“العدالة والتنمية” برئاسة أردوغان.. 20 عاما من النجاحات والتحديات (تقرير)
هكذا بُنِيت الجمهورية الثانية في تركيا
إثر حل حزب الفضيلة بقرار من المحكمة الدستورية التركية في 22 حزيران/يونيو 2001، انبثق حزب العدالة والتنمية في 14 آب/أغسطس من العام نفسه، ليصبح بذلك الحزب رقم 193 الذي يبرز على المسرح السياسي التركي.
أسس الحزب 63 شخصاً من النواب المنشقّين الذين كانوا يمثلون جناح المجدّدين في حزب الفضيلة، وإثر انتخاباتٍ داخلية، تم انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسا له، ليقود منذ ذلك الوقت مرحلةً صعبةً وتحدياتٍ جدّية في مسيرة انتشال تركيا من الفشل الذريع والمديونية الدولية، ووضعها على طريق التقدّم والازدهار في أسرع وقتٍ مكن.
الإيديولوجيا
يؤمن الحزب أن العلمانية لا تعني الأشخاص وإنما الدولة، فالأفراد أحرار بإيمانهم وعباداتهم، يجمعهم قانونٌ واحد يساوي بينهم في دولة المواطنة والعلمانية.
الأهداف والمبادئ
يؤكد “العدالة والتنمية” أنه حزبٌ سياسيّ يحترم القوانين التركية، ويعمل للحفاظ على وحدة الأمة التركية، عبر صيانة التنوع الديني والثقافي والفكري، ورفض كل أشكال التمييز بين المواطنين، والدفاع عن احترام جميع حقوق المواطنين السياسية في إطار نظام ديمقراطي تعدّدي، يحترم حرية التعبير.
وبحسب أدبيّاته المعلنة، يعطي الحزب أهميةً خاصة لمفهوم الدولة الاجتماعية، ويؤمن بالإنسان بصفته المصدر الأول للتطوّر الاقتصادي، ويرى أن البطالة وعدم العدالة في توزيع الدخل يشكلان أهمّ مشكلة اقتصادية واجتماعية، كما يؤكد سعيه للحفاظ على قيم الأسرة والشباب من خلال دعم السياسات التي تخدم هذا الهدف، ودعم البرامج التعليمية والتدريبية.
هيكلية الحزب
إلى جانب رئيس الحزب يعمل مساعدون مشرفون على عدة قطاعات، بينها الانتخابات والشؤون القانونية والسياسية والتنظيم والإعلام والعلاقات الخارجية، والشؤون الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات العامة.
وكما توجد اللجنة الانضباطية التي تشرف على ضمان احترام القوانين المنظمة، وتشاركها في تنفيذ هذه المهمة هيئة مراقبة الديمقراطية الداخلية.
أما بالنسبة إلى العضوية، يفتح الحزب باب الانتساب إليه أمام كل من يحمل الجنسية التركية، شريطة التعهّد بقبول واحترام قوانينه.
المسيرة السياسية
بدأت مسيرة “العدالة والتنمية” السياسية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، حين تفوّق في الانتخابات على جميع الأحزاب الأخرى، وفاز بنسبة كبيرة من الأصوات حاصداً 363 مقعداً برلمانياً.
وبعد عامين، نجح في إحراز المركز الأول بنسبة 42% من أصوات الناخبين في الانتخابات المحلية في 28 آذار/مارس 2004، ثم ما لبث أن كرّس تفوّقه في انتخابات العام 2007.
في 12 أيلول/سبتمبر 2010 عرف حزب العدالة والتنمية نقطة تحوّل أساسية في مسيرته، حيث احتفل بفوزه في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ما مكّنه من مقاليد حكم البلاد ونقله من خانة الحزب المعارض المؤثر إلى خانة الحزب الحاكم.
توّج الحزب بواكير نجاحاته السياسية في 13 حزيران/يونيو2011، حين أحرز فوزًا كبيرا في الانتخابات التشريعية بفوزه بنسبة 50.2% من أصوات المقترعين، الأمر الذي مكّنه من الفوز بـ 327 مقعدًا من أصل 550 مقعداً في البرلمان التركيّ.
