أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة في أيلول/سبتمبر 2020 علنا تطبيعها الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي، عبر اتفاق أطلق عليه اسم “الاتفاق الإبراهيمي”، حيث حاولت يومها الأذرعة الإعلامية للإمارات والاحتلال الترويج لهذا الاتفاق أنه “يصب في مصلحة الفلسطينيين من جهة، والسلام بين الأديان من جهة أخرى”.
إلا أنه بعد نحو عام على هذا التطبيع يجد مراقبون أنه لم يسفر عن أي خطوة تصب في صالح الفلسطينيين، بل على العكس حيث أن هجمات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة واعتداءاته على القدس والمسجد الأقصى المبارك في أيار/مايو الماضي أثبت عدم صحة ما ادعته الإمارات عبر سياسييها وإعلامييها.
وتتعمد أذرع الإمارات الإعلامية سواء عبر قنوات تلفزيونية أو حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أومقالات ونصوص في صحف ومواقع إلكترونية فضلا عن المقاطع المصورة بين إماراتيين ومستوطنين إسرائيليين، تتعمد إبراز التبجيل الكبير للاحتلال والمستوطنين.
ويتساءل مراقبون عن سبب “هذا الانبطاح” الذي لم يشاهدوه من قِبل شعوب الدول العربية والإسلامية التي طبّعت دولها مع الاحتلال الإسرائيلي كمصر أو الأردن أو تركيا.
فما هي الحقيقة وما هو المنطق بالعلاقات بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي، وما هي الدوافع الحقيقية وراء سلوكها و”انبطاحها الإعلامي” أمام الاحتلال.
قواسم مشتركة بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي
الباحث في العلاقات الدولية، طارق دياب، قال لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “توصيف العلاقة بين الإمارات وإسرائيل لا يمكن اعتباره تطبيعا عاديا على غرار ما حصل في السابق بين الأردن أو مصر من جهة وإسرائيل من جهة أخرى حيث كان تطبيعا باردا ومحدودا”.
وأضاف “ما يحدث بين الإمارات وإسرائيل هو تحالف جيوسياسي واستراتيجي يشمل كافة الجوانب من أمن واقتصاد ودفاع، ويشمل كل المناطق من الشرق الأوسط للقرن الإفريقي والخليج واليمن”.
وعن الدوافع الرئيسية وراء “الانبطاح الإعلامي” للإمارات، قال دياب “أعتقد أن الدافع الرئيسي لذلك هو أن الإمارات ترى في إسرائيل الحليف الاستراتيجي والدائم، والحليف الذي يمكن أن يضمن لها غطاءا دوليا وأمريكيا على وجه التحديد”.
ودلّل على ذلك أن “الإمارات كانت على علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمركي السابق دونالد ترامب، إلا أنها لا تضمن الشيء ذاته مع إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ولذا فهي تريد حليفا يضمن لها هذا الغطاء مثل إسرائيل من خلال لوبيات الضغط التي تتمتع بها الأخيرة في الدوائر الأمريكية”.
ولفت دياب إلى أنه “من وراء ذلك هناك قواسم مشتركة بين الإمارات وإسرائيل، مثل رفض أي حراك عربي وثورات عربية، أو تغيير سياسي، وكذلك العداء للإسلام السياسي، والعداء للقضية الفلسطينية، والموقف المتشرك من إيران، وغير ذلك”.
واعتبر دياب أن “الإمارات تطمح في استغلال تطبيعها مع إسرائيل لتكوّن معها قوتين مهيمنتين على منطقة الشرق الأوسط، ثم تكوّن التوازنات الإقليمية لصالحهما من خلال هذا التحالف”.
وقلل دياب من صحة فرضية أن تكون الإمارات تطمح من خلال التطبيع لـ”للعب دور مستقبلي في القضية الفلسطينية”، لافتا إلى أن “الأحداث الأخيرة في القدس وغزة أثبتت عدم صحة هذه الفرضية.. الإمارات بعيدة عن ذلك”.
وأردف أن “الإمارات فقدت دور الوساطة أصلا من خلال ابتعادها الكامل عن الجانب الفلسطيني، سواء حماس أو السلطة الفلسطينية، على حساب التوجه كليا نحو إسرائيل والتحالف معها في كافة الأصعدة”.
حكومة الإمارات هي المسؤولة عن سياساتها
وفي إشارة إلى التفريق ما بين نظرة المجتمع ونظرة الحكومة في الإمارات، أشار المحلل والباحث السياسي علي باكير في حديث مع “وكالة أنباء تركيا”، إلى “عدم إمكانية التعميم، فالحكومة في النهاية هي المسؤولة عن سياساتها”.
