مقابلاتمميز

تعلم اللغة التركية.. تذكرتك للاستقرار والنجاح في تركيا (مقابلة)

الدراسة والسياحة والتجارة وسوق العمل.. والاندماج الاجتماعي

بالنسبة للكثيرين، فإن اللغة التركية تشكّل عائقاً أمام العديد من طموحاتهم ومشاريعهم في تركيا.

باتت تركيا الوجهة الأولى بالنسبة لملايين الناس من كلّ الجنسيات حول العالم، على اختلاف الأسباب التي تكمن وراء اختيار السفر إليها.

البعض يقصدها للسياحة، وآخرون للتجارة، وغيرهم للاستقرار والعمل، فضلاً عن السفر بهدف استكمال التحصيل الدراسيّ، أو حتى تلقّي العلاج نظراً للسمعة الطيبة التي تتمتع بها تركيا في جميع هذه المجالات لناحية الجودة وانخفاض الكلفة بالمقارنة مع التكاليف في البلدان الأخرى.

ويشدد الكثيرون أن من يريد النجاح بتحقيق هذه الأهداف، لابد من تعلم اللغة التركية، ما يسّهل عليه مخاطبة أبناء المجتمع بشكل مباشر، فهذا أمر بديهي في أي دولة ومع لغة أي مجتمع.

هل يعتبر تعلم اللغة التركية أمراً شاقاً؟

في حديثٍ لـ”وكالة أنباء تركيا”، قال مدير عام الأكاديمية التركية للّغات مصطفى يورتسفر، إن “تعلّم اللغة التركية كأيّ لغة أخرى يكون صعباً في البداية، لكن كثيراً من الناس يتعلّمونها إما لحبّهم لتركيا أو حبّهم للأتراك وحبهم للّغة التركية نفسها، كما أن البعض الآخر يتعلمونها لاحتياجه للسفر إلى تركيا، حتى إن البعض اشترى في تركيا سكناً وقد بدأ يتأقلم فيها هو وأسرته وأمّن له عملاً فيها”.

ولجعل تعلّم اللغة التركية أمراً سهلاً، قدّم يورتسفر بعض النصائح لإتقانها، ومن هذه الأمور:

  • المواظبة في البداية على قراءة الكلمات الكبيرة سواء في الشارع أو الكتب أو الجرائد أو التلفاز.
  • محاولة حفظ الكلمات على أن تكون ضمن جملة وليست مفردة، بغرض زيادة مخزون المفردات الجديدة.
  • محاولة كسر حاجز الخوف من خلال التحدّث مع نفسك أمام المرآة أو مع غير الأتراك ثم تدريجياً مخالطة الأتراك.
  • ممارسة التحدث من فترة إلى أخرى بمجال معين، مرة مع النادل في المطعم ومرة في الشارع مع المارة، وهكذا.. لا شك سيقع المتحدث في الأخطاء في مستهلّ الأمر، لذلك ينبغي أن لا يعطي مجالاً للمثبّطين لكسر عزيمة ورغبة التعلم وألّا يجعل الأخطاء تثنيه عن حب التعلم.
  • الاستماع أو مشاهدة الفيديوهات القصيرة أو الأخبار أو قناة الأطفال التركية TRT Çocuk دون ترجمة.
  • تعلّم اللغة التركية عن طريق الاستفسار وكثرة طرح الأسئلة في مجال معيّن.
  • تحميل بعض التطبيقات تعلم اللغة في هاتفك المحمول والمواظبة عليها.

الكبار وتعلّم اللغة التركية

وفي إجابةٍ حول سؤال ما إذا كانت القدرة على تعلم اللغة التركية تتأثر بعمر المتعلّم، أم أن الضرورة والإصرار يلعبان دوراً في النجاح بذلك، أكد يورتسفر أن “قدرة الانسان على تعلّم اللغة التركية تتأثر بالعمر، لذلك فإن ثمّة أمورٌ مهمّة تلعب دوراً في رفع قدرة الكبار على تعلّمها بشكلٍ صحيحٍ وسريع”.

وأضاف أن “كبار السنّ يمكنهم أن يتعلّموا اللغة التركية كالصغار من خلال حضور دورات تعليم اللغة التركية المنتشرة في مدينة إسطنبول وغيرها من المدن التركية، في المعاهد المرخّصة رسمياً من وزراة التعليم، وخاصة التي لديها تعاون مع الجامعات الحكومية”.

وتابع إن “هذه الجامعات تقدّم الدعم والمساندة لمعاهد اللغة، وبعضها يقوم بزياراتٍ ميدانية لهذه المعاهد بغرض زيادة مهارات المدرّسين وتطوير أدائهم في مجال اللغة التركية. كما تساندها بإجراء امتحان التومر لمن يدرسون لديها، وهو امتحانٌ يخصّ كلّ من يريد أن يقيس مستواه في اللغة التركية وختصةً الطالب، ليحصل على وثيقةٍ بذلك يستطيع تقديمها ضمن أوراقه لزيادة حظوظه في الحصول على مقعدٍ دراسيّ في إحدى الجامعات التركية”.

الأسباب التي تدعو لتعلّم اللغة التركية

أما عن الأسباب التي تشجّع على تعلّم اللغة التركية، فبيّن يورتسفر أن “عدد الناطقين باللغة التركية حول العالم يزيد على ثلاثمئة مليون شخص.. وتركيا بدأت تتقدّم اقتصادياً بل وفي جميع المجالات، حيث تقوم بتصدير الكثير من منتجاتها الزراعية والصناعية والتجارية، وأخيراً بدأت بتصنيع الصناعات الدفاعية مثل الطائرات دون طيار، وهذا مما يشجع رجال الأعمال من مختلف الدول على طلب تصدير البضائع والمنتجات، مما يعود بالنفع عليهم وعلى الدولة التركية”.

وأضاف أن “أحد الأسباب المهمة التي تشجع الطلاب على تعملها هو الدراسة في الجامعات التركية، لأن تركيا تنمو بشكلٍ مذهلٍ وتحاول استقطاب الطلاب من جميع دول العالم، لأنها عرفت أن الدول الكبرى لم تكن كبرى إلا باستقطاب واجتذاب فئة الطلاب غير الأتراك، لأنهم حين يعودون إلى بلدانهم يكونون خير سفراء لدولة تركيا في بلدانهم الأصلية”.

وشرح يورتسفر أن “معظم التخصّصات في الجامعات التركية الحكومية والخاصة تكون باللغة التركية، لذلك على الطالب أن يتعلم اللغة قبل البدء بالدراسة الأكاديمية، وعليه أن يتقن قواعد اللغة التركية ويزيد مخزون الكلمات التركية على أن تكون ضمن جملة، وعليه فإن الطالب يحتاج أن يدرس في مركز أو معهد معتمد يمكنه من تعلم اللغة التركية بشكل يخوّله البدء في الدراسة”.

وتابع أن “من ضمن ما يدفع المرء ويشجّعه على تعلّم اللغة التركية هو العناء الذي ينتظره أثناء التسوق وشراء احتياجاته اليومية، أو العناء فيما يخصّ التأقلم مع زملاء العمل، أو رفقاء المقعد الدراسيّ الجامعيّ، أو حتى السؤال عن الوجهة التي يعتزم الذهاب إليها.. فالجهل باللغة يبقيه غريباً عن هذه البلاد، بينما يحتاج وسيلة فعّالة ومضمونة للتواصل مع أهلها”.

واعتبر أن “معرفة اللغة هي مفتاح التأقلم مع الشعوب، حيث إن اللغة هي أساس التواصل وفهم الثقافات والحضارات المختلفة”.

وتحدث يورتسفر عن “الانتشار الواسع الذي حققته اللغة التركية في الآونة الأخيرة، وذلك يعود إلى الانفتاح الثقافيّ والمعرفيّ على تركيا، حيث انتشرت المسلسلات والأفلام التركية”.

وأشار إلى أن “تركيا تعتبر قوةً إقليميةً كبرى بفضل موقعها الاستراتيجيّ بين قارّتي آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى حدودها البحرية والبرية المهمة، التي تجعلها دولةً غنيةً بالثقافات المتعدّدة، مما يعزّز أهمية اللغة التركية ويقوّي الفضول للتعرّف عليها وتعلّمها”.

لماذا نتعلم التركية إذا كنا لن نحتاجها إلا في تركيا؟

وردّاً على سؤال لماذا نتعلم اللغة التركية إذا كان بإمكاننا أن نستعين بالعربية والإنكليزية، قال يورتسفر إن “المرء يحتاج إلى تعلم اللغة التركية داخل تركيا لأن الأتراك لا يتحدثون إلا لغتهم وذلك لاعتزازهم بها، لذلك يضطرّ المرء إلى تعلّمها لاحتياجها في قضاء أموره اليومية وعند الزيارة لتجديد الإقامة أو عند زيارة المشافي أو البلديات وإدارات النفوس”.

ولفت إلى أنها “لغةٌ جميلة وأن الكثير من مفرداتها ذات لفظٍ عربيّ ومعناها قريب من العربية”.

هل تُغني برامج الترمجة عن تعلم اللغة التركية؟

مسألةٌ أخرى كان لا بد من طرحها، وهي تأثّر مقدار الحاجة إلى تعلم التركية بالتطوّر في برامج الترجمة المباشرة مجاناً باستخدام الإنترنت مثل غوغل ترانسلايت.

وفي معرض ردّه على هذه الفكرة، قال يورتسفر “قد يظنّ البعض أن بإمكانه الاكتفاء بالتعلم من خلال الترجمة بواسطة غوغل ترانسليت أو غيرها، لكن الحقيقة أنّ الترجمة بهذه الطريقة مضحكٌ لدرجة أنها تُحرجك وتعطيك المعنى المغاير لها في كثير من الأحيان. فالترجمة لن تعلّمنا اللغة التركية في حال الاكتفاء بها. لذلك لا بد من الذهاب إلى معاهد متخصصة ومرخّصة من وزارة التعليم والمدعومة من بعض الجامعات الحكومية”.

تعلم اللغة التركية ضرورة للاندماج

وفي سياق الحديث، تطرّقنا إلى مسألة أن العرب لن يأخذوا وظائف الأتراك، بل لهم قطاعات خاصة تلبّيها المجتمعات المشابهة لهم، فلماذا سيحتاجون لتعلم التركية؟ من ذلك الصحافي الذي يعمل في مؤسسة عربية، والأطباء الذين يعملون في عيادات للعرب.. وحتى الطالب يمكنه أن يتعلم بالإنكليزية وليس بالتركية حصراً.

وردا على هذا الطرح، علّق يورتسفر بالقول “إنه لسؤال ليس له أثر في الواقع المعاش، ذلك أن التركيّ يفضل من يتكلم التركية على من لا يتقنها.. أليس من المفروض أن يكون تعلم اللغة التركية أحد الوسائل المهمة للعيش الأفضل والاندماج الذي يصبو إليه المرء في الدولة التركية؟ أم أنه يأمل بالحياة بعيداً عن المجتمع التركي ويبقى غريباً ما دام فيها. إنه لأمر بعيد عن المنطق والتفكير الصحيح”.

وتابع “لنفترض أن الشخص المقيم في تركيا مرض، فكيف له أن يسأل عن موقع المستشفى أو التحدث للأخصائيّ عن حالته حتى يصف له الدواء المناسب؟ كذلك الأمر إذا احتاج الذهاب إلى إدارة الهجرة لتجديد الإقامة”.

وأضاف “قد يقول (سآخذ معي مترجماً)، لكن هل للمترجم أن يرافقك دوماً حيث سيكلفك المال في كل مرة! لذا ما من سبيل إلا تعلم اللغة التركية. فحين تتعلّمها وتتحدث بها سيشعر التركي بأنك تحترم لغته وبذلك يبدأ التحدث معك، ومع مرور الزمن يحصل الاندماج والانسجام”.

المدة التقديرية لتعلم اللغة التركية

أما عن المدّة الوسطيّة الذي يحتاجه المرء ليتعلّم التركية، وكيف تتمّ عملية التعلّم ومراحلها، قال يورتسفر إنها “تتفاوت من شخص لآخر، فالبعض قد يحتاج 6 أشهر لإتقانها، والبعض الآخر قد يحتاج سنة، لأن ذلك مرتبط بالرغبة والهمّة في ذلك”.

وشدد أن “الراغب في تعلم اللغة التركية يحتاج لوسائل معيّنة داعمة حتى يتحدث مثل الأتراك، منها:

– الاشتراك في دورة في أحد المعاهد المتخصصة لذلك وتتكون من ثلاث مراحل لكل منها مستويان، وهي مرحلة المبتدئ ومرحلة المتوسط ثم مرحلة المتقدم.

– الاستفادة من الدورات في المحادثة التي تقدّمها بعض المعاهد المرخّصة والمدعومة من الجامعات الحكومية، لمن حضر ثلاث مستويات أو أكثر من أجل تقوية مهارات المحادثة. فكل لغة فيها أربع مهارات لتعلمها وإتقانها وهي المحادثة والكتابة والقراءة والاستماع”.

ولفت إلى أن “المعاهد تعتمد مناهج مختلفة في تعليم اللغة التركية، لكن أغلبها يستخدم منهاج إسطنبول لسهولته وسلاسته، ولأن بعض هذه المعاهد تعتمد على كتابها التفاعليّ من خلال السبّورة الذكية Smart Board”.

أما عن انعكاس واقع الحجر بسب خطر انتشار فيروس “كورونا” على السرعة في التعلم نظراً لتحوّل معظم الصفوف إلى التعليم عن بُعد (أونلاين)، أكد يورتسفر أن “هناك شريحة جديدة من المهتمّين بتعلم التركية وهم الذين كانوا ممن ليس لديهم الوقت الكافي للذهاب إلى المعاهد لقضاء ساعاتٍ خارج ساعات عملهم. فإن هؤلاء فضّلوا التعلم أونلاين”.

وتابع “كان للتعليم أولاين الأثر الواضح في توسيع دائرة المهتمين من خارج تركيا. وكما يقال رُبّ ضارّةٍ نافعة، فإن بعض المعاهد إن لم نقل معظمها لم تكن تعي أهمية التعليم أونلاين. هذا الأسلوب الجديد فتح باباً جديداً للدخل وبعض هذه المعاهد أتقنت هذا الأسلوب ولها سمعة جيدة داخل تركيا وخارجها، وقد اكتسبت هذه السمعة الجيدة لكونها استخدمت الأساليب الحديثة والممتعة في التدريس.

لماذا لا يتكلم معظم الأتراك إلا لغتهم الأم؟

وفي محاولةٍ لفهم سبب عدم تحدّث معظم الأتراك إلا بلغتهم الأم، على خلاف غالبية الشعوب الأخرى، وخاصة في البلدان السياحية، إذ لطالما واجه الأتراك انتقاداً مفاده: كيف يمكن أن تكون تركيا بلداً سياحياً، ويندر فيها المتحدثون بغير التركية!

أوضح يورتسفر أن “الأتراك يعتزّون كثيراً بلغتهم، لذلك فإنك تجدهم حين تخطئ عند تحدثك باللغة التركية يقومون فوراً بتصحيح الأخطاء اللغوية التي تقع فيها.. ويقولون إنْ كنت تعرف التحدث بلغةٍ واحدة فأنت شخصٌ واحد، وإن كنت تعرف لغتين فكأنك تعتبر شخصان، وهكذا”.

وتابع أن “سبب عدم معرفتهم باللغات الأجنبية الأخرى يعود إلى أنهم كانوا منغلقين عن العالم الخارجيّ لأسباب عدة، منها على سبيل المثال كونهم شعبٌ يحبّ العمل فلا وقت لديه لتعلّم لغةٍ جديدة”.

ماذا عن تكلفة تعلم اللغة التركية؟

حول هذا السؤال أجاب يورتسفر بالقول إن “تعلم اللغة التركية يعتبر باهظاً للبعض ورخيصاً للبعض الآخر، كلّ امرئٍ يبحث عن تعليم يناسب ميزانيّته، ولكن مع ذلك فبعض المعاهد الخاصة تتفوّق على نظيراتها من الجامعات أو المعاهد سواءً بالسعر المعقول أو بتميّزها بالإمكانات المتقدّمة التي يستخدمها مُدرّسوها الخبراء في مجال تعليم اللغة التركية لغير الناطقين بها، من وسائل التعليم الحديثة والسبّورات الذكية والكتب التفاعلية والدروس الإضافية من محادثة وتقوية في قواعد اللغة التركية وغيرها.. من أجل إتقان استخدام اللغة التركية بالشكل الأمثل في الحياة اليومية والأكاديمية”.

وحذّر من أن “كثيراً من المعاهد المنتشرة في إسطنبول تفتقد الترخيص والجودة وتتصف بقلّة عدد الساعات التدريبية، ما يجعلها مضيعةً للوقت والمال”.

وختم بالتأكيد على أن “تعلم اللغة التركية أمر مهمّ للغاية، لأن تركيا تشكل جسراً يربط بين الشرق والغرب، كما تتمتع بمكانةٍ بارزة إقليمياً في هذه الأيام، ويزداد تألّقها يوماً بعد يوم”.

زر الذهاب إلى الأعلى