منذ ما قبل إعلان عودة الديمقراطيين إلى سدة الحكم عبر وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأميريكية، انضوت العديد من الجهات إلى تحليل آثار هذه النتائج على تركيا والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وحول هذا الأمر تحدث أستاذ العلاقات الدولية اللبناني رائد المصري عن مستقبل العلاقات التركية الأميركية، حيث قال إنها “مرّت في السنوات الماضية بتأزّم كبير نتيجة اختلاط الملفات على مستوى إعادة تركيب النظام الإقليمي وإعادة تركيب النظام الدولي بطبيعة الحال، وهذا حكماً يعيق خلط الأوراق بما يختص بتركيا كدولة إقليمية وازنة وكبيرة ولها مداها الحيوي، والذي بدأنا نشهده انطلاقاً من الأزمة السورية وصولاً إلى الأزمة مع مصر، وأيضاً في الأزمة الأرمينية وحرب أذربيجان مع أرمينيا، وفي الملف النفطي والغازي في المتوسط والموضوع الليبي.
وأوضح المصري في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “كل هذه الملفات، وبما لأنقرة من دور حيوي فيها، أثار الذعر لدى الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب، ما يعني حكماً أنه كان هناك تأزّم، ومن ناحية أخرى كان لتركيا علاقات جيدة مع روسيا في التبادل الاقتصادي والسياحي وعلى مستوى الـ S-400 وخط غاز السيل الجنوبي وغيرها من الأمور الاقتصادية”.
ورأى المصري أن “تركيا تريد أن تلعب دورا موازنا بين الشرق والغرب، وأن يكون الثقل الاستراتيجي الذي تلعبه ضامنًا لها ولسياساتها في المستقبل، وهو أمر مهم جدا ولكنه حسّاس وخطير إذا ما تم خرقه من أيٍّ من الأطراف.
وأضاف أن “الإدارة الأميريكية الجديدة تطلّعت إلى هذا الدور التركي الصاعد والنامي والمؤثر والحيوي في المنطقة، وبالتالي باتت الحاجة استراتيجية لمساعدتها بما أن واشنطن تعمل على إغلاق الملفّات الشائكة في الشرق الأوسط، وبالتالي هذا الفراغ الاستراتيجي الذي ستتركه لا يمكن إلا لتركيا أن تقوم باحتوائه نوعاً ما أو سدّه، علّها تخفف من الضغط أو الوهج الروسيّ المتّجه إلى المحيط أو إلى المياه الدافئة والبحر المتوسط”.
واعتبر المصري أن “ذلك كان السبب في أن تكون حاجة واشنطن كبيرة إلى التعاون والانتهاء من الملفات التي شكلت نوعاً من النزاع، مثل الناتو وطائرات F-35 وصواريخ S-400 الروسية، حيث انتقل بايدن إلى التعامل مع الحاجة إلى الدور التركي على أنها أكبر من كل هذه الملفات التي كانت تشكل نقاط خلاف”.
وأكد المصري قائلا “يبدو أن بايدن بحاجة للتركي في الموضوع السوري، خصوصاً فيما يتعلق بالوحدات الكردية المتمركزة شمالي وشرقي سوريا، وبالتالي يريد مقايضة موضوع التسوية في سوريا بربط هاتين المنطقتين، ولا يستطيع ذلك إلا من خلال الدور التركي المتصاعد.
وعرج على الملف الليبي حيث شدد أن “لتركيا دور أساسي في التسوية الليبية القائمة، وهذا يوفر إمكانات اقتصادية هائلة، ولفت إلى أن أنقرة استطاعت قبل ذلك أن تلعب هذا الدور عبر نسج علاقاتٍ مهمة جداً على المستوى الاستراتيجي”.
وتابع المصري “إذاً كلا الطرفين، واشنطن وأنقرة بحاجةٍ إلى بعضهما البعض، وبحاجةٍ إلى تسوية وترتيب الملفات، لكن الحاجة الأميركية هي أكبر، لأن تركيا لعبت وتعبت على هذه الملفات وعلى هذه الأوراق لصرفها في إعادة خريطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وإعادة الترتيب الإقليمي على هذا المستوى.. ومن هنا نبدأ نتلمّس مظاهر هذا التشكل الإقليمي الواضح والذي سيكون لتركيا الدور المؤثّر على مستوى امتلاك كلّ الأوراق في المنطقة من آسيا الوسطى إلى البحر الأبيض المتوسط وحوضه إلى ليبيا وسوريا والعراق، وغيرها من الملفات الرئيسة، علّها تسدّ ثغرة أساسية من الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط”.
من جانبه، لفت أستاذ العلاقات الدولية اللبناني علوان أمين الدين في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا” إلى “وجود عدة أمور تشكّل مشاكل بين بايدن وأردوغان، رغم أن الجانبين تكلّما عن أن اللقاء بينهما كان إيجابياً، وخلفية هذا الأمر ترجع إلى عهد دونالد ترامب حيث كان يُقال إن أردوغان كان يأخذ ما يريد من ترمب، ولن يأتي رئيسٌ أمريكي يعطي أردوغان كما أعطاه ترامب، وهذا جزء من الانقسام الأميريكي ـ الأميركي الداخلي وانعكاسه على تركيا”.
وتابع أمين الدين “أما في عهد بايدن، فهناك عدة ملفات أساسية، فقد وترت واشنطن الأجواء مع أنقرة عندما اعترف بايدن بمذبحة الأرمن في نيسان/أبريل الماضي، نظراً لحساسية الموضوع بالنسبة للأتراك الذي يعتبرون أنها لم تكن إبادة بل قتال جماعي راح نتيجته ضحايا، أي كانت حرباً وليست إبادة، بما في ذلك من فرق كبير بين المفهومين، فالإبادة هي جريمة دولية بينما الحرب هي أداةٌ من أدوات الصراع غير السلميّ”.
