ثقافة وفنمميز

الأضحى في تركيا: أن تعيش العيد حقاً!

تركيا: بلدٌ تليق به الأعياد - عن أجواء عيد الأضحى 2021

أن يحلّ عيدٌ لأول مرة دون حظر وإقفال تام في تركيا بسبب إجراءات الحدّ من انتشار كوفيد-19، فهذا يعني أن المواطنين الأتراك والمقيمين والزائرين سيختبرون فرحةً افتقدوها واشتاقوا لها بعد سنتين من الانقطاع الإجباري.

وأن يأتي عيد الأضحى المبارك على الأتراك بشكلٍ طبيعي بعد طول انتظار، فهذا يعني أننا أمام جملةٍ من العادات والتقاليد المتوارثة اللطيفة، منها ما هو مشتركٌ مع مختلف الدول العربية والإسلامية، ومنها ما هو خاصٌ ويشكل جزءاً من الهوية التركية.

يولي المجتمع التركي المسلم أهميةً ووقاراً عظيمين لمكانة عيد الأضحى، حتى في أدقّ التفاصيل. وفي هذا الصدد، يوقّر الأتراك جزئية تقديم الأضاحي لوجه الله مهما كان مستواهم المادّي، ففي تركيا قد ترى عجوزاً بسيطاً يقضي العام أو عدداً من أشهر السنة وهو يقتصد ويوفّر النقود ليتمكن من شراء أضحيّة العيد والمشاركة في هذه الشعيرة المقدسة.

يبدأ الأتراك باختيار أضحيّاتهم وشرائها قبل شهرٍ تقريباً من العيد، ذلك أنهم يتقصّدون الاعتناء بأضحيتهم لتكون في أفضل حال عند تقديمها قرباناً إلى الله تعالى. وعند حلول العيد يقومون بغسلها وتزيينها بـتيجان الورود وتخضيبها بالحنّاء.

التخضيبُ بالحنّاء هو بحدّ ذاته تقليدٌ معنوي لدى المجتمع التركي، ففي هذا البلد الجميل تستعمل الحنّاء في 3 أمورٍ متباينة، إنما يجمعها مفهوم القربان.

فالماشية في عيد الأضحى تخضّب بالحنّاء للدلالة تقديمها قرباناً إلى الله.

والجندي يخضّب بالحنّاء للدلالة على تقديمه روحه قرباناً للوطن.

والعروس تقام لها ليلة الحنّاء قبيل ليلة زفافها للدلالة على تقديمها لنفسها فداءً لزوجها وأولادها المنتظرين.

استقبال العيد بنفَسٍ جديدٍ ملؤه الأمل شيء مهمّ لدى الأتراك، فهُم يحرصون قبل الأعياد، وبشكل خاص قبل عيد الأضحى على تبديل المفروشات أو بعضها قبيل العيد، الأمر الذي ينعكس تجديداً إيجابياً على حياتهم وصحّتهم النفسية.

تنظيف المنزل من الأمور التي تحرص عليها السيدة التركية تأكيداً منها على استقبال العيد بجهوزيةٍ تامّة، فلا تكتفي بالتنظيف العادي بل قد لا تترك مقدارَ إبرةٍ في منازلها دون تلميع، ثم تشعل البخور في المنزل لإضافة رونقٍ خاصٍ وبركة وروحانية على رائحة المنزل.

تتجهّز البيوت التركية أيضاً بتحضير الحلويات والأطعمة المنزلية أو شرائها، وعلى رأسها اليبرق والبوريك والبقلاوة التركية والحلقوم، وذلك لتقديمها للضيوف الذين سيدخلونها بغرض تبادل المعايدات.

المعايدات بحدّ ذاتها تخضع لنظامٍ لا يخلو من الاحترام والتوقير، فالأصغر يزور الأكبر فالأكبر، وفي العديد من المناطق التركية ما زال المواطنون يحرصون على تقاليد توقير الكبار عبر تقبيل أيديهم. كما أن الزوجة تقبّل يد زوجها احتراماً وعرفاناً مستفيدةً من بركة العيد ليعمّ الخيرُ عائلتَها.

المساجد التركية تتجمّل بأضواء الزينة وعبارات المعايدة التي تقوم مديرية الشؤون الدينية بالاهتمام بتعليقها فوق القباب وبين المآذن، منها ما يفيد معنى التبريك مثل (Bayramımız Mübarek olsun)، أي ليكن عيدنا مباركاً، ومنها ما يفيد المحافظة على الوحدة والأخوّة، (Birliğimiz daim olsun) أي لتكن وحدتنا دائمة.

الأطفال أيضاً في صلب الاستعدادات لاستقبال العيد، فإسعادهم غايةٌ أساسية في هذا البلد. أن تشهد العيد في تركيا يعني أنك ستلاحظ الملاهي وحدائق الألعاب المستحدثة التي تنصبها البلديات على عموم الأراضي التركية استعداداً لاستقبال الأطفال الذين يقصدونها للّعب وقضاء أوقاتٍ لطيفة.

أجواء الأعياد في تركيا مميزة جداً لدرجة أن مئات الألاف من السياح، مسلمين وغير مسلمين، يقصدون مختلف المدن التركية، وبشكلٍ خاص مدينة المساجد إسطنبول، لاختبار واحدة من أجمل تجارب العيد حول العالم، يكفي أن تمشي في شوارع اسطنبول أول أويام عيد الأضحى هذا العام، لترى الأعداد المهولة من البشر الذين اكتظّت بهم شوارع ومطاعم المدينة وأماكنها السياحية والتاريخية والدينية المميزة حتى ساعات الفجر الأولى، ولتعرف كم إن هذا البلد نابضٌ بالحياة ومحبوبٌ وتليق به الأعياد!

زر الذهاب إلى الأعلى