
في ظلّ التغيّرات المتسارعة على المشهد الأفغاني، تبادرت إلى الأذهان تساؤلاتٌ حول مصير الدور التركي في أفغانستان، خاصةً بعد أن أعلنت حركة طالبان، اليوم الإثنين، سيطرتها على كل مساحة أفغانستان وانتهاء الحرب فيها رسميا بعد السيطرة على ولاية بانجشير.
حول مصير دور تركيا في أفغانستان، وسياسات تركيا تجاه أفغانستان، تحدث أستاذ القانون والعلاقات الدولية سمير صالحة لـ”وكالة أنباء تركيا.
وقال صالحة “أظنّ أن تركيا ستكون حذرة جداً في تحديد مواقفها وسياساتها.. هناك أكثر من نقطة الآن تهمّ أنقرة في تعاملها مع الملف الأفغاني، وطبعاً علاقاتها التاريخية ومصالحها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية هناك”.
وتابع “هناك أكثر من مادة الآن هي التي ستحدد سياسات تركية، لكن أظن من خلال متابعاتي أن أنقرة الآن هي التي ستعتمد سياسة منفتحة حتى على حركة طالبان ولن تتردّد في الحوار مع هذه المجموعات إذا ما كانت هي التي ستقود المرحلة المقبلة في أفغانستان”.
واستدرك أنه “طبعاً سيكون هناك حذرٌ تركيٌّ إنما لا يمكن إنكار أن هناك توازنات جديدة الآن في التعامل مع الملف الأفغاني على المستوى المحلّي وعلى المستوى الإقليمي”.
وقال صالحة “صحيح أن الولايات المتحدة خسرت بسبب سياساتها المتسرّعة بالانسحاب من أفغانستان، إلا أنها تعلم أن هذا التراجع سيكون لصالح الطرف الآخر، الروسي والصيني والإيراني والهندي ربما، لذلك أنقرة ستأخذ كل هذه التوازنات بعين الاعتبار وتحدد سياساتها في المرحلة المقبلة على هذا الأساس”.
ورأى أنه “سيكون هناك سياسة تركية متوازنة منفتحة على الولايات المتحدة الأميريكية، ولكنها في الوقت نفسه منفتحة على المحور الصيني ـ الروسي تحديداً”.
من جانبه، أعرب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي إبراهيم المدهون عن اعتقاده أن “الدور التركي الحقيقي بدأ الآن في أفغانستان، وذلك لعدة أسباب”.
وتابع المدهون أن “السبب الأول هو أن تركيا مقبولة لدى الأفغان، حتى حركة طالبان تنظر إليها وإلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتقديرٍ عالٍ، وهي تحبّ أن يكون له دورٌ ولكن عبر التنسيق معها”.
وأضاف “باعتقادي أن تركيا لا تمانع أن تنسّق مع حركة طالبان ومع القوى المسيطرة على الأرض، أمامها الآن فرصة أن تكون هي العنوان الدولي والإقليمي للتعامل ولترتيب أفغانستان من جديد لأن هذه الدولة لها إرث كبير واحترام وخبرة وقدرة على إعادة البناء والتعامل مع الدول التي تتعرّض إلى الأزمات”.
وشدد أن “هناك ثقة بالدور التركي وثقة بالرئيس أردوغان، وهناك محبة من الأفغان لأردوغان، وهذا يحتاج أن يكون هناك دور للرئيس التركي حتى لو كان عبر إرسال مبعوثين من الدرجة الرفيعة إلى أفغانستان والاهتمام بذلك”.
وقال المدهون إن “مشكلة حركة طالبان ستكون في مدى التنسيق معها، وباعتقادي أن تركيا لا تمانع أن يكون لها تنسيق مع الجميع، وخصوصاً القوى المركزية، ويمكن أن تكون تركيا عاملَ حلٍّ بعدما كانت الإشكاليات الداخلية وقوات الاحتلال الأمريكي عاملَ إشكال. فتركيا ستكون أحد عوامل الحل والانفراجة والتطور في أفغانستان في المستقبل”.
بدوره، تحدث طه عوده أوغلو، الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية عن “حالة من الترقب في تركيا بشأن كيفية تعامل القوى الكبرى والإقليمية مع حكم حركة طالبان، لكن أنقرة اعتبرت الرسائل التي وجّهتها حركة طالبان منذ سيطرتها على السلطة في كابول “إيجابية” وأعلنت أنها تنوي إجراء مباحثات مع الحركة”.
وأضاف عوده أوغلو لـ”وكالة أنباء تركيا” أنه “بعد سقوط العاصمة الأفغانية كابل بيد حركة طالبان يبدو أن هذا الحدث قد فرض نفسه بقوة على الحسابات التركية وخاصة المتعلقة بتأمين مطار كابول بعد انسحاب القوات الأمريكية”.
وتابع “على الرغم من التصريحات التي صدرت من بعض المصادر التركية والتي قالت إن تركيا تخلّت عن خططها في مطار كابول بعد انسحاب حلف شمال الأطلسي، لكن الواقع يقول غير ذلك، تصريحات أردوغان قبل أيام أنه من الممكن أن يلتقي مع زعيم حركة طالبان وأيضا تصريحات تشاويش أوغلو تَشير إلى أن تركيا ستواصل اتصالاتها مع جميع الأطراف في أفغانستان بما في ذلك حركة طالبان وهي مؤشرات واضحة أنه لا يزال بإمكان تركيا تأمين وتشغيل مطار كابل وهذا ما بدأ يحصل فعلا”.
وختم قائلا إنه “على الرغم من أن الأتراك يفتحون قنوات مع حركة طالبان للتعامل مع النظام الجديد في أفغانستان إلا أن قنوات التواصل مع الأمريكان ما زالت متواصلة”.
وفي السياق، كشف أردوغان الجمعة 27 آب/أغسطس 2021، أن “تركيا تلقّت من حركة طالبان عرضاً لتشغيل مطار العاصمة الأفغانية كابل”.
وكانت الحركة قد وجّهت الأربعاء 25 آب/أغسطس 2021 طلباً إلى تركيا لـ”مساعدة الشعب الأفغانيّ”.
وأوضح المتحدث باسم الحركة، محمد نعيم وردك، أنه يمكن أن يكون لتركيا “دورٌ مهمّ وبنّاء وإيجابيّ في أفغانستان وفي بناء وتعمير البلد”، مضيفا “نحن نحتاج إلى هذا”.
وفي 18 آب/أغسطس 2021، قال أردوغان “مستعدون لأي نوع من التعاون فيما يتعلق بسلام الشعب الأفغاني ورفاهية أقربائنا الأتراك الذين يعيشون في هذا البلد وحماية مصالح بلادنا”. وأردف “الوقوف بجانب أفغانستان في السرّاء والضرّاء أحد متطلّبات الوفاء بالعهد والأخوّة أيا كانت الجهة الحاكمة”.
وكان عدد من قادة حركة “طالبان” الأفغانية، قد أبدَوا رغبتهم في العمل مع الجماعات السياسية الأخرى لحكم البلاد.