الدولة العثمانيةتقاريرمميز

352 عاما على ثاني أطول حصار في التاريخ.. انتهى بانتصار العثمانيين (تقرير)

27 أيلول 1669.. انتهاء ثاني أطول حصار في التاريخ بدخول العثمانيين إلى كانديا

في 27 أيلول/سبتمبر 1669، أنهت القوات العثمانية حصاراً عسكرياً دام 21 عاماً، بدخول مدينة كانديا (هيراكليون الحديثة، جزيرة كريت في البحر المتوسط)، التي كانت واقعةً تحت حكم البندقية.

الحصار الذي استمرّ من العام 1648 إلى العام 1669، بمجموع سنوات بلغ 21 عامًا، يوصف أنه ثاني أطول حصار في التاريخ بعد حصار المغرب لسبتة مدة 34 بين العامين 1694 و1727 تحت قيادة مولاي إسماعيل.

فما هي أسباب حصار كانديا؟ وكيف حافظت القوات العثمانية على إصرارها وثباتها طوال 21 عاماً؟ وما هي أبرز الأحداث التي رافقت سنين الحصار الطويلة؟ وما انعكاس النصر على الدولة العثمانية؟

أسباب حصار كانديا

في 28 أيلول/سبتمبر عام 1644، هاجم فرسان مالطا قافلةً عثمانية كانت في طريقها من القسطنطينية إلى الإسكندرية، وكان على متنها عددٌ من الحجاج متّجهين إلى مكة المكرمة، وبينهم شخصياتٌ هامة.

خلال الهجوم قُتل عدد كبيرة من الحجاج وخاصة من تلك الشخصيات الهامة، بينما تمّ بيع 350 رجلاً و30 امرأة كعبيد، وبعد ذلك حمّل الفرسان غنائمهم على سفينة ترسو في ميناء صغير على الساحل الجنوبيّ لجزيرة كريت لبضعة أيام، حيث أنزل عددٌ من البحارة والعبيد.

إزاء هذا الاعتداء غضب العثمانيون، فيما اتهم البابا سكان البندقية بالتواطؤ المتعمّد مع الفرسان، الأمر الذي نفاه سكان البندقية بشدة.

ومع سيطرة حزب الصقور على البلاط العثماني، اعتُبر الحادث ذريعة مثالية للحرب مع البندقية التي كانت في ذلك الوقت في حالٍ من الوهن الشديد.

إثر هذه الأحداث، مرّت فترة طويلة من المفاوضات استمرّت حتى عام 1645، حيث اختلفت الأراء داخل البلاط العثماني حول الرد المناسب، وكان من المعترضين على إعلان الحرب الوزير الأعظم سلطان زاده محمد باشا، ورغم ذلك، فقد استقرّ الرأي على إعلان الحرب.

في أعقاب ذلك، حشد العثمانيون حملة استكشافية فاق عدادها 50 ألف جنديّ و416 سفينة، تحت قيادة صهر السلطان، يوسف باشا.

وفي 30 نيسان/أبريل أبحر الأسطول العثمانيّ من مضيق الدردنيل متجهًا نحو ميناء نافارينو في بيلوبونيز، حيث مكث ثلاثة أسابيع.

خلال هذه الفترة، بقي هدف الحملة العثمانية مجهولاً، ولتهدئة مخاوف البندقية، عمد العثمانيون للإشارة إلى أنهم يستهدفون مالطا.

وفي حزيران/يونيو 1645، شنّ العثمانيون هجومًا مفاجئًا على جزيرة كريت الفينيسية، وحاصروا لاكانيا (خانيا الحديثة) وريتيمو (ريثيمنو الحديثة)، بعد حربٍ استغرقت شهرين قبل سقوط كلٍّ منهما.

لاحقاً بين العامين 1645 و1648، نجح العثمانيون بالسيطرة على قية الجزيرة واستعدّوا للاستيلاء على العاصمة كانديا.