مسيرة النجاح السياسيّ في كنف “العدالة والتنمية” أوصلت رئيسه أردوغان إلى سدّة الحكم في انتخابات الرئاسة التركية التي أجريت في 10 آب/أغسطس 2014، حيث حُسم الفوز من الجولة الأولى ليصبح بذلك الرئيس الثاني عشر لتركيا الحديثة، وأول رئيس يتم انتخابه عبر الاقتراع الشعبيّ المباشر.
حصل الحزب في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 18 حزيران/يونيو 2015 على المرتبة الأولى بنسبة 40.87% خوّلته حصد 258 مقعدًا، وهو ما منعه من تشكيل الحكومة بمفرده.
وبعد جولاتٍ من المفاوضات لتشكيل حكومةٍ ائتلافية، باءت جميعها بالفشل، دعا أردوغان إلى انتخاباتٍ مبكرة في 1 تشرين الثاني/نوفمبر2015، حصد “العدالة والتنمية” بموجبها المرتبة الأولى بنسبة 49.58% من الأصوات و316 مقعدًا، ما خوّله تشكيل الحكومة.
وعلى عكس ما يحاول مناهضوه إشاعته عنه، إلا أن حزب العدالة والتنمية لم يفرّق بين المواطنين الأتراك، بل انتصر فقط للحريات الدينية، فمثلا حتى عام 2011 كان خرّيجو مدارس الأئمة والخطباء يُحرمون من أبسط حقوقهم الأساسية في التعليم بحُجة تطبيق المجموع التراكميّ، وكان قانون حظر الحجاب يحرم المحجبات وبينهن زوجات الرؤساء، من حضور أي فعالية وطنية، فأتى الحزب بمبدأ الحريات والمساواة وأعطى كل ذي حق حقه في تركيا.
ورغم كل مخططات التشويه والشيطنة التي تعرّض لها ولا يزال، آثر حزب العدالة والتنمية العمل على تطوير مجال التنمية والخدمات، ما أكسبه قاعدةً شعبيةً ضخمة يستمدّ منها قوّته وشرعيّته في وجه محاولات إقصائه من الساحة السياسية.
محاولات إسقاط مسيرة “العدالة والتنمية”
منذ إمساكه مقاليد الحكم، قدّم الحزب رئيسين لتركيا هما عبد الله غول ورجب طيب أردوغان، و4 رؤساء وزراء هم غول، وأردوغان، وأحمد داود أوغلو، وبن علي يلدريم، لكنّ ذلك لم ينعكس في السيطرة التامّة على المشهد، بل ظلّت المؤامرات تُحاك ضدّه من الداخل والخارج.
أبرز تلك المؤامرات أحداث “غزي بارك” التي اندلعت شرارتها في إسطنبول في 27 أيار/مايو 2013، احتجاجاً على اقتلاع بعض الأشجار من منتزه “غزي” المطلّ على ساحة تقسيم الشهيرة، في إطار مخططٍ لإعادة تأهيل المنطقة.
غير أن حدة الاحتجاجات ما لبثت أن تصاعدت في الأول من حزيران/يونيو 2013، وامتدّت إلى مدن أخرى، رافقتها أحداث شغب نفذتها بعض التنظيمات لإيقاف المشاريع والاستثمارات الكبيرة وإسقاط الحكومة التركية، إلا أن الأخيرة تمكنت من تجاوز تلك الأزمة.
وفي 17 كانون الأول/ديسمبر 2013، شهدت تركيا حملة توقيفات بدعوى مكافحة الفساد، طالت أبناء عدد من الوزراء ورجال المال والأعمال.
واتهمت الحكومة التركية وقتها تنظيم “فتح الله غولن” الإرهابي بالتحريض عليها بشكل غير مباشر من خلال “امتداداتها المتغلغلة” في مؤسستي الأمن والقضاء، في مسعى لتقويض حكومة حزب “العدالة والتنمية” وتشكيل كيان موازٍ للدولة التركية.
ظلّ “العدالة والتنمية” يعيش ما يشبه الحرب المفتوحة ولكن في الكواليس، ضد “غولن” الإرهابي المتأصل في الدولة والذي يتربّص بمفاصل الحياة السياسية التركية ويؤثر عميقاً فيها وينتقد الدولة العميقة، ويسعى بكلّ الأساليب إلى تسلّم الحكم.
