كشفت التطورات الأخيرة التي بدأت باعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى، ومن ثمّ تحولها لحرب على قطاع غزة المحاصر، عن نموذج جديد من الإعلام الناطق باللغة العربية، قبل إعلان وقف إطلاق النار فجر اليوم الجمعة، بعد 11 يوما من العدوان الإسرائيلي على القطاع.
صهينة الشارع العربي
خلال متابعة النموذج الجديد من هذه الوسائل، تظهر بوضوح ملامح مشروع جديد قائم على “صهينة الشارع العربي” أيديولوجيا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث انتهج هذا الإعلام نهجا ملكيا أكثر من الملك المعتدي، فدافع عن العدوان الإسرائيلي أكثر من منفذي العدوان نفسه.
وذلك من خلال تغييب الوعي المتأصل في وجدان المواطن العربي والمسلم عامة نحو القدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية بشكل عام.
وعلى رأس تلك الوسائل الإعلامية التي تحمل على عاتقها مهمة تنفيذ هذا المشروع بكل حذافيره، قنوات وصحف ومواقع إلكترونية أصبحت معروفة وشهيرة في الشارع العربي أنها تميل لكل ما هو ضد القضية الفلسطينية، كما يشدد مراقبون.
معايير جديدة ومصطلحات غريبة
تعكف تلك الوسائل الإعلامية على محاولة تغيير الصورة النمطية لدى المتابع العربي والخليجي تحديدًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولأجل ذلك فهي مضطرة لاتباع معايير تنتهجها بشكل منظّم، وانتقاء مصطلحات غريبة تتسق مع رواية دولة الاحتلال ورؤيتها للصراع:
1- التركيز على الرواية الإسرائيلية والتي تقوم على أن هناك صراعًا بين طرفين متساويين من حيث القوة والعتاد.
على سبيل المثال، استخدمت سكاي نيوز عربية في خبر لها الثلاثاء الماضي، عنوان “تصعيد متبادل.. متى تتوقف الحرب في غزة؟”.. كما أنها لم تقر بأنه عدوان على غزة من خلال “الحرب في غزة” وكأننا نتحدث عن جيشين متكافئين.
2- عدم ذكر مصطلح “العدوان الإسرائيلي”، وكأن القضية حرب بين جيشين.
3- عدم تسليط الضوء على معاناة المدنيين في غزة المحاصرة، جراء الاعتداءات الإسرائيلية.
4- عدم تحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية هذه الحرب العداونية، من خلال محاولة اتهام المقاومة الفلسطينية بأنها هي من تتعنت وتتسبب بإزهاق أرواح المدنيين.
5- عدم استخدام مصطلح “شهداء” واستخدام مصطلح “قتلى”، وهذا بحد ذاته يساهم في إطفاء المشاعر المتأصلة في الوجدان العربي والإسلام إزاء القضية الفسطينية.
6- استضافة مسؤولين إسرائيليين والترويج لروايتهم، ويأتي في سياق ذلك الاهتمام غير العادي بتصريحاتهم التي تختزل المقاومة الفلسطينية أنها “حركة إرهابية”، إضافة لذلك تغييب تام لوجهة نظر الفلسطينيين.
7- محاولة استعطاف المشاهد العربي إزاء القتلى الإسرائيليين “المحتلين”، وتهديد “أمن حياتهم” بفعل الصواريخ.
8- زرع الفتن والإشاعات الكاذبة بهدف بث الكراهية في قلوب الخليجيين على وجه التحديد إزاء الشعب الفلسطيني، من خلال اتهامهم بشتم العرب، وإلقاء المسؤولية عليهم وحدهم في الدفاع عن أنفسهم، دون مراعاة الروابط والأواصر العريقة التي تجمع بين الشعوب العربية والإسلامية.
على سبيل المثال: روجت قناة العربية، أمس الأول الأربعاء شائعات حول أن عددًا من قادة المقاومة فروا مع عائلاتهم إلى مصر، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
ما دفع وزارة الداخلية في قطاع غزة للرد على ذلك بقوة، متهمة قناة العربية بشكل مباشر، أنها “تمارس دورا مشبوها وتعمل وفق أجندة تتقاطع مع أجندة الاحتلال الإسرائيلي”.
ولا يقتصر الأمر على هذه النقاط فحسب، بل يتعداها إلى صور أبشع تمارسها مواقع وشخصيات ورجال أعمال وإعلاميين محسوبين محسوبين على دول التطبيع.