ورأى باكير أن “الذي يدفع الإمارات وراء علاقات انبطاحية مع الإمارات، هو عقدة البروز”.
وأضاف “أولا أعتقد أن الأمر يتعلق بعقدة البروز لدى الإمارات، في ظل انزعاجها من الأدوار التي تقوم بها دول أخرى وتتفوق من خلالها على الإمارات، أما الأمر الثاني فيتعلق بتحقيق الحظوة داخل واشنطن، وهذا يتم من خلال علاقات مع إسرائيل”.
وأردف باكير أنه “إضافة لذلك، هناك رغبة الحصول على حماية خارجية على اعتبار أن أبو ظبي غير قادرة على حماية نفسها، وبحاجة لحماية خارجية، ولا شك أن العلاقة مع إسرائيل من شأنها أن تعزز من هذه السياسة”.
“الانبطاح”.. علاقة موالاة مع عدو
بدوره، أكد الشيخ الحسن بن علي الكتاني رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو الأمانة العامة لرابطة علماء المسلمين، أن “العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني لا تعد علاقة تطبيع، بل علاقة موالاة وتعاون مع دولة عدو”.
وشدد الشيخ الكتاني في حديث مع “وكالة أنباء تركيا” أن “الآيات كثيرة في هذا الصدد”، مستشهدا بقول الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ”، وقوله تعالى “إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”.
وأكد أن “هذه علاقة محرمة بل إنها تطعن في عقيدة المسلم الذي يرتكبها، نحن نتحدث عن التعاون مع الكيان الصهيوني الغاصب للقدس والمسجد الأقصى، والذي يقاتل المسلمين ويعاديهم ويقتل نساءهم وأطفالهم ويضيق عليهم ويخرجهم من ديارهم ويهدد أمنهم”.
“الاتفاق الإبراهيمي” عبارة فاسدة لا معنى لها
وحول الحديث عن مفهوم الاتفاق الإبراهيمي الذي حاولت دول التطبيع على رأسها الإمارات الترويج له لصبغ التطبيع بصبغة دينية، قال الشيخ الكتاني “هذه عبارة فاسدة لا معنى لها”.
وأضاف “لقد أوضحنا سابقا في ندوة عقدها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وحضرته ثلة من العلماء، أن العقيدة الإبراهيمية المزعومة ما هي إلا خليط بين عقائد باطلة مع عقيدة التوحيد الحقة، والتي هي بالفعل ملة إبراهيم عليه السلام، وملة إبراهيم هي الإسلام”.
وفند الشيخ الكتاني مغالطة “الاتفاق الإبراهيمي”، حيث قال “نحن لا نتحدث عن قتال أو معاداة اليهود لكونهم يهود، لأن اليهود قد عاشوا بين المسلمين منذ بزوغ الإسلام ليومنا هذا، وحينما قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتلهم لكونهم يهود، بل لأنهم غدروا ونكثوا العهود”.
وأردف “طيلة 14 قرنا بقوا من أهل الذمة، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، والمسلمون تعاملوا معهم معاملة أهل الذمة حافظوا على حقوقهم وحياتهم وأموالهم ودور عبادتهم وكتبهم المقدسة”.
وشدد “نحن اليوم ننهى عن التصالح مع دولة مغتصِبة لأرض مقدسة من أراضي المسلمين، ولا زلت تغتصبها وتقتل أهلها وتطردهم من ديارهم، فأي إبراهيمية ها هنا؟ حاشا أن يكون إبراهيم عليه السلام يقبل بهذا، (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)”.
وأكد أن “دول التطبيع لم تنجح بصبغ تطبيعها صبغة دينية، ولن تنجح في ذلك بتاتا، ولا يمكن لأي أحد عاقل أن يقبل بهذا، ولذا فإن جمهور العرب والمسلمين رافضون لذلك”.
يشار إلى أنه في أيلول/سبتمبر 2020، وقعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقيتن للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في البيت الأبيض، بالولايات المتحدة الأمريكية واشنطن.
وفي 13 آب/أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، في تغريدة نشرها على حسابه في “تويتر” تطبيعا كاملا للعلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي والإمارات، واصفا الاتفاق بين الطرفين بـ”التاريخي”.
وعقب تغريدة ترامب، أعلن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، في تغريدة له، أنه “تم الاتفاق مع إسرائيل على وضع خارطة طريق للعلاقات”.