وتجلّت آخر محاولاته لقلب الطاولة على “العدالة والتنمية” بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016، ومنذ ذلك الحين انعدمت حظوظ “غولن” الإرهابي باستلام السلطة، أمام احتضان الشعب التاريخيّ لأردوغان وحمايتهم لوحدتهم وأخوّتهم.
مرحلة جديدة بعد الانقلاب الفاشل
بعد ذلك انتقل حزب العدالة والتنمية إلى مرحلة جديدة في حياته السياسية، عندما نجح في إقرار التعديلات الدستورية، بعد طرحها على الاستفتاء الشعبي التاريخيّ في 16 نيسان/أبريل 2017، لتخرج النتيجة بتصويت 51.41% من المشاركين بـ “نعم” مقابل 48.59 بـ “لا”.
وبموجب التعديلات الجديدة على الدستور، بات بإمكان رئيس الجمهورية أن يكون على رأس الحكومة وتحديد نوابه ووزرائه، كما مكّنت أردوغان من العودة إلى الحزب الذي أسسه، بعد أن كان قد قدم استقالته منه أثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية، وفق ما ينص عليه الدستور قبل التعديلات.
كما رفعت التعديلات الجديدة عدد نواب البرلمان من 550 نائبًا إلى 600 نائب ابتداءً من الانتخابات التي شهدتها تركيا عام 2019، على أن تصبح الانتخابات الرئاسية والانتخابات العامة مرة واحدة كل 5 سنوات.
وفي 2 أيار/مايو 2017 جدد الرئيس انتسابه إلى الحزب الذي أسسه، وفي 21 من الشهر نفسه، أعيد انتخابه رئيساً للحزب في مؤتمر استثنائي.
أبرز منجزات “العدالة والتنمية”
لم يكن حزب العدالة والتنمية كغيره من الأحزاب التي وصلت إلى سدة الحكم، فقد وصل إلى السلطة في فترة كانت تركيا تعاني من الانهيار الاقتصادي الذريع وانهيار سعر صرف الليرة التركية وضعف المشارع، حتى إن تركيا كان يُطلق عليها حتى ما قبل 2002 أنها “مكبّ نفايات أوروبا”.
وخلال إمساكه بزمام السلطة، وضع الحزب خطة اقتصادية متكاملة تقوم على الاستثمار في المشاريع الاقتصادية والسياحة والخدمية، فتم إنشاء شبكة مواصلات متطورة وخاصةً في المدن الكبرى، والتركيز على السياسات الأسرية والاجتماعية، وخطط دعم الموروث التاريخي واللغوي والثقافي، وتخصيص الميزانيات الضخمة للعلوم والصناعة والتكنولوجيا والصناعات العسكرية. والاهتمام بملفات الطاقة والموارد الطبيعية، والشباب والرياضة، والغذاء والزراعة والثروة الحيوانية وأعمال الغابات والماء، وتطوير قوانين مناسبة للجمارك والتجارة، وتطوير ودعم القطاع الصحي بما في ذلك السياحة العلاجية.
كل هذا وغيره نقل تركيا من المديونية لصندوق النقد الدولي، إلى الوقوف جنباً لجنب أكبر اقتصادات العالم، نتيجة سياسة “صفر مشاكل” التي طبّقها الحزب الحاكم في مسيرة نهوضه بالبلاد. وها هي تركيا اليوم قد باتت قادرة وقوية وندّاً للدول العظمى، تفرض شروطها وتحدد قواعد اللعبة في مختلف الملفات ذات الصلة بها وبمصالحها الإقليمية والدولية.
واليوم، على مشارف عام 2023، يتحضّر الحزب الحاكم لإطلاق أو تنفيذ أو استكمال عددٍ من المشاريع الضخمة والحيوية، التي من المتوقع أن تنقل تركيا إلى مرحلةٍ غير مسبوقة من التألق.
أبرز هذه المشاريع مشروع “قناة إسطنبول” الذي وُصف بـ”المجنون”، ومشروع إطلاق أول طائرة تركية الصنع 100%، بتصميم من جامعة إسطنبول التقنية ودعم من منظمة التخطيط في الدولة، يضاف إلى ذلك مشروع محطات الطاقة النووية، وغيرها كثير من مشاريع التنمية المتنوعة.