
وسط الأخبار المتلاحقة حول استعدادات الجيش التركي والجيش الوطني السوري، تنفيذ عملية عسكرية مشتركة جديدة ضد تنظيم PKK/PYD الإرهابي في الشمال السوري، تصدرت المشهد تساؤلاتٌ حول الموقف الأمريكيّ من العملية وهل تتخلى عن التنظيم كما تخلت عنه سابقا في عملية “غصن الزيتون” التركية في عفرين، وكما تخلت عن عملائها في أفغانستان أيضا.
التساؤلات تترافق مع شكوكٍ حول قرار أمريكيّ متوقع يقضي بالإنسحاب التامّ من سوريا والعراق دون انتظار تحقيق هدف واشنطن المعلن من وجودها هناك، وهو القضاء نهائيا، حسب زعمها، على التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم “داعش” الإرهابي.
وعلى قدر ما صُدِم العالم بالمشاهد التي نقلتها وسائل التواصل الإجتماعي والفضائيات من مطار كابول في آب/أغسطس الماضي، من تزاحمٍ غير مسبوق وغير واعٍ للوصول إلى الطائرات الأمريكية على أمل مغادرة البلاد مع السيد الأمريكي المغادر، كان من المنطق الربط بين هذه الأحداث مع ما يشابهها في الماضي، واستقراء مصير عملاء آخرين لواشنطن في المستقبل.
من هؤلاء العملاء، تنظيم PKK/PYD الإرهابي الذي يتخذ من سوريا منطلقاً لتنفيذ هجماته ضد تركيا، والذي يحظى بدعمٍ أمريكيّ رغم كون الأخيرة حليفةً لتركيا في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، الأمر الذي أشعل الخلافات بين أنقرة وواشنطن منذ سنوات.
ورغم الوعود الأمريكية بعدم التخلّي عنهم، يؤكد قسمٌ يسيرٌ من المتابعين والمحلّلين أن تخلّي واشنطن عن عملائها في أفغانستان ستتكرّر في سوريا مع عملائها من التنظيمات الإرهابية، وأنها لا تعكس إلا ترجمةً واقعية سبقَ وعايشتها شعوبٌ أخرى إبّان تجاربها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وحتى في سوريا نفسها، سبق وتخلّت واشنطن عن حلفائها في التنظيمات الإرهابية في عفرين وفي تل أبيض إبّان عمليّتي “نبع السلام” و”غصن الزيتون”.
وفي تصريحٍ لـ”وكالة أنباء تركيا”، قال العقيد أحمد حمادة “لقد قالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن تنظيم PKK/PYD وغيره من الميليشيات المشابهة، ليسوا حلفاء بل يتقاضَون أجورهم، وسيتخلى الأمريكيون عنهم كما تخلّوا عن عملائهم في سايغون وبالأمس القريب في أفغانستان، حيث رأينا الصور التي تعطي درساً لكل من يبيع نفسه، أن أمريكا تتعامل مع عملاء وليس مع شركاء”.
وأضاف حمادة أن “PKK/PYD يريد تحقيق اقتطاع دولة بشكلٍ أو بآخر من أراضي سوريا، بالاستقواء بأمريكا رغم إرادة شعب المنطقة، ولكن عندما تتخلى عنهم أمريكا لن يجدوا من يأويهم”.
وتابع “حتى الآن PKK/PYD يراهن على تحصيل شيء باستقوائه بالأمريكان من خلال طرح مشروع ما يسميه بـ(الإدارة الذاتية)، ومن خلال علاقته كذلك بالروس، ولكن التجارب التي رأيناها والدروس تقول إن أمثال هذا التنظيم لم يحقق شيئاً، وسيتم التخلي عنهم في الوقت الذي تنتهي مصالح مشغليهم”.
وختم حمادة قائلا إن “هؤلاء يحملون أفكاراً شمولية، ولا أتوقع أنهم سيتعظون من درس أفغانستان الذي رأيناه، ويسلّموا بالعيش كما تعيش باقي شعوب المنطقة بسلام وأمان، فمشروعهم عنصريٌ شموليّ يستمدون أفكارهم وأوامرهم من جبال قنديل (شمالي العراق).. وأتوقع انسحابا أمريكيا من شرقي الفرات وترك العملاء لمصيرهم”.
