تقاريرحدث في مثل هذا اليوممميز

عام على تحرير “قرة باغ” الأذري.. يوم قلبت تركيا دفة الصراع (تقرير)

التدخل التركي في حرب "قره باغ" قلب موازين القوى على أرض المعركة ودفع أرمينيا إلى الاستسلام والانسحاب

27 عاماً من الاحتلال، وضعت حدّاً لها حربٌ دامت 44 يوماً، أُعلن على إثرها تحريرُ إقليم ناغورني قره باغ وعودتُه إلى السيادة الأذرية، وذلك في مثل هذا اليوم من العام الماضي.

اللحظة الحاسمة

منتصف ليل العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أي بعد يومين على إعلان تحرير “قراه باغ” الأذري من الاحتلال الأرميني، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا حيّز التنفيذ.

وعلى عكس ما كان مرجّحاً، آثرت روسيا عدم التدخل في الحرب بشكلٍ مباشر والاشتباك مع القوات الأذرية المدعومة من تركيا، بل فاجأت روسيا حليفتها أرمينيا بالاكتفاء بدور المراقب والدعوة إلى التهدئة، ثم رعاية اتفاق وقف إطلاق النار.

الاتفاق المذكور قضى بالاعتراف باستعادة أذربيجان لمناطق أذريّة كانت خاضعةً للاحتلال الأرميني منذ آب/أغسطس 1993.

كما تضمّن الاتفاق أيضا نشر قوات حفظ سلام تركية وروسية لمدة 5 أعوام قابلة للتجديد في حال استدعت الضرورة ولم يعترض أي من الأطراف الموقعة، وذلك في سياق إنهاء كل العمليات العسكرية الحدودية بين البلدين، تمهيداً لفتح حقبةٍ جديدة في المنطقة خالية من الاحتلال.

الاتفاق الأليم لأرمينيا

رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الذي أجبره الواقع الميداني على توقيع الاتفاق دون شروط، وصف موافقته على إعلان وقف الحرب بـ”القرار المؤلم” له ولشعبه، وأكد في بيان يومها أنه لم يكن أمامه أيّ خيارٍ بديل إلا الرضوخ والتوقيع، بعدما نجحت القوات الأذرية بتحقيق تقدم كبير في ساحة المعركة.

ورغم حرص باشينيان على التأكيد أن قراره جاء بناء على تقييم القادة الميدانيين للوضع العسكري ولم يُتخذ بشكلٍ فرديّ، إلا أن ذلك لم يحُل دون اتهامه بالاستسلام والخنوع من قبل مواطنيه الذين ذهبوا إلى حدّ اتهامه بالخيانة ومطالبته بالاستقالة.

على الضفة الأخرى، كان الرئيس الأذري إلهام علييف، يحتفل بانتصار بلاده وتحرير أراضيها المحتلة، حيث أكد في خطاب بثّه التلفزيون الأذري الرسمي يومها، أن الاتفاق الموقّع يعني استسلام أرمينيا وإسدال الستار على عقود من الاحتلال والانتهاكات الأرمينية المتواصلة داخل الأراضي الأذرية.

3 عقود من الاحتلال والمجازر

عشيّة الحرب، كانت أرمينيا تستمرّ باحتلال نحو 20% من أراضي أذربيجان منذ العام 1993، رغم القرارات العديدة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، التي تطالب القوات الأرمينية بالانسحاب من تلك الأراضي، لكنها تابعت طوال نحو 3 عقود احتلالها الأراضي الأذرية دون وجه حق، مدعومةً بالمساندة الروسية التي تورطت معها في ارتكاب أبشع الجرائم بحق الأتراك الأذريين.

استمرّت حرب التحرير الأرية الأخيرة منذ 27 من أيلول/سبتمبر 2020 وحتى 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، حيث أسفرت عن تحرير 300 منطقة سكنية وعشرات القرى التي كانت واقعة تحت الاحتلال الأرميني، ما شكّل صدمةً للأرمينيين المدعومين من موسكو، التي اضطرّت إلى تكثيف تحرّكاتها الدبلوماسية لكسب الدعم والتأييد الإقليميّ.

المواجهات الأذرية الأرمنية العام الماضي لم تكن الأولى من نوعها، فقد استمرت المعارك الحدودية بين البلدين على مدار أكثر من 26 عامًا، إلا أن الجانب الأذريّ مُنفرداً، لم يحقق أي تقدم يذكر في إطار وقف إراقة الدماء وفرض الاستقرار.

بلغت الحصيلة الإجمالية لسنوات الاحتلال الأرميني لـ”قرة باغ” والمجازر التي ارتكبها هناك بحق المدنيين الأذريين، 20 ألف قتيلٍ أذري، وأكثر من 100 ألف جريح، إضافةً إلى تهجير أكثر من مليون ونصف مليون شخص بعد تدمير معظم البنية التحتية، وتضرّر نحو 7 آلاف مكتب حكومي ومئات المدارس والمراكز الطبية، وأكثر من مليون هكتار من المنطقة الزراعية.

ولم تقف الجرائم الأرمينية عند هذا الحد، بل انتقل تغوّلهم العسكريّ إلى محاولات محو الوجود الثقافي والتاريخيّ للأتراك الأذريين، عبر تدمير مئات المكتبات وعشرات المعابد، إضافةً إلى الانتهاكات اليومية المتواصلة بحق الإرث الثقافي الأذريّ.

التدخل التركي قلب الطاولة

لم تنتهِ الحرب الأخيرة قبل عام من اليوم إلى هذه النتيجة بالصدفة، بل كان للتدخل التركيّ الدور الأكبر في تحرير “قره باغ”، من خلال ما قدّمته تركيا من دعمٍ سياسيّ وعسكريّ ولوجستيّ، تمكنت عبره من قلب التطورات الميدانية لصالح أذربيجان.

الدعم التركي ضد الاعتداءات الأرمينية، بما فيه المسيّرات التركية التي لعبت دوراً بارزاً في المعارك، ساهم في إعادة تشكيل الخريطة، حيث استعادت القوات الأذرية السيطرة على أجزاء واسعة من الإقليم، واقتربت من عاصمته، الأمر الذي أنذر بضرورة إنهاء الصراع الذي بدا واضحاً عند تلك اللحظة، مَن المنتصر فيه.

ترتبط تركيا بأذربيجان وفق منظومة متشابكة من العوامل التاريخية والعِرقية واللغة التركية، ويضاف إلى ذلك المصالح الاقتصادية والطاقوية والسياسية انطلاقاً من الموقع الاستراتيجي والجيوبولتيكي الذي تتمتع به أذربيجان ويجعل منها منفذًا لتركيا، كما أن تركيا بدورها تعتبر بمثابة منفذٍ لأذربيجان التي لا منفذ لها على البحر.

وتتويجاً لهذا الانتصار، يحيي البلدان، اليوم الإثنين، الذكرى السنوية الأولى لتحرير إقليم “قره باغ” وفي جعبتهما حزمة من الاتفاقيات الثنائية في مجالاتٍ عدة، من شأنها أن تنعكس إيجاباً على موقعهما على خريطة العلاقات الدولية والتبادل التجاري.

زر الذهاب إلى الأعلى