حملت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة “شوشة” في إقليم “قره باغ” الأذري المحرر من الاحتلال الأرميني، العديد من الرسائل السياسية والتاريخية والاقتصادية، بحسب العديد من المثقفين والخبراء السياسيين.
ورأى خبراء وأكاديميون أتراك، أن هذه الزيارة تعكس مدى عمق العلاقات بين تركيا وأذربيجان، وتبعث برسائل متعددة إلى دول المنطقة والعالم، تم التأكيد فيها على متانة العلاقات بين البلدين، إضافة إلى إبراز مدى عمق الوجود التركي الاستراتيجي في منطقة القوقاز.
دلائل زيارة شوشة
في 15 حزيران/يونيو الجاري، أجرى أردوغان زيارة مع نظيره الأذري إلهام علييف، إلى مدينة شوشة التاريخية العريقة في إقليم “قره باغ” الأذري المحرر من الاحتلال الأرميني، حيث قاما بتفقد بعض الأماكن التاريخية والثقافية في المدينة، ووقعا على وثيقة سُميّت بـ”إعلان شوشة” نسبة إلى المدينة.
ويحمل الإعلان عن توقيع الوثيقة رسائل تاريخية واستراتيجية هامة متعددة الأبعاد، تؤكد قوة الوجود التركي في القوقاز، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسطنبول شينول أرسلان تاش.
وقال أرسلان تاش لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “مدينة شوشة ليست كغيرها من المدن، فقد شكّل تحريرها منعطفا تاريخيا وسياسيا في إطار تحرير (قره باغ)، الذي ما كان ليحصل لولا الدعم السياسي والعسكري غير المتناهي الذي وفرته تركيا للقوات الأذرية خلال حرب الـ 44 يوما”.
وأضاف أن “الزيارة تحمل رسائل عدة، أولها أن تركيا وأذربيجان ماضيتان في تقوية العلاقات وتعزيزها الأمر الذي سيعيد ترتيب حسابات العديد من دول المنطقة وعلى رأسها أرمينيا واليونان وروسيا وإيران”.
ولفت إلى أن “حضور أردوغان المراسم العسكرية في شوشة تعكس مدى التزام تركيا بأمن وسلامة أذربيجان، وكذلك تظهر أن اليد العليا قد أصبحت لها في القوقاز”.
وأكد أرسلان تاش أن “أردوغان أراد من الزيارة أن يثبت للعالم أن تركيا الضعيفة بالأمس، مختلفة تماما عمّا هي عليه اليوم، خاصة أنه وصل إلى شوشة بعد أن التقى بالعديد من زعماء حلف شمال الأطلسي الـ(ناتو)، وكان من أبرزهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون”.
ولفت أرسلان تاش أن “وقوف تركيا إلى جانب أذربيجان من أجل استعادة (قره باغ) ووضع حد للاحتلال الأرميني الذي دام 30 عاما، بعث كذلك برسائل طمأنة وثقة إلى حلفاء تركيا، بأنهم يعتمدون على حليف قوي لن يتخلى عنهم في أوقات الشدة”.
وتابع “ومن حيث الشكل فإن الزيارة يمكن قراءتها كذلك في سياق الحرب النفسية على أرمينيا، حيث أظهرت أردوغان وعلييف بموقف الزعيمين القويين، ما سيشكل ضغطا من قبل الرأي العام في أرمينيا على الحكومة هناك”.
إعلان شوشة
في اليوم نفسه، وقّع أردوغان وعلييف، على “إعلان شوشة” المكون من 9 بنود، وذلك لتحديد خارطة للعلاقات بين البلدين، وافتتاح قنصلية عامة في المدينة.
وأكد أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك مع علييف، أن “تركيا تتابع عن كثب جهود إعادة إعمار المدن المحررة من الاحتلال الأرميني في إقليم (قره باغ)”، مضيفا “سنتخذ التدابير اللازمة التي تحول دون تعرض أذربيجان وإقليم (قره باغ) لمثل هذه الكارثة (الاحتلال الأرميني) مجددا”.
وتنص الاتفاقية على أن البلدين يؤكدان وفاءهما لكافة الوثائق الدولية الموقعة بينهما، وباتفاقية “قارص” المبرمة في 13 تشرين الأول/أكتوبر عام 1921. فضلا عن الارتقاء بالعلاقات التركية الأذرية إلى مستوى نوعي جديد من التحالف يخدم مصالح البلدين والشعبين.
وفي هذا الصدد، قالت الباحثة التركية في العلاقات الدولية، جيرمينيليس كليتش، إن “إعلان شوشة من شأنه أن يقوي العلاقات بين تركيا وأذربيجان إلى أقصى الحدود، خاصة في مجال الدفاع المشترك والصناعات الدفاعية العسكرية، بعد أن أثبت الدعم التركي المقدم إلى أذربيجان خلال حرب تحرير (قره باغ) مدى أهمية البلدين لبعضهما البعض”.
وأشارت كيليتش لـ”وكالة أنباء تركيا” إلى أن “تركيا استطاعت من خلال الإعلان، أن تخلق عامل توازن استراتيجي وسياسي وأمني مهم في منطقة القوقاز، حيث أكد الإعلان أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في المنطقة بدون مساعدة تركيا”.
وبيّنت أن “(إعلان شوشة) يمثل امتدادا لاتفاقية (قارص) الموقعة عام 1921، بين البرلمان التركي، وجمهوريات جنوب القوقاز السوفييتية حينها (أذربيجان وأرمينيا وجورجيا)، بالإضافة إلى روسيا البلشفية”، لافتة أنه كذلك “يحمل رسالة معنوية وتاريخية لكل من تركيا وأذربيجان، خاصة أنه أقيم في شوشة التي تعني الكثير للأتراك حول العالم ثقافيا وإنسانيا”.
كما أوضحت كيليتش أن “تركيا أرادت من خلال إعلان شوشة إظهار الدعم الكامل والقوي للموقف الأذري، وإبراز مدى التطابق في الرؤى بين البلدين وشعبيهما”، مؤكدة أن “العلاقات في المرحلة المقبلة بين تركيا وأذربيجان ستشكل مفتاحا لحل العديد من القضايا العالقة في المنطقة”.
وفي 15 حزيران/يونيو 2021، وصل أردوغان على رأس وفد رفيع المستوى، إلى مدينة شوشة الأذرية في إقليم “قره باغ” المحرر مؤخرا من الاحتلال الأرميني، وذلك لتوقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية مع أذربيجان.
وتم استقبال أردوغان من قبل نظيره الأذري إلهام علييف بمراسم رسمية، حيث عزف النشيد الوطني لكل من البلدين، وألقى أردوغان التحية العسكرية على منصة الاستقبال.
وكان الجيش الأذري قد أطلق في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، عملية عسكرية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم “قره ياغ”، وذلك ردا على الاعتداءات التي قامت بها القوات الأرمينية على المدنيين داخل أذربيجان.
وبعد 44 يوما من المعارك، أعلنت روسيا في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، التوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات كانت محتلة.
ا