من جانبه، قال الباحث والمحلل السياسي المحامي اللبناني طارق شندب إن “المشهد الذي شاهدناه في أفغانستان والذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة يظهر أن الأمريكيين لم يستطيعوا أن يصمدوا أمام أصحاب الأرض، ومقاتلو حركة طالبان في أفغانستان”.
ولفت شندب في حديث لـ”وكالة أنباء تركيا” إلى أن “المفاجأة الكبرى هي تخلّي الأمريكي عن الآلاف من الذين عمل معهم وعن الجيش الأفغاني الذي دعموه وعن عملائهم في الداخل، الذين كانوا يستخدمونهم لقتل الشعب الأفغاني، وهذا مصير كل خائن لشعبه ووطنه”.
وتابع “هذا يدفعنا إلى التذكير بعناصر ميليشيات PKK/PYD في سوريا، الذين يعملون لصالح قوات أجنبية بهدف زعزعة أمن واستقرار الدولة التركية”.
وأكد أن “عناصر PKK/PYD سيحاسَبون أمام القضاء التركي المختص على خيانتهم للدولة التركية بشكلٍ عام وللشعب التركي، وبالتالي عليهم أن يتّعظوا من هذه المناظر ويعرفوا أن الأمريكيين كما فعلوا سابقا في عدة دول سيقومون بفعل نفس الأمر مع هذه العناصر الإرهابية وسيتخلّون عنهم”.
وشدد شندب أن “على تلك العناصر أن تستغلّ الفرصة وتسلّم نفسها للدولة التركية وأن تراجع نفسها وتعلن توبتها واستسلامها حتى لا يكون مصيرها كما كان مصير العملاء الخونة في أفغانستان”.
وأواخر أيلول/سبتمبر الماضي نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية خبرا مفاده أن الرئيس الأمريكيّ جو بايدن وعد PKK الإرهابي أنه “لن يتخلى عنهم مثلما فعل مع الحكومة الأفغانية ما أدى إلى سيطرة حركة طالبان على البلاد”.
واستقت الصحيفة خبرها من أحد قادة التنظيم الإرهابي المدعو مظلوم عبدي الذي قال إن “بايدن وعدنا أنه لن يتخلّى عنا مثلما فعل في أفغانستان”.
وكشف عبدي لمراسل “التايمز” ريتشارد سبنسر أن “القلق انتاب سكان المنطقة (التي يحتلها التنظيم شمالي سوريا) مما حدث في أفغانستان.. لنكن صادقين، بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان الناس خائفين من مواجهة المصير نفسه”.
وأضاف “طمأنونا (الأمريكيون) أن هذه ليست أفغانستان، قالوا إن السياسة (الأمريكية) هنا مختلفة تماما”.
واعترف عبدي للصحيفة أنه “يفضّل أن يتعهد الأمريكيون بالبقاء حتى يتمّ التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع السوريّ”.
لأنه بوجود عسكريّ أمريكي، ستكون لديه آمال كبيرة بتحقيق مخططات تقسيم سوريا والحصول على اعتراف رسميّ بالحكم الذاتي الكردي، وربما أيضا للمناطق النائية ذات الغالبية العربية في محافظتَي الرقة ودير الزور، الخاضعتين لسيطرته أيضاً.
وحسب تقرير “التايمز”، فقد أرسل البيت الأبيض مؤخرا الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في زيارةٍ غير معلنة، لتقديم تطمينات شخصية إلى مظلوم عبدي.
وكان العالم قد تفاجأ في آب/أغسطس الماضي بورود مشاهد صادمة من مطار كابول تظهر تهافت أفغان على الطائرات الأميريكية حتى أثناء إقلاعها، وتعلّقهم بها وسقوطهم قتلى على أرض المطار بُُعيد الإقلاع، سعيا منهم للمغادرة مع السيد الأمريكي الذي احتل أفغانستان لعقدين من الزمن.
اقرأ أيضا.. قيادي: العملية العسكرية شمالي سوريا قادمة ضد الإرهاب لا الأكراد (مقابلة)