مدونات TRمميز

أردوغان.. الحاضر الغائب في لقاء بينيت وبن زايد

الزيارة العلنية الأولى

في زيارة هي الأولى لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي منذ تطبيع العلاقات بين البلدين في أيلول/سبتمبر من العام الماضي (2020)، وصل نفتالي بينيت إلى أبوظبي في زيارة رسمية “علنية” بين مسؤولي البلدين في البلد خليجي، وإن كانت العلاقات ظلت مستترة أو من وراء ستار الأمم المتحدة، كذلك المكتب الدبلوماسي الذي فتحته تل أبيب في أبوظبي عام 2015 ضمن بعثة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، حيث كان المكتب بمثابة جسر الوصل بين الحكومة في تل أبيب وأبوظبي تنسج من خلاله التفاهمات المشتركة لاسيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

لكن زيارة بينت لها وقع آخر، في ظل المتغيرات التي يرتب لها في المنطقة، وتصاعد التوترات في المحيط مع سعي تل أبيب لإيجاد دور أكثر ريادة في الملفات العالقة، بالتوازي مع علاقات أكثر دفئا عابرة للأنظمة مخترقة الممانعة الشعبية التي طالما اشتكت منها حكومات تل أبيب منذ اتفاق السلام مع مصر وحتى اتفاقيات التطبيع الخليجية والمغربية الأخيرة، مرورا، باتفاق وادي عربة الأردني.

بيان مقتضب يحمل الكثير

على استحياء صرح مكتب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي عن الزيارة، إذ كان البيان مقتضبا وخجولا، مكتفيا بشكر بينيت لأبوظبي على حفاوة الاستقبال وتطلعه لـ”علاقات شعبية مشتركة يعمها السلام والتفاهم”، واصفا الزيارة بـ”التاريخية”، فيما أشارت الوكالة الرسمية الإماراتية للأنباء الى أن “كلا من بينيت وبن زايد بحثا مسارات التعاون الثنائي وفرص تنميته في مختلف الجوانب الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والتنموية، خاصة مجالات الزراعة والأمن الغذائي والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة والصحة وغيرها من القطاعات الحيوية التي تحظى باهتمام متبادل”.

لكن الوكالة لم تتطرق لاستهداف الإمارات عقد شراكات اقتصادية بما يقارب التريليون دولار مع تل أبيب، ففي وقت سابق صرح وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق خلال كلمة للوزير الإماراتي في فعالية افتراضية أقامها المجلس الأطلسي الأمريكي، أن بلاده “تستهدف علاقات اقتصادية مع إسرائيل بقيمة تريليون دولار خلال العقد المقبل، بهدف تعزيز العلاقات القائمة”، مؤكدا أنه “تم خلال عام واحد تحقيق تبادل تجاري غير نفطي جيد بلغ 700 مليون دولار”، ما يعني أن 10 سنوات ستكفي وتزيد لإتمام المستهدف من الاستثمارات بين النظامين.

مع ذلك فإن الناظر إلى البيانين الصادرين عن الضيف ومضيفه يرصد حالة من خيبة الأمل، يؤكد المراقبون أنها نابعة من الخطوة التي اتخذتها أبوظبي من زيارة ولي العهد بكسر 10 سنوات من جمود العلاقات مع أنقرة.

دلالات توقيت زيارة بينيت لأبوظبي

لا شك أن الملف النووي الإيراني المتعثر كان دافعا هاما لزيارة نفتالي بينيت إلى أبوظبي، ولعل قمة بغداد التي أريد لها ترتيب علاقات إيرانية خليجية جديدة، مبنية على حسن الجوار، والاستفادة من علاقات العراق القوية مع إيران، في بناء تلك السياسة الجديدة المراد تنفيذها في المنطقة، وما تبعها من زيارة مسئولين إماراتيين وسعوديين كبار لطهران، والرغبة الأمريكية في تصفير المشاكل بين إيران وجيرانها في الخليج العربي، لم تؤت ثمارا حقيقية يمكن قطفها لتغذية علاقات أكثر هدوءا مع إيران المتطلعة إلى مزيد من النفوذ، معتمدة على أذرعها التي بنتها خلال السنوات الماضية وتشهد أوج عنفوانها خلال السنوات القليلة الماضية، رغم العقوبات المستمرة من الغرب.

لكن خريطة العلاقات الإماراتية الخارجية تثير قلق صانعي السياسة في تل أبيب، أكثر بكثير من ذلك الملف النووي المثار إعلاميا، فمن حيث التخطيط الاستراتيجي فإن زيارة محمد بن زايد لأنقرة ولقاءه الرئيس أردوغان وتعهده بضخ استثمارات مليارية يثير قلق المراقبين قبل الساسة في الكيان الإسرائيلي، قبل أسبوع من هبوط طائرة مستشار الأمن القومي في الإمارات طحنون بن زايد، صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قائلا “نحن على وشك فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع الإمارات العربية المتحدة”.

هذا التصريح الذي أقلق تل أبيب، ليس من أجل علاقة موثوقة بالأساس بمليارات الدولارات الإيرانية المستثمرة في أبوظبي ودبي، بل لما ستعنيه هذه العلاقة إذا ما ربطت بزيارة محمد بن زايد لأنقرة، وإذا وضعنا في المعادلة تلك الاتفاقية التي وقعت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي للتعاون التجاري بين الإمارات وإيران وتركيا، والتي ستختصر طرق التجارة بين أبوظبي والبحر المتوسط من عشرين يوما إلى أسبوع، ما يعني مزيد من دم جديد في شريان الاقتصاد الإيراني، وانطلاقة غير محدودة للاقتصاد التركي المتنامي، رغم أزمة الليرة المفتعلة.

زيارة بن زايد لتركيا وضعت مقعدا لأردوغان في قصر الشاطئ

في قصر الشاطئ حيث استقبل محمد بن زايد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وفي قاعة رفع فيها علم الكيان المحتل لفلسطين، عقد الرجلان اجتماعا استمر 4 ساعات، انفردا فيهما لساعتين كاملتين بعيدا عن أعين الصحافة وكثير من المرافقين.

هذا الاجتماع المغلق تناول، بحسب مراقبين، ملف العلاقات الإماراتية – التركية، لاسيما وأن زيارة بينيت التي جاءت بعد أيام من زيارة بن زايد لأنقرة، تؤكد ما ذهب إليه المراقبون.

لا ثقة ولا حب، هناك في قصر الرئاسة في أنقرة، فسنوات العداوة والاتهامات المطلقة والمكايد المدبرة، تلاشت مع حفاوة استقبال الرئيس التركي أردوغان لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، تدفقت كميات كبيرة من المياه في مضيق البوسفور، إيذانا بشكل جديد للمنطقة تخرج البعض من عزلته وتدخل الاستثمارات إلى الآخر.

هكذا استطاع أردوغان كسب خصم عتيد وحليف غير مشكوك في ولائه لمنافسه على زعامة المنطقة، فبعد أن أخرجت تل أبيب منافسيها في المنطقة من المعادلة، وصارت القاهرة عاصمة تنسق في أغلب علاقاتها وخطواتها معها، وجذبت الخليج لها سواء في العلن لمن أعلن أو في السر لمن ينتظر الإعلان، أخرج أردوغان المارد من القمم مرة أخرى لينافس من جديد على زعامة المنطقة، في مباراة تحييد الخصوم وسحب أوراق تل أبيب لصفها.

أجاد أردوغان لعبة التوازنات بشكل يحسد عليه الشعب التركي، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه واحد من ثعالب السياسة الذين سيذكرهم التاريخ، فخبرة الرجل جعلته يمرر الكرة بأقل مجهود، ومنها يحرز الهدف، لم تقف أمام أردوغان تلك التحالفات المعادية التي رتبت لها تل أبيب سواء على حدودها البرية بدعم الميليشيات الإرهابية، أو على حدودها البحرية في حوض البحر المتوسط، أو في الداخل بدس الجواسيس وإثارة الشائعات، لم تصمد تركيا أمام كل ذلك وفقط، بل تحولت من الدفاع إلى التموضع للهجوم ونزع الريادة الباحث عنها قيادات تل أبيب، فزيارة بن زايد لأنقرة زرعت هاجسا لدى قادة تل أبيب وجعلت أردوغان الحاضر الغائب في لقاء بينيت ـ بن زايد.

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي مدير مركز دعم اتخاذ القرار بحزب الوسط المصري سابقا
زر الذهاب إلى الأعلى