معالم “الثورة التركية”.. تعرف عليها بقلم فيصل القاسم
أشاد الكاتب والإعلامي السوري الشهير، فيصل القاسم، بالتجربة التركية الرائدة في مجال الإصلاح والنهوض باقتصاد تركيا “دون إراقة قطرة دم واحدة” خلال عهد حزب العدالة والتنمية، واصفا ما تحقق في تركيا خلال العشرين سنة الماضية بـ”الثورة التركية الصامتة”.
وقال القاسم في مقال حمل عنوان “لماذا نجحت الثورة التركية بامتياز!” نشره، مساء الجمعة، في صحيفة القدس العربي، إنه “ليس هناك ثورة تركية بالمعنى الثوري للثورة أبداً، لكن الحقيقة أن تركيا تقوم بثورة حقيقية منذ أكثر من عشرين عاماً نقلتها من عالم إلى عالم آخر تماماً”.
وقارن القاسم الوضع في تركيا قبل مجيء حزب العدالة والتنمية الحاكم وبعده، وتساءل قائلا “ماذا كنتم تعرفون عن تركيا إعلامياً قبل ذلك؟ بماذا كانت تشتهر تركيا من قبل؟ كيف كان العالم والعرب خصوصاً ينظرون إلى الإنسان التركي؟ لعل أشهر شيئين كانا يميزان تركيا هما الانقلابات العسكرية، وسعر الليرة التركية الذي كان مضرباً للمثل في التدني والرخص. فلم نكن نسمع عن تركيا في وسائل الإعلام قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة سوى أخبار الجنرالات والانقلابات”.
وأردف “وقد كان كثيرون يتندرون ويسخرون من العملة التركية. ومن النكات التي كنا نسمعها في ذلك الوقت أن شاباً سورياً ذهب للعمل في تركيا، وبعد فترة اتصل بأهله في سوريا ليقول لهم: سأقوم بتحويل ملايين الليرات التركية لكم قريباً، فطارت عقولهم من الفرحة عندما سمعوا بالملايين التركية التي ستصلهم من ابنهم، لكنهم تفاجأوا لاحقاً بأن لا قيمة أبداً لملايين الليرات التركية، التي كانت قيمتها أرخص من الورق المطبوعة عليه. وذات يوم كان كل مليون ليرة تركية يعادل دولاراً أمريكياً واحداً. لا عجب إذاً أن فرح أهل الشاب السوري بالملايين لأول وهلة ثم أصيبوا بالإحباط عندما وجدوا أن الملايين التركية لا تشتري كيلو لحمة”.
وامتدح القاسم التجربة التركية الرائدة في الاقتصاد، وأوضح أنه “من أهم إنجازات الثورة التركية الصامتة أن تركيا انتقلت خلال سنوات قليلة من دائرة العالم الثالث إلى دائرة أقوى عشرين اقتصاد في العالم، وصارت الليرة التركية حلم الكثيرين بعد أن تخلصت من ستة أصفار، وصارت من العملات المحترمة في العالم”.
وأضاف “حدث ولا حرج عن المدن التركية التي كان بعضها يفتقر إلى شبكات الصرف الصحي ومنها إسطنبول نفسها، حيث كانت الروائح الكريهة تنبعث من مياه المجارير، لتصبح اليوم من أجمل وأرقى مدن العالم وتجتذب سنوياً ملايين السياح. من كان يحب أن يقضي عطلته الصيفية في تركيا قبل تولي حزب العدالة السلطة في البلاد قبل عشرين عاماً؟ أما اليوم فقد غدت تركيا مهوى أفئدة السياح من أنحاء العالم كافة. وغدا شراء شقة في أي مدينة تركية حلماً لملايين البشر من معظم أنحاء المعمورة”.
وحول المكانة التي حققها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتركيا خلال عهده، قال القاسم “من كان يريد أن يحمل الجنسية التركية قبل عهد أردوغان؟ قلة قليلة جداً، أما اليوم فقد بات القاصي والداني يتفاخر بحصوله على الجنسية التركية لما باتت تتمتع به من سمعة عالمية. ما هي البضاعة التركية التي كان يشتريها الناس؟ ربما حلويات الراحة التركية، أما اليوم فقد باتت الصناعات التركية في كل المجالات تنافس الصناعات العالمية بامتياز، حتى في الصناعات الحربية. من منكم لم يسمع بطائرات بيرقدار المسيرة التي باتت تبلي بلاء حسناً في كل المعارك التي دخلتها؟”.
وأضاف أن “الملابس التركية صارت تنافس الملابس الإيطالية والعالمية الأخرى بجودتها وأناقتها وموديلاتها، ناهيك عن أنها أرخص تكلفة بكثير”، مشيرا إلى أن “الفن والبضائع التركية قد غزيا مختلف أنحاء العالم، وعندما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي توجهت فوراً لعقد اتفاقيات تجارية مع تركيا دون غيرها لتزويد بريطانيا بالسلع الغذائية والمنزلية”.
كما امتدح القاسم الاستقرار السياسي الذي حصل في عهد “العدالة والتنمية”، وتابع قائلا “كان جنرالات تركيا منشغلين بالانقلابات على بعضهم البعض قبل حزب العدالة وأردوغان، صار الجيش التركي الآن يجوب العالم ويبني استراتيجيات خارجية غير مسبوقة في تاريخ تركيا الحديثة، وعاد الناس ليتذكروا الفتوحات العثمانية التاريخية”.
واستطرد “هل هذه ثورة عظيمة أم لا؟ لقد أنجزت تركيا ثورتها دون قطرة دم واحدة بفضل النخبة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية. لقد علمتنا التجربة التركية أن الثورات يمكن أن تحدث بشكل صامت دون دماء ومظاهرات وفوضى. وهذا ما فعله حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الذي تجاوز أتاتورك بمراحل في النهضة الصناعية والاقتصادية ووضع تركيا على الخارطة الدولية”.
ونوّه أنه “عندما يتوفر القائد الوطني والحزب الوطني الحقيقي الذي همه النهوض ببلده وشعبه، فالجميع سيقف معه ويشد على يديه. الثورات تحتاج إلى أبطال وطنيين وهم يحشدون الطاقات والشعوب وراءهم، وهذا ما فعلته القيادة التركية التي جعلت الأتراك جميعاً ينهضون في كل المجالات دفعة واحدة. لماذا؟ لأن الرأس نظيف ووطني، ولو كان الرأس فاسداً لفسدت البلاد والعباد، وكما يقول المثل: السمكة تفسد من رأسها، والثلم الأعوج من الثور الكبير”.
وختم القاسم مقاله بالثناء قائلا “النخب التركية كان مضرباً للمثل في الوطنية والأمانة، لهذا قادت ثورة ناجحة هادئة بكل المقاييس دون أن تطلق رصاصة واحدة، فالقائد الوطني يصنع وطناً وشعباً عظيماً. وقد قلبت تركيا القول المأثور: (كما تكونوا يولى عليكم) إلى (كما يولى عليكم تكونوا)”.