معركة بروزة عام 1538.. هكذا فرض العثمانيون سيادتهم على البحر المتوسط
ذكرى نصر بريفيزا تحّول إلى مناسبة يحييها الأتراك كل عام للاحتفال بعيد البحرية التركية
في 28 أيلول/سبتمبر عام 1538 وقعت معركة “بروزة” أو “بريفيزا” بالقرب من ميناء بريفيزا غربيّ اليونان، وانتهت بانتصار الأسطول العثماني على تحالف “الرابطة المقدسة الصليبية”، الذي نظمه البابا بولس الثالث. وبهذا النصر، ضمن العثمانيون سيادتهم على البحر المتوسط لفترة طويلة.
تجهيزات الأساطيل الأوربية والعثمانية
بحلول عام 1505، بدأ الإسبان والبرتغاليون بالسعي نحو تحقيق مكاسب إقليمية في شمال إفريقيا، فراحوا يشنّون الهجمات على المدن الساحلية في تلك المنطقة.
في هذا الوقت، كانت الدولة العثمانية في ذروة مجدها من خلال تحقيق الانتصارات في حملاتها التوسعيّة باتجاه أوروبا، لا سيّما في عهد السلطان سليمان القانوني.
الفتوحات العثمانية دفعت بابا روما “بول الثالث” إلى الدعوة لتشكيل تحالفٍ أوروبيّ صليبيّ لمواجهة “الخطر العثماني” ومنعه من التقدّم أكثر.
وبالفعل، جهّز الأوروبيون ما عُرف بِاسم “الأسطول المقدّس”، والذي تكوّن من أكثر من 600 سفينة حربية، وقد شاركت كلٌّ من إسبانيا وألمانيا والنمسا والبندقية والبرتغال وجنوة ومالطا بتجهيزه ورفده بالجنود، حتى فاق عدد قواته أكثر من 60 ألف جنديّ بقيادة البحّار الإسباني “أندريا دوريا”.
على الجهة المقابلة، أبحرت قوات البحرية العثمانية بـ122 سفينة وعلى متنها 22 ألف جنديّ فقط بقيادة “خير الدين بربروسّا” الذي أطلق عليه الإيطاليون هذا اللقب بسبب لحيته الحمراء، بعد أن كان قد وضع خطّةً مُحكمةً قبل الانطلاق في رحلته.
خطة بارباروسّا والنصر في معركة بريفيزا
وفي 28 أيلول/سبتمبر عام 1538، تواجه الأسطولان العثماني والصليبيّ في ميناء بريفيزا غربيّ اليونان، وأدرك القائد بارباروسّا، أنّ الحرب البحرية تكون في البحار المفتوحة وليس في السواحل أو بالقرب منها، وعليه، قضت خطة القائد العثمانيّ بضرورة إبقاء أسطوله بعيدًا عن سواحل بريفيزا لمسافة 9 كيلومترات، الأمر الذي ساعده على مباغتة الأسطول الأوروبيّ ومنعِه من التقدّم أو الاستدارة.
من جهةٍ أخرى، أجبرت البحرية العثمانية قوات الصليبيين على الانسحاب من المعركة بعد 5 ساعات فقط من بداية المعركة، وذلك بسبب استخدامهم المتقن لمدافعهم البعيدة المدى التي ألحقت خسائر بالغة بالأسطول الأوروبي.
نتائج النصر في معركة بريفيزا
أهدى انتصار بارباروسا في معركة بريفيزا السلطنة العثمانية السيادة المُطلقة على البحر المتوسط لمدة 30 عامًا كانت الدولة العثمانية أثناءها تعتبر القوة البحرية الأولى في العالم بلا منازع، إلى أن تعرّضوا لهزيمة ليبانتو البحرية أمام تحالفٍ صليبيٍّ جديد عام 1571.
ففي العام التالي لانتصار معركة بروزة، أي في 1539م، تمكن خير الدين بربروس من ضمّ المزيد من جزر بحر إيجة والبحر الأيوني، دون أن يكون له منافسٌ حقيقي في البحر.
كذلك أُجبِرَت جمهورية البندقية عام 1540م على توقيع معاهدة سلامٍ مُِذلَّة مع العثمانيين، تعهَّدت بموجبها بدفع تعويض قيمته 300 ألف دوكا عقاباً لها على الاشتراك في الحرب ضد العثمانيين، إلى جانب الاعتراف بالسيادة العثمانية على العديد من الأقاليم اليونانية التي كانت في السابق خاضعةً لهيمنة البندقية.
بعد ذلك استمرت الحرب المفتوحة بين الدولة العثمانية وإسبانيا من أجل الهيمنة على الساحل الجنوبيّ للبحر المتوسط، وكانت أبرز فصول هذه الحرب هو نجاح الجزائريين في صدّ حملة شارل الخامس الكبرى ضد الجزائر عام 1541م، ومعركة جُربة البحرية، قرب تونس، بين الأسطوليْن العثمانيّ والإسباني، والتي انتهت بانتصارٍ بحريّ جديد للعثمانيين، ثم نجاح العثمانيين في طرد الإسبان نهائيًّا من تونس عام 1574م.
ونظرا لتداعياته على مدى العقود اللاحقة، ترك هذا الحدث التاريخي المتمثل بانتصار العثمانيين في معركة بروزة، آثاراً عميقة في التاريخ التركيّ فضلا عن الأوروبيّ، فعلى الجانب التركي، ما زال الأتراك يحتفلون كلّ عامٍ بالذكرى السنوية لمعركة بروزة، التي تحوّلت أيضاً إلى مناسبة للاحتفال بعيد البحرية التركية.
أما على الجانب الآخر، فيؤكد المؤرخون الأوروبيون أن أوروبا لن تنسى الفزع الذي نالها نتيجة هزيمتها على يد الدولة العثمانية، التي ظلّت تجوب مياه البحر الأبيض المتوسط لسنوات، دون وجود أيّ قوة بحرية تستطيع مجابهتها.