
في الذكرى السنوية 501 على وفاته.. إضاءة على عهد السلطان سليم الأول
سليم الأول.. أول خليفة من السلاسلة العثمانية.. قهر المماليك وأنهى تهديدات الصفويين
في مثل هذا اليوم من العام 1520 توفّي السلطان سليم الأول “ياووز”، الذي كان عهده من العهود الساطعة في تاريخ السلطنة العثمانية، حيث شهد حكمه الذي استمرّ أكثر من 8 سنوات، أحداثاً شكّلت نقاط تحوّل في التاريخ العثمانيّ.
فمن هو؟ وما هي أبرز محطات حياته؟
الولادة والنشأة والتنصيب
هو تاسع السلاطين في الدولة العثمانية، وخليفة المسلمين الرابع والسبعين، وأوّل من حمل لقبَي “أمير المؤمنين” و”خادم الحرمين الشريفين” من السلالة العثمانية.
في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1470 ولد “ياووز سليم” في سنجق أماسيا الذي كان والده بايزيد الثاني أميرًا عليه، وتلقّى تعليمه على يد أبرز علماء الدولة في ذلك العصر.
بعد تنصيب والده سلطاناً، عُيّن سليم الأول أميرًا على سنجق طرابزون بينما كان في عمر الـ11 عاماً فقط، وقد أراد والده من ذلك إكسابه الخبرات العسكرية والإدارية في عمر مبكر.
استمرّ حكمه لطرابزون بين العامين 1487 و1510 ميلادية، ومكّنه وجوده هناك من الاطلاع على أخبار الحدود العثمانية مع الدولة الصفوية التي كانت تحت حكم الشاه إسماعيل.
اعتلى سليم الأول عرش السلطنة العثمانية بدعمٍ من الانكشارية، الذين منعوا أخاه أحمد من دخول إسطنبول، فما كان من بايزيد الثاني إلا أن تنازل عن العرش لسليم الأول في 24 نيسان/أبريل 1512.
النصر العثماني على الصفويين عام 1514
في 20 آذار/مارس 1514 خرج السلطان سليم من أدرنة على رأس حملة بهدف وضع حدٍّ للتهديدات الدينية والسياسية للدولة الصفوية الجارة، فتكللت الحملة بنصر كبير للعثمانيين في معركة تشالديران في 23 آب/أغسطس 1514.
بعد نصر تشالديران واصل سليم الأول تقدّمه في أراضي أذربيجان، وبحلول 6 أيلول/سبتمبر 1514 وصل عاصمة الدولة الصفوية تبريز، وصادف أنه كان يوم جمعة، فقرأ خطباء المساجد خطبة الجمعة باسمه.
استمال سليم الأول القبائل التركية والكردية في تبريز ضد الصفويين، وجلب الآلاف من العلماء والفنانين إلى إسطنبول.
لم يكن طموح سليم الأول يقف عند هذا الحد، بل أراد الاستمرار والتقدّم للقضاء على الدولة الصفوية، لكنّ حلول البرد القارص ونفاد المواد الغذائية اضطرّ قواته على التراجع لتدعيم تجهيزاتها.
قيود السلطان سليم الأول على الصفويين
بعد نصر تشالديران، فرض سليم الأول حصاراً على الصفويين لمنعهم من تجارة الحرير، ومنَعَهم من الاستفادة من معدنَي النحاس والحديد بهدف تقويض صناعتهم للأسلحة، وصادر جميع البضائع الصفوية من الأسواق، ومنعمهم من السيطرة على العراق.
الحملة على المماليك
في 5 حزيران/يونيو 1516، خرج سليم الأول من إسطنبول على رأس حملةٍ عسكرية باتجاه مصر عبر بلاد الشام، ردّاً على تحالف السلطان المملوكي الأشرف قانصوه الغوري مع الصفويين.
وفي 24 آب/أغسطس 1516 شتّت شمل جيش المماليك في معركةٍ قصيرة دارت على سهل مرج دابق/ شمال حلب، ليتوّجه بعدها إلى مصر عبر دمشق ثم القدس وغزة.
في 22 كانون الثاني/ يناير1517 ألحق سليم الأول بجيش المماليك هزيمةً قاسية في الريدانية، وفي 15 شباط/فبراير 1517 أفضت الخلافة إلى السلطان سليم الأول بعد أن تسلّمها من محمد الثالث المتوكل على الله وسط مراسم مهيبة في قصر يوسف، آخر خلفاء الدولة العباسية، في أعقاب دخوله القاهرة التي كانت عاصمة المماليك.
وكانت تلك لحظةً تاريخية في كتاب السلطنة العثمانية، حيث انبثق عنها توحيد العالم الإسلاميّ بعد سنواتٍ طويلة من الانقسامات وتعدّد الخلفاء في وقتٍ واحد.
وعند وصوله إلى دمشق أمرَ بإقامة ضريح ومسجد على قبر العالم الإسلاميّ محي الدين بن عربي، ونُزلًا بجوارهما.
العودة إلى إسطنبول والوفاة
في 25 تموز/يوليو 1518 عاد سليم الأول إلى إسطنبول بعد حملته التي استغرقت عامين، وكان برفقته الخليفة العباسيّ المتوكّل على الله، وشخصياتٍ بارزة من علماء وحرفيّين وتجّار، فضلاً عن مجموعة من الأمانات المقدسة.
في نيسان/أبريل 1519 بدأ بتزويد الأسطول العثمانيّ بسفنٍ جديدة وأمرَ بصناعة مدافع للقوات البحرية استعدادًا لحملة رودوس.
وفي 18 يوليو/ تموز 1519 غادر إلى أدرنة بعد انتشار وباء الطاعون في إسطنبول، لكنّ حالته الصحية تدهورت أثناء الرحلة، لكنه عانى من ورمٍ كبيرٍ في ظهره منعه من بلوغ أدرنة، فوافته المنية في بلدة جورلو (بين إسطنبول وأدرنة) في 22 أيلول/سبتمبر 1520.
جرى التكتّم على وفاة سليم الأول حتى عاد ابنُه سليمان (القانونيّ) من مانيسا، الذي استقبل مع رجال الدولة جثمان سليم الأول، لدى وصوله إسطنبول في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1520، وصُلّي عليه في مسجد الفاتح، ثم دُفن في قصر ميرزا، حيث أمر السلطان سليمان لاحقاً ببناء قبرٍ ومسجدٍ عرف باسم “مسجد السلطان سليم”.
نقطة تحوّل في تاريخ السلطنة
شكل عهد السلطان سليم الأول، الذي استمرّ ما يزيد قليلاً عن 8 سنوات، نقطة تحول مهمة في التاريخ العثماني على الصعيدين الديني والسياسي.
فقد وضع حداً للتهديدات الصفوية التي واجهت الدولة عند حدودها الشرقية، وتبنّى الفقه السنّي الذي أصبح يرسم الخطوط الرئيسة للفكر الدينيّ في الدولة العثمانية.
وأسفرت الحملة التي قادها سليم الأول ضد المماليك، عن دخول بلاد الشام والحجاز ومصر في الحكم العثماني.
كما أنهى الانتصاران العسكريان اللذان حقّقهما في مرج دابق والريدانية، الدولة المملوكية بشكل تام، وفتحا الطريق أمام الدولة العثمانية للتقدم إلى شمال إفريقيا بعد آسيا وأوروبا.