وتحدث أمين الدين عن قضية S-400، قائلا إن “تركيا تحاول من خلال هذه المنظومة أن تجد نظاما للدفاع الجوي عند حدودها الجنوبية على المتوسط، نظراً لما لديها من استثمارات في ذلك الموقع، في حين تخشى الولايات المتحدة من أن يكشف نظام المراقبة في هذه الصواريخ الإلكترونيات أو الإحداثيات السريّة الموجودة في طائرات F-35، ما دفعها إلى إيقاف العمل بهذا البرنامج. وحتى بعد قمة الناتو برزت تصريحات تؤكد أن بايدن لم يُثنِ أردوغان عن شراء المنظومة الروسية S-400”.
وعن ملف تنظيم PKK/PYD الإرهابي شمالي وشرقي سوريا، قال أمين الدين إن “أنقرة تعتبره مسألة أمنٍ قوميّ تشكل نقطة خلافٍ رئيسة مع واشنطن، كون هذه القوات تتمتع بحمايةٍ ودعم أميركي شمالي سوريا”.
وفي ملف غاز شرقي المتوسط، قال أمين الدين إنه “مثار خلافٍ مع الاتحاد الأوروبيّ، وحتى لو كانت هناك خلافاتٌ بينيّة بين الاتحاد الأوروبيّ والولايات المتحدة، فإن الأخيرة لن تقف ضد الأتحاد الأوروبي في هذه القضية، وفي أحسن الأحوال قد تقف على الحياد، لكن لن تقف مع أردوغان”.
أما في الموضوع الليبي فهناك خلافاتٌ أيضاً وفقاً لأمين الدين “فرغم وجود صراع بين الموالين لتركيا والموالين لروسيا (حفتر)، لكنّ الجانبين مستفيدان من هذا الصراع وقد يأتي يومٌ يستفيدان فيه من تقاسم المغانم على حساب الأوروبيين والأمريكيين في المستقبل”، على حد تعبيره.
وتحدث أمين الدين عما طُرح في قمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” الأخيرة حول “التصدّي للصين ومواجهة روسيا العدو التقليدي للـ(ناتو) منذ أيام حلف وارسو في الاتحاد السوفياتي، حيث تتضمن أجندة 2030 عملاً دفاعياً في هذا الصدد.. وبحسب الأمين العام لحلف الـ(ناتو) يانس ستولتنبرغ سيكون هناك تعاونٌ مع مجتمعات أخرى بهدف إقامة منظومة أمن 2030 ومن ضمنها الدفاعات العسكرية.. وفي هذا المجال قد يكون أردوغان مع الحلف ضد الصين لكن بمعنى النفوذ التركي التاريخي الموجود في وسط آسيا وحتى في الصين نفسها، حيث يهمّ أردوغان أن يفعّله”.
وقال أمين الدين إن “الأمر ينطبق أيضاً على مسألة التعاون التركي الباكستاني الذي يحجب الطريق على السعودية ويخلق فصلاً بين آسيا ودول الخليج، خاصةً أن إيران تتفق مع تركيا بعزل السعودية أو إضعافها أو محاصرتها.. ووجود شريط بين باكستان وإيران وتركيا يهمّ الجميع، خاصة مع وجود خط غاز في تلك المنطقة يقوم بتغذيتها.. ومن هذا الباب يمكن أن تكون هناك بعض الضغوطات لكن لا يمكن لأردوغان أن يضغط كثيراً لأن جزءاً من طريق الحرير يمرّ في نفق مرمرة التركي ويصل إلى أوروبا، لذلك سيعمل على أن يكون بمثابة بيضة القبّان أو يستخدم أسلوب اللعب على الحبال”، على حد قوله.
في الموضوع الروسيّ رأى أمين الدين أنه “لا يمكن لأنقرة أن تتدخل كثيرًا لأن بينهما الكثير من الملفات الشائكة التي تحتاج إلى حل، مثل الموضوع الليبي والسوري والقرم والقوقاز والغاز وشرقي المتوسط، وهي تهمّ الجانبين التركي والروسي”، مضيفا “لا أعتقد أن أحدا منها سيذهب إلى التصعيد في وجه الآخر”.
من جانبٍ آخر عبّر الباحث في العلاقات الدولية والجيوسياسية رياض عيد عن اعتقاده أنه “رغم وجود خلافاتٍ في بعض النقاط، إلا أن القواسم المشتركة هي أكبر من نقاط الخلاف، وإحدى تلك النقاط التي برزت مؤخراً هي تكليف تركيا من قبل حلف شمال الأطلسي أن تحمي مطار العاصمة الأفغانية كابول، الأمر الذي شكّل استفزازاً كبيراً لحركة طالبان.. وإيران وروسيا أيضاً لا توافقان عليه، فهذه نقطة خلافية أنا أتمنى على تركيا أن لا تُقدم عليها كي لا تلعب دور البديل عن الـ(ناتو) بعد عدم قدرة أميركا والحلف على البقاء في أفغانستان على أثر العمليات التي حدثت وهذه الحرب اللامتناهية التي لا نهاية لها كما سمّاها بايدن”.
ورأى عيد خلال حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “زج تركيا في هذا المأزق هو فخّ قد يؤدّي إلى تشنّجاتٍ أتمنى أن لا تقدم عليها تركيا”.