في الذكرى 103 على احتلال بيروت.. ماذا قدمت فرنسا والغرب للبنان؟ (تقرير)
7 تشرين الأول/أكتوبر 1918.. يوم سقطت بيروت تحت الاحتلال الفرنسي
في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1918 سقطت مدينة بيروت بأيدي الحلفاء على إثر تفكك السلطنة العثمانية نتيجة الحرب العالمية الأولى.
وفي الذكرى الـ 103 على هذا الحدث المفصليّ في التاريخ الحديث، نتساءل: ماذا قدّم الغرب للبنان؟!
في كتب التاريخ، وخاصةً المدرسية منها، غالباً ستقرأ عن “الظلم والتجويع والمجاعة والاحتكار والقتل الذي مارسته الدولة العثمانية بحق أهل المناطق الواقعة تحت سيطرتها”.
لكنّ هذه الكتب ما هي إلا نتيجة طبيعية لما أفرزه تفكك السلطنة وفوز الحلفاء، وتقاسمهم ترِكتها وفق اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.
تمّ تحريف التاريخ العثماني تماماً، وأسبغت عليه أبشع التهم الإجرامية في الكتب.
ثم ما لبثت هذه السياسة التضليلية أن انتقلت إلى الأعمال التلفزيونية والسينيمائية التي دأبت على إظهار الحقبة العثمانية برمّتها على أنها “حقبة ظلم واستبداد”، بما يتوافق مع الهوى الغربي وعلى رأسه الفرنسي.
بالعودة إلى ما قبل سقوط بيروت، يطالعنا واقع تواصل جهات داخلية مع الغرب ضد الدولة العثمانية، بعد تلقي وعودٍ منهم بـ”التحرير”.
تزامن ذلك مع أخطر فترة شهدتها السلطنة منذ قيامها على الإطلاق، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى تفككها، لتؤسَّس على أنقاضها دويلاتٌ خبيثة مبنية على الطائفية، بهدف زرع الفتنة بينها وإضعافها من الداخل وضمان التحكم بها واستمرار تبعيتها لوليّ نعمتها الغرب!
لكن ألم يحن الوقت للحديث بجرأة لن تعجب كثيرين.
أولاً، لا بد من وضع النقاط على الحروف، ورفع صفة “احتلال” عن السلطنة العثمانية، ومواجهة واقع أنها كانت دولة توسعية تماماً على غرار الدولة البيزنطية وغيرها من الإمبراطوريات في الزمن القديم.
ثانياً، ليس من الحيادية بمكان إطلاق أحكام عامة بالعنصرية على 4 قرون من الحكم العثماني بناءً على الخمسين سنة الأخيرة من عمرها.
ثالثاً، التركيز على أن الحقبة العثمانية كانت “فترة استبداد وظلم وقتل وإجرام” يجافي الحقيقة تماماً، فقد شهدت الدولة العثمانية على امتداد مراميها ازدهاراً جعلها تستمرّ لقرون على عرش العالم، وهدفاً للطامعين.
رابعاً، السلطنة سقطت، وتفككت تركتها وفق اتفاقية سايكس بيكو إلى دويلات طاىفية ومذهبية، بينما كانت قبل ذلك دولة واحدة تستمد قواها من ولاء كل أجزائها في القارات الثلاث: آسيا، أوروبا وإفريقيا.
خامساً، من يخون الدولة يستحق العقاب في أي بلدٍ في العالم، فكيف إذاً والعالم غارق في حرب عالمية؟ فهل كانت فرنسا لتتعامل مع خائنين لأمنها القوميّ بمودّة ورحمة أثناء حرب عالمية!
يؤكد المؤرخون ان الاستعمار الفرنسيّ استمدّ قوّته من تغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية التي زرعها في بلادنا، إضافةً إلى فرض اللغة الفرنسية.
فعلى امتداد سنواته بين العامين 1920 و1943، عمد الاستعمار الفرنسي إلى اتّباع سياسة “فرّق تسدّ” التي ساعدته على الحكم بيد من حديد بناءً على تعزيز الانقسامات والصراعات الطائفيّة داخل المجتمع اللبناني.
الانقسام بين اللبنانيين جاء على شكل فئتين رئيستين: فئة المسيحيين وفئة المسلمين، وهو الأمر الذي تجلّى في مراحل لاحقة حرباً أهليةً وصراعات دموية أودت بحياة الآلاف ودمار هائل وانقسامات بين اهل البلد الواحد لم تشهد مثيلها المنطقة في ظل حكم السلطنة.
لم تنتهِ هذه الانقسامات المذهبيّة بانتهاء الاحتلال الفرنسي، وليس أيضاً بانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.
فإذا كان السلاح والتحالفات بناءً على الانتماء الطائفي يفرض قواعد اللعبة في زمن الحرب، فإن التحاصص والأمن بالتراضي الذي شكّل صيغة الحكم في لبنان في زمن السلم لم يكن أقل وطأةً على مصلحة البلاد.
فرنسا هي التي أرادت خلق دولةٍ مسيحية مارونية في الشرق الاوسط، لتكون دولة طائفية كحال الكيان الإسرائيلي اليهودي، وهي التي رسّخت مبدأ اعتماد الطائفة في حكم لبنان، بعيداً عن أي اعتبارٍ للمواطنة أو الكفاءة او الأكثرية.
لم يكن الاستعمار الفرنسي إلا تجربة قاسية لا يمكن مقارنتها بكل الحقبة العثمانية، فما فعله في 30 عامًا لم تفعله أية دولة في العالم، يكفي أن ندرك أن تبعات خططه الخبيثة لم تنتهِ بانتهائه، بل ما زالت مستمرةً في تقسيم اللبنانيين إلى اصطفافات بحسب الطائفة والمذهب، حيث يندر ان نجد لبنانياً غير طائفيّ لا ينتمي لقطيع طائفته ولا يستمد القوة حصراً من زعيمه الطائفي.
ويعرف الجميع أن الفتنة الطائفية التي أسس لها ورسّخها الاستعمار تصحو متى أراد لها اربابها ان تصحو، ليقع البلد في جولةٍ جديدة مفتعلة تحت الطلب وفق الحسابات السياسية ودهاليزها.
أليس حال لبنان الآن نتيجة سوء الإدارة والتحاصص الطائفي الذي افتعله الفرنسيون فيه، واستلام حكمه من قبل طبقة حاكمة قوامها الزعامة الطائفية فقط، وصولاً إلى السكوت المتبادل عن التجاوزات والفساد الحاصل من جميع الأطراف؟
أليس حال لبنان هو بالواقع نتيجة بنائه على قاعدة رخوة من الطائفية التي رسمها الاستعمار ليبقيه تحت جناحه حتى بعد مرور كل هذه العقود؟
وبعد كل هذا يأتيك من يقول إن “السلطنة العثمانية جلبت الدمار والتجويع على لبنان”!