في ذكراها الـ 950.. ملاذكرد يوم توحد المسلمون من جميع الأعراق
أحد أهم معارك التاريخ الإسلامي التي انتصر فيها المسلمون بقيادة السلطان ألب أرسلان على البيزنطيين
تصادف، اليوم الخميس، الذكرى الـ 950 لمعركة ملاذكرد التاريخية، التي انتصر فيها المسلمون بقيادة السلطان ألب أرسلان على البيزنطيين، في حين يصف مؤرخون تلك الموقعة أنها من أهم معارك التاريخ الإسلامي التي وحدت جميع أعراق المسلمين في جيش واحد، الأمر الذي مهد لبناء دولة إسلامية تركية في الأناضول كانت نواة لتأسيس الدولة العثمانية.
كذلك فإن انتصار ملاذكرد الذي وقع في 26 آب/أغسطس 1071، لا يأتي من كونه مهّد الطريق أمام الفتوحات التركية في الأناضول فحسب، بل تعدى تأثيره إلى إحداث تغيرات سياسية وجغرافية وحتى اقتصادية وديموغرافية في منطقة الأناضول والعالم.
أسباب المعركة
إثر وفاة السلطان السلجوقي طغرل بك عام 1063، نشب صراع على الحكم، حسمه ابن أخيه ألب أرسلان بمساعدة وزيره الشهير نظام الملك.
عمل ألب أرسلان عدة أعوام على تثبيت دعائم ملكه في المناطق التابعة له قبل القيام بفتوحات جديدة، ثم اتجه بعد ذلك إلى توسيع رقعة الدولة، وفي عام 1071 أعد ألب أرسلان الجيش وخرج به متوجها إلى مصر لتخليصها من حكم الفاطميين، وفي الطريق سيطر على ديار بكر وحلب.
وفي الطريق أيضا، وصل إليه خبر أن الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس قد خرج على رأس جيش ضخم قاصدا القضاء على دولة السلاجقة وإنهاء الوجود التركي في إيران وشرق الأناضول ثم التوجه إلى بغداد.
كان الهدف الأكبر عند رومانوس، هو تحقيق نصر عسكري كبير يثبّت به نفسه إمبراطورا ويقوي دعائم حكمه لإقناع شعبه والنبلاء في الإمبراطورية البيزنطية أنه يستحق الملك بجدارة، خاصة أنه لم يكن ينحدر من نسل الأباطرة الذين سبقوه.
وعلى إثر علم ألب أرسلان بنية وسعي رومانوس، توجه بجنوده إلى شرقي الفرات وأمر بتسريح معظم القوات التي كانت قد أُنهِكَت، وواصل السير بفئة قليلة من الجنود نحو مدينة خوي (في أذربيجان حاليا)، وأرسل زوجته ووزيره نظام الملك إلى همذان (في إيران حاليا).
ويذكر المؤرخ الأصفهاني في كتابه “تاريخ آل سلجوق” أن “السلطان ألب أرسلان بقي مع 15 ألف فارس من نخبة رجاله مع كل فارس منهم فرس يركبه وفرس بجواره، في حين قدر أعداد الجيش البيزنطي بأكثر من 300 ألف من مختلف الأعراق والأجناس”.
كما تشير المصادر التاريخية إلى وجود اختلاف بالمعلومات في ما يتعلق بأعداد الجيشين، إلا أن بعض الأبحاث الأكاديمية الحديثة رجّحت أن جيش السلاجقة كان يتألف من نحو 50 ألف جندي، مقابل 200 ألف جندي في جيش الإمبراطور البيزنطي، قسم كبير منهم من المقاتلين المرتزقة.
مجريات المعركة
شكّلت فتوحات السلطان السلجوقي أرسلان في إيران والعراق وسوريا، إضافة إلى سيطرته على حدود المناطق المسيحية مثل أرمينيا وجورجيا وغاراته على صقلية، إزعاجا للإمبراطور رومانس، الذي اتخذ قرار الحرب ضد المسلمين السلاجقة للحد من نفوذ دولتهم.
وسعى رومانس إلى تشكيل جيش متنوع الأعراق من الروس والفرنجة والكرج (الجورجيون) والأرمن وغيرهم لمواجهة الدولة السلجوقية، ما دفع أرسلان لعرض الصلح والهدنة عليهم، إلا أنهم رفضوا وأبلغوه أنه لا هدنة إلا في مدينة “الرى” عاصمة السلاجقة، ليوقن ألب أرسلان عندها أنه لا مفر من القتال والمواجهة.
وضع ألب أرسلان خطة محكمة أشعلت الحماس في نفوس مقاتليه الذين بدأوا بالهجوم على جيش البيزنطيين بكل شراسة وقوة في ملاذكرد، ولم تكد تمضي سوى ساعات قليلة على انطلاقها حتى امتلأت ساحة المعركة بجثث القتلى البيزنطيين.
أسفرت المعركة عن أسر الإمبراطور البيزنطي، الذي أطلق سراحه أرسلان لاحقا مقابل تعهده بدفع فدية كبيرة وإطلاق سراح كل أسير مسلم في أرض الروم، وعقد معاهدة صلح مدتها 50 عاما، تلتزم فيها الامراطورية البيزنطية بدفع الجزية السنوية وتعترف بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها، مع تعهّدها بعدم الاعتداء على ممتلكات المسلمين.
نتائج وتأثيرات المعركة
رغم أن معركة ملاذكرد لم تكُن فتحاً إسلامياً بالمعنى المعروف بل كانت بمثابة حرب دفاع عن النفس، فقد كان لها تأثير كبير على المنطقة من الناحية الديموغرافية، إذ سمح السلطان ألب أرسلان للقادة ورؤساء القبائل الذين حاربوا معه في فتوحات الأناضول، بحكم المناطق التي فتحوها.
وبعد الانتصار الذي تحقق في ملحمة ملاذكرد بدأت الفترة الأولى للإمارات التركية في الأناضول بالظهور، وكان ذلك أيضا تمهيدا لتأسيس دولة سلاجقة الأناضول أو سلاجقة الروم، وبعدها الدولة العثمانية التي تعد من أقوى الإمبراطوريات في التاريخ.
كذلك أدى استنزاف الإمبراطور البيزنطي خزينة إمبراطوريته لتجهيز الجيش الضخم إلى إضعاف قوتها اقتصاديا، علاوة على هجرة عديد من السكان الروم الذين كانوا يشتغلون بالزراعة في مناطق شرق ووسط الأناضول التي سكنها الأتراك، إلى مناطق غربي الأناضول، وبالتالي حُرمت الإمبراطورية البيزنطية موارد زراعية هامة كانت تعتمد عليها.
بلغ نبأ انتصار المسلمين في ملاذكرد الخليفة العباسي ببغداد، كما انتشر في كل أرجاء العالم الإسلامي، وهنَّأ الخليفة السلطان ألب أرسلان ولقّبه، كما ذكر صدر الدين أبو الحسن علي في “أخبار الدولة السلجوقية”، بـ”السلطان الأعظم ملك العرب والعجم، وسلطان ديار المسلمين برهان أمير المؤمنين”.
وفي هذا الصدد، يقول مؤرخون إسلاميون إن “معركة ملاذكرد أحد أمجاد الأمة الإسلامية، التي يجب أن يفتخر بها ويذكرها كل مسلم لأولاده، وينقلها لمن لا يعرف”، لافتا إلى أنه “حق لكل مسلم أن يحتفل بها، وليست خاصة بعنصر معين من عناصر هذه الأمة”.
كما يشيرون إلى أن “انتصار ملاذكر حمل في طياته رسالة كبيرة للأجيال التي خلفت فترة المعركة، بأنه حال توحد المسلمين في جيش واحد بصرف النظر على أعراقهم وبلدانهم ومرجعياتهم، فإنهم قادرون على فتح مشارق الأرض ومغاربها”.
وأمس الأربعاء، شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في فعاليات احتفالات الذكرى السنوية الـ 950 للنصر في معركة ملاذكرد، في قضاء أهلاط بولاية بتليس جنوب شرقي تركيا.
واعتبر أردوغان في كلمة له خلال الاحتفال، أن المقبرة السلجوقية في قضاء أهلاط بمثابة “سجلات من ذاكرة ألف عام لوجودنا الحالي على هذه الأرض”.
ولفت إلى أن “مدينة أهلاط كانت دائما بمثابة جسر بين الحضارات الشرقية والغربية عبر التاريخ”، وأنها “استضافت العديد من السلاطين والعلماء والرحالة والتجار والحرفيين على مدى قرون”.
وأكد أردوغان أن “أهلاط من خلال الآثار التي تضمها، لا تزال شاهدة على التاريخ”.
وأردف “بمناسبة الذكرى السنوية الـ950 للنصر في ملاذكرد، نستذكر بالرحمة والإجلال الشهداء والأبطال الذين فتحوا أبواب الأناضول للأمة التركية وضحوا بأرواحهم لجعل هذه الأرض وطنا لنا”.
وتابع “نستذكر بالفخر والاعتزاز كل العظماء الذين خدموا الأمة على كل المستويات، بدءا من السلطان ألب أرسلان القائد العظيم في ملحمة ملاذكرد، حتى يومنا هذا”.