تقاريرمميز

“توركوفاك”.. هدية تركيا للعالم (تقرير)

عندما ظهر فيروس “كورونا” وبدأ الانتشار متنقلاً من بلدٍ إلى آخر عبر العالم، لم تقف تركيا إلى جانب الدول التي آثرت أن تكتفي بانتظار أن ينجح بلدٌ ما أو جهةٌ ما في تطوير اللقاح القادر على مواجهته، ومن بينها دول عظمى كفرنسا على سبيل المثال.

الإنجاز الجديد

تركيا، وبكل ما أوتيت من قدرات علمية ولوجستية ومخبرية، قررت أن تخوض غمار هذه المعركة الصحية، وتنضمّ إلى مجموعة معدودة من الدول التي اجتهدت في سبيل إيجاد اللقاح المناسب للقضاء على الفيروس، أو على الأقل