
الوجهة مصر، والمسافرون بصالة الانتظار التي تسبق دخولهم للطائرة قد سئموا الانتظار.. بدأوا يسألونها، متى يتم فحص جوازاتنا وندخل الطائرة؟
هكذا بدأت قصة إسراء البابالي، ذات الـ 37 عاما، والتي كانت تعمل في مطار أتاتورك الدولي في مدينة إسطنبول، يوم وقوع المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا مساء 15 تموز/يوليو 2016.
وتحكي إسراء في مقابلة خاصة مع “وكالة أنباء تركيا”، ما عايشته لحظة احتلال المطار من قبل الانقلابيين، لحظات تقول “لن أنساها طيلة حياتي”.
لم تكن إسراء تعلم ما ينتظرها عندما ذهب إلى عملها المسائي في المطار في ذاك المساء.
تركت إسراء طفلتها الصغيرة في المنزل مع زوجها، وتوجهت كأي يوم عادي إلى عملها، حيث وصلت إلى المطار في الساعة الثامنة مساء.
تقول إسراء إنها انتبهت فور وصولها أن أضواء أبراج المراقبة وأضواء مدارج الطائرات مطفأة على غير العادة، ولكن لم تعلم بعد أن المطار كان تحت سيطرة الانقلابيين.
تابعت سيرها متوجهة لمكان عملها داخل المطار، لتسمع إسراء صوت المدرعات العسكرية تدخل إلى المطار.
وعن تلك اللحظة تقول “شعرتُ حينها أن ثمة مشكلة كبيرة وخطب عظيم في الأجواء”.
تحكي إسراء قصة والتأثير واضح على وجهها وصوتها، وتقول “ظننت أن للأمر علاقة بالتنظيمات الإرهابية، والتي قتلت عشرة من زملائي بعمل إرهابي في المطار قبل المحاولة الانقلابية بشهر”.
عرفت إسراء أن ثمة محاولة انقلابية في تركيا عندما أرسل لها الخبر مدير فريقها يقول فيها “هناك انقلاب”.
بعد علمها بذلك، تركت إسراء مكانها في المطار، وبينما هي ذاهبة سألها المسافرون “إلى أين تذهبين؟ ولماذا لم تُفتش الجوازات حتى الآن؟”.
صارحت إسراء المسافرين وأجابت على سؤالهم بكل وضوح، قائلة “هناك محاولة انقلابية جارية الآن”، لتتفاجأ أن المسافرين لم يصابوا بالذعر.
أحد المسافرين المتوجهين إلى مصر، قال لها “الانقلاب أمر طبيعي، لا مشكلة”، لتكتشف إسراء أن المسافرين ظنوا أن الانقلاب يجري في مصر وليس في تركيا.
بعد ذلك، دخلت إسراء مع زملائها لمكتب الموظفين في المطار، وأحكموا إغلاق الباب، حيث أمرهم مدير الفريق “ارتدوا ملابسكم العادية لا ثياب العمل” لأن الانقلابيين كانوا يعتقلون عمال وموظفي المطار.
عند الساعة الثالثة فجرا، تمكنت وحدة من القوات الخاصة من اقتحام أبراج المراقبة والقبض على الانقلابيين، وتأمين هبوط طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بصعوبة رغم الخطر.
وتحكي إسراء أن أردوغان حينها كان يعلم أن هناك محاولة انقلابية، ولكن لم يكن يعلم تفاصيل ما يحدث في المطار.
دخل أردوغان إلى صالة المسافرين المميزين (VIP)، وكان المطار حينها غارقاً في الظلام الدَّامس، حيث أطفئت جميع الأضواء.
وتزامن ذلك مع وصول الطائرات الحربية F-16، التي بدأت تقصف المطار بشكل عشوائي، وحينها كانت إسراء تسمع صوت إطلاق النار، ولكن لا تعلم من أين يأتي، ولا ترى الطلقات من شدة الظلام، حسب ما تقول في شهادتها.
وتتابع إسراء قائلة “حينما تحصل حوادث مخيفة أو مؤلمة، أتصل بأمي، ولكن لكثافة إطلاق النار الذي لم يتوقف، لم أستطع سماعها عبر الهاتف وهي تكلمني”.
وتتابع “تسكن أمي بالقرب من جسر البوسفور (جسر شهداء 15 تموز)، والذي استهدفه الانقلابيون أيضا لمنع المواطنين من الخروج نحو الميادين، استهدف القناصة حينها كل من يصعد على جسر البوسفور، ولم يتوقف إطلاق النار هناك أيضا”.
وبينما يتدفق المزيد من الجنود على المطار، شعرت إسراء أن تلك الليلة هي ليلتها الأخيرة، وإذ بالشهادتين تجريان على لسانها، كما تقول.
سمعت إسراء في ذاك الوقت صوت الطائرة ولكن بشكل مخيف، وتكمل قائلة “كنت أريد الذهاب إلى جانب أردوغان، ولكن مديري لم يعطني الإذن بسبب حرصه على الفريق واضطراب الوضع”.
وتضيف إسراء “نحن لم نترك عملنا ولم نترك المطار، ولكن كانت كل الطرق مغلقة، ألغيت جميع الرحلات، الجميع أصبح أسيرا، وإذا نجح الانقلاب لا قدر الله لكنا أسرى، ولكن الحمد لله لم ينجح”.
وشهد مطار أتاتورك الدولي يومها تدفق آلاف المواطنين الذين أوقفوا دبابات الانقلابيين وقاموا بإخراجهم من داخله.
عاشت إسراء لحظات مرعبة في ذاك اليوم، حيث كانت معرضة للخطر كونها موظفة في المطار، ولكن لم يتسلل الذعر إلى قلبها، وبذلك شهدت على حدث سُطرت لحظاته بدماء الشهداء في صفحات التاريخ، ذاك الحدث الذي لا تقل أهمية نصره عن الحروب التي خاضتها تركيا في الماضي والتي تخوضها الآن سعياً نحو انتزاع استقلاليتها وإنهاء عهد التبعية.
يذكر أنه في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2018، كان مطار أتاتورك توقف عن العمل ليبدأن بعد 65 عاما على افتتاحه بالتحول إلى مساحة خضراء.
وسيتحول مطار أتاتورك إلى حديقة ضخمة باسم “حديقة الشعب”، تكريما للشعب التركي الذي خرج إلى المطار نصرة للشرعية ليلة محاولة الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو 2016.
وشهدت العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف تموز/يوليو 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لتنظيم “غولن” الإرهابي، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم الولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة نحو مقرّي البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، ومطار “أتاتورك” الدولي بإسطنبول، ومديريات الأمن بعدد من الولايات.
وأجبر الموقف الشعبي آليات عسكرية تتبع للانقلابيين كانت تنتشر حول تلك المقرات على الانسحاب، ما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي الذي أوقع نحو 251 شهيدًا وإصابة ألفين و 196 آخرين.
اقرأ أيضا.. يوم أمر أردوغان بهبوط طائرته في الظلام.. وواجه الانقلابيين دون درع (تقرير)