لليوم السادس على التوالي، تتابع تركيا معركتها الضارية بتوظيف إمكانياتها كافةً للسيطرة على الحرائق التي اندلعت في عشرات المواقع الموزّعة على 6 من ولاياتها جنوب وجنوبي غربي البلاد، بينها أنطاليا، وأضنا، وموغلا، ومرسين.
ومع توسّع رقعة الحرائق اضطرت السلطات التركية لإخلاء عشرات القرى من السكان، فيما أسفرت عن عشرات الضحايا بين قتيل وجريح وقضت على مساحات شاسعة من الغابات.
هذا المشهد الذي استدعى تضامنا دوليا واسعا على الصعيد الرسمي، تزامن مع تقديم ما أمكن من المساعدات من جانب العديد من الدول، وأبرزها قطر وإيران والمعارضة السورية والاتحاد الأوروبي وأذربيجان وروسيا وأوكرانيا وغيرها، بغية المشاركة في إخماد ألسنة النار التي تهدد الحجر والبشر والشجر.
لكنّ زاويةً أخرى للرؤية تضيء قتامة المشهد، تتجلى في بروز مظاهر تضامن الشعوب العربية مع تركيا، كما هو الحال في ظلّ أيّ أزمةٍ تمرّ بها.
فمواقع التواصل الاجتماعي غصّت بالمنشورات الداعمة والمتضامنة مع تركيا، سواء عبر الدعاء أن “تكون الحرائق برداً وسلاماً على تركيا الحبيبة”، أو عبر إطلاق حملاتٍ للمشاركة في أعمال الدعم المالي أو اللوجستي أو إعادة التشجير في محاولةٍ للتعويض عن هذه الخسارة البيئية الكبرى”.
فما هي أسباب تضامن العرب مع تركيا، ولماذا تحظى بهذه المكانة الخاصة في وجدان الشعوب العربية؟
وفي إطار البحث عن إجابات موضوعية، تواصلت “وكالة أنباء تركيا” مع عددٍ من الخبراء والمحللين السياسيين.
الدكتور عفيفي الورداني، الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون العربية، رأى أنه “رغم اختلاف الأنظمة العربية مع النظام التركي وعلى رأسه رجب طيب أردوغان، إلا أن الشعوب العربية التي غضبت من تصرفات أردوغان في كثير من الملفات، ترى أن الشعب التركي غير مسؤول بشكلٍ مباشر عن تصرفات أردوغان وحزبه الحاكم صاحب الخلفية الإسلامية”، على حد تعبيره.
وتابع “هنا يكمن السر، حيث إن الشعوب العربية هي شعوب إسلامية بطبيعتها، ولكنها الآن ترفض تجربة تيار (الإسلام السياسي) في الحكم بعد أن فشل في الدول العربية، إنما تظلّ مسلمة محبّة لدينها الإسلامي”.
وأضاف “مهما اختلف البعض مع أردوغان وسياساته ورفضت حزبه وطريقته في السياسات الخارجية، إلا أن الشعوب ستظل تتعاطف مع الشعب التركي في أية أزمة تحدث له لأنه في النهاية شعب مسلم، وهنا يكمن السر في تعاطف الشعب العربي مع الشعب التركي، لأن الشعبين تجمعهما العقيدة الدينية الإسلامية، وهذا مكوّن رئيس في حياة الشعوب العربية”.
وتابع قائلا إن “الشعوب العربية تضع صور أردوغان في منازلها لأنه يدافع عن نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام ضد الرسوم المسيئة لنبيّنا الكريم في صحف فرنسية، رغم اختلافها معه في بعض السياسات الخارجية خاصة تلك المتعلقة بسوريا أو العراق”.
وختم الوراني أن “الشعوب العربية تتضامن مع النظام التركي إذا دافع عن الإسلام والمسلمين، ونفس الشعوب ستكون ضد النظام التركي إذا كانت مواقفه ليست على المستوى المطلوب من الدفاع عن المسلمين، ولكنها ستظل متعاطفة مع الشعب التركي وترفض أية أزمة تحدث له لأنه شعب مسلم في الأساس”.
من جانبه، قال الباحث الدكتور أحمد أويصال رئيس مركز “أورسام” للدراسات في أنقرة في حديث لنا إن “الشعوب العربية والتركية والكردية عاشت مع بعضها أكثر من ألف سنة، وهذه فترة طويلة تزاوجوا خلالها وبات بينهم رابط قوي خاصةً أن معظمهم من المسلمين، وهناك روابط تاريخية وثقافية بينهم”.
وأضاف “بعد الاستعمار الذي قسّم هذه البلاد وأسس دويلات صغيرة ليسيطر عليهم، الشعوب لم تنس.. المستعمرون حاولوا أن يفرّقوا بين هذه الشعوب بالقومجية والإيديولوجيات المختلفة وتحريض طرف على آخر، لكن رغم كل شيء الشعوب لم تنس أنهم إخوة وجيران”.
ورأى أن “هذه الروح التضامنية تظهر مع كلّ الأزمات لأن الشعوب تتعاطف مع بعضها، وتجمعهم روابط عائلية وقبَلية، وأيضاً في كلّ الدول تجد أناساً من أصول عربية أو تركية، إذا هناك روابط لأننا نجد في تركيا أناساً من أصول عربية وفي الدول العربية أناساً من أصول تركية”.
وأنهى أويصال تصريحه بالقول إن “هذه الأزمات هي أزماتٌ إنسانية وتشجّع التضامنَ مع الطرف الآخر، وطبعاً كمسلمين وجيران وأقرباء، وهذا يقوّي التضامن ويظهر في كلّ فرصة رغم الاختلافات السياسية والتناقضات الاقتصادية… فالقلوب لدى شعوب المنطقة تنبض مع بعضها البعض، وهذا شيء إيجابي جداً”.
التساؤلات عينها طرحناها على الدكتور أيمن خالد، رئيس اتحاد الإعلاميين الأجانب في تركيا، الذي قال إن “الأزمات التي تمرّ بها تركيا على كل الأصعدة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، أي نوع من الأزمات تؤثر تأثيراً مباشراً على المنطقة العربية وعلى الشعوب العربية تحديداً”.
وقال “الشعوب العربية حقيقةً في السنوات الأخيرة بعد أن تقاربت بوجودها الفعليّ أو بوجودها الفكريّ مع المنظومة التركية عموماً، جعلتها متعلقةً بتركيا وبالمصير المشترك، حيث إن نسبة كبيرة من الشعوب العربية الحرة التي رفضت الاستبداد في بعض بلدانها كانت وجهتها إلى تركيا، حيث وجدت لها مقاماً طيباً في هذا البلد وشعرت أن هناك مصلحة مشتركة تجمعها مع تركيا شعباً وقيادةً”.
وتابع خالد قائلا “لذلك نجد هذا التضامن على المستوى الإعلامي أو المالي أو الوقوف أو الحراك النفسي بالنسبة للمجتمعات العربية، سواء الموجد منها على الأراضي التركية أو الموجود على الأراضي العربية باعتبار هذا التواصل أو باعتبار العلاقات التاريخية الحقيقية ما بين تركيا كدولة وما بين المنظومة العربية، لأن المصالح عبر التاريخ واحدة والمهددات كذلك واحدة، المصائر مشتركة”.
وأضاف أن “هذا ما دفع الشعوب العربية في الأزمة الأخيرة إلى أن تقف إلى جانب تركيا، وتجلى ذلك واضحاً من خلال ما تمرّ به تركيا من حرائق. لذلك نجد أن هناك وسائل ووكالات إعلامية كثيرة تبنّت الوقوف بجانب تركيا.. وهنالك مؤسسات وجمعيات كان الخطاب الإعلامي الخاص بها واضحاً بأن تقف موقفاً داعماً على الجانب المالي، وإن كانت تركيا قادرة على مواجهة هذه الأزمات، لكن بالنتيجة هي أزمة وهناك إشكالية معينة تتطلّب المواقف المتبادلة ما بين تركيا والشعوب العربية التي عاشت الجغرافيا الواحدة الممتدة عبر أزمنةٍ مهمة من التاريخ وعبر الثقافات والمصالح المشتركة”.
واستخلص أن “كلّ هذه الأمور تدفع بالشعوب العربية لأن تقف مع تركيا وفاءً للموقف التركي الذي ساند القضايا العربية سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا أو مصر أو اليمن أو السودان أو الجزائر أو تونس… و كل المناطق العربية التي احتاجت”.
وختم بالقول “كان الموقف التركي واضحاً في خدمة هذه الشعوب وهذه الدول، وجاء الوقت لتقف الشعوب العربية مع تركيا، وهذا جزء طبيعي من التعاملات الإنسانية والدولية وما يفرضه حسن النية في التعامل بين الأطراف”.
“تجدر الإشارة إلى أن “الجاليات العربية” المقيمة أطلقت حملة لإعادة تشجير الغابات المحترقة انطلاقاً من فكرة كونها جزءٌ من المجتمع التركي.
في حين أعلنت رابطة العلماء السوريين في إسطنبول، مساهمتها في حملة إعادة تشجير الغابات المحترقة التي يشرف عليها وقف الديانة التركي، في عدد من المناطق.
هذه المساهمة تأتي عبر قيام فرع إسطنبول في الرابطة بجمع تبرّعاتٍ من الأعضاء للمشاركة، مع الإشارة إلى تحديد قيمة الشجرة الواحدة 10 ليرات تركية.
وتزامناً قدمت فرق البحث والإنقاذ السورية (SAK) التابعة للمعارضة السورية، الدعم لأفراد إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد”، وقوات الجندرما التركية، في مكافحة الحرائق المستمرة في ولايات جنوب وجنوب غربي تركيا منذ أيام، فضلا عن وصول فرقة دعم وإنقاذ من قطر لدعم تركيا في هذه الظروف.
يأتي ذلك فيما أعلنت الرئاسة التركية، مساء الأحد، أنه “تمّت السيطرة على 122 حريقًا من أصل 129 في 35 مقاطعة في أنحاء تركيا”.