حصار كانديا

في أيار/مايو 1648 بدأ حصار كانديا، حيث أمضى العثمانيون 3 أشهر في تحضيرات الحصار على المدينة، وذلك من خلال قطع إمدادات المياه عنها، وتعطيل الممرّات البحرية لمدينة البندقية.

وفي الجهة المقابلة، حاول سكان البندقية فرض حصارٍ على مضيق الدردنيل الواقع تحت السيطرة العثمانية، بهدف الحؤول دون وصول إمداداتٍ إضافية إلى القوات العثمانية عند جزيرة كريت، فتوسّعت العمليات الحربية لتشمل عدداً من العمليات البحرية.

تأثرت القوات العثمانية سلباً بانقطاع الإمدادات، وفي 21 حزيران/يونيو 1655 و26 آب/أغسطس 1656، تقدمت البندقية، على الرغم من مقتل قائدها “لورنزو مارسيلو” في الاشتباك الأخير.

في أيلول/ سبتمبر 1656 تمّ تعيين الصدر الأعظم الجديد محمد باشا، الذي أعاد تنشيط المجهود الحربيّ العثمانيّ وأمر بتعزيز الأسطول، فعادت البحرية العثمانية وهزمت سكان البندقية في 17-19 تموز/يوليو 1657، حيث تمكن العثمانيون من التهرّب من حصار البندقية لمضيق الدردنيل والإبحار باتجاه تينيدوس.

بعد 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1659، تلقّت البندقية المزيد من المساعدات من الدول الأوروبية الغربية بموجب معاهدة جبال البرانس، التي ترتّب عليها إعلان السلام بين فرنسا وإسبانيا.

لكن صلح فاسفار في آب/أغسطس 1664، أطلق قواتٍ عثمانية إضافية، للعمل ضد البندقية في كانديا.

وفي عام 1666، فشلت محاولة البندقية استعادة لاكانيا (خانيا)، وفي العام التالي، انشقّ العقيد أندريا باروزي، وهو مهندسٌ عسكري من البندقية، وأعطى العثمانيين معلومات عن نقاط الضعف في تحصينات كانديا.

انتهاء حصار كانديا واتفاقية السلام

وفي 24 تموز/يوليو 1669، فشلت حملة فرنسية برية/بحرية بقيادة Mocenigo في رفع الحصار، وخسرت نائب قائد الأسطول في انفجارٍ عرضيّ أصاب La Thérèse، وهي سفينة حربية فرنسية تزن 900 طن ومسلحة بـ 58 مدفعًا، فكانت هذه الكارثة المزدوجة مدمّرة لمعنويات المدافعين عن المدينة.

فما كان من الفرنسيين إلا أن تخلّوا عن كانديا في آب/أغسطس 1669، تاركين النقيب الجنرال فرانشيسكو موروسيني، قائد القوات الفينيسية، مع 3600 مقاتل وإمدادات ضئيلة للدفاع عن القلعة.

سوء حالة الإمداد وانتشار المرض بين قواتهم والاستنزاف المستمرّ في القتال اليومي في كانديا جعل القادة الفرنسيين حريصين على المغادرة.

ونتيجةً لذلك، استسلم موروسيني للوزير الأعظم في الإمبراطورية العثمانية أحمد كوبرولو في 27 أيلول/سبتمبر 1669، لكن استسلامه دون الحصول على موافقة مسبقة بذلك من مجلس الشيوخ الفينيسي جعله شخصيةً مثيرةً للجدل في البندقية لعدة سنوات لاحقة.

وكجزء من شروط الاستسلام، سُمح لجميع المسيحيين بمغادرة كانديا مع كلّ ما يمكن أن يحملوه معهم، واحتفظت البندقية بـ Gramvousa ، وسودا وسبينالونجا والجزر المحصّنة التي تشكل محمية الموانئ الطبيعية قبالة سواحل جزيرة كريت، حيث يمكن أن توقف البندقية السفن خلال رحلاتها إلى شرقي البحر المتوسط، الأمر الذي اعتبر اتفاقاً سخياً نظراً للظروف المحيطة به والتفوّق العثماني.

زر الذهاب إلى الأعلى