنظمة الدفاع الصاروخية لحلف النيتو!!، رغم وجود ثلاث دول أعضاء في النيتو نفسه تستخدم أيضا منظومات دفاع روسية.

ناهيك عن ذلك، لم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بأي من جرائم الإبادة العرقية والجماعية التي ارتكبتها منذ نشأتها الأولى على جماجم الهنود الحمر مرورا بأبشع مجازر التاريخ القريب ناجازاكي وهيروشيما والعراق وغيرها.

ما الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بدافع الالتزام بسؤولياتها تجاه حقوق الإنسان لإنصاف ضحايا القتل الجماعي في ملجأ العامرية في العراق أو قصف مناسبات الأفراح والعزاء في أفغانستان والصومال واليمن، أو فظائع انتهاك الكرامة الإنسانية في سجن أبو غريب، أو حتى في السلوك العنصري الذي تمارسه المؤسسة الأمنية الأمريكية تجاه مواطنيها السود؟!
لا شيء.

ما الذي فعلته الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص الإبادة الجماعية في كاليفورنيا إبان الأحداث التي جرت منذ منتصف وحتى نهاية القرن التاسع عشر بين الحكومات المحلية للولايات المتحدة الأميركية والشعب الأصلي القاطن في كاليفورنيا، حيث قامت الولايات المتحدة عقب احتلالها كاليفورنيا عام 1846 بتشجيع السكان والميليشيات على قتل الرجال والنساء والأطفال غير المسلحين؟!

لا شيء.

لقد ‏فشلوا في إجهاض نهضة واستقلال تركيا فذهبوا إلى استدعاء التاريخ من خلال ‎#أكذوبةالإبادةالأرمنية كما يسميها الأتراك في هاشتاج تصدر تويتر تركيا هذه الأيام، بينما الحقيقة أن مفاهيم حق التضحية بالآخر، وعقدة التفوق العرقي والثقافي، وتقمص الدور الخلاصي للعالم، ثوابت راسخة تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على ترجمتها إلى واقع عملي في علاقتها بالآخر، معتبرة التضحية بهذا الآخر حقًا وتفويضًا اختصها به الربّ، وهذه الفكرة أساس نشأة أمريكا، كما يقول منير العكش في كتابه (أمريكا والإبادات الجماعية)، وهناك العشرات من الكتب والتقارير والوثائق التاريخية تدين الولايات المتحدة الأمريكية وتجعل منها رائدة الإبادات الجماعية في التأريخ.

محمد الأحمدي

صحفي يمني
زر الذهاب إلى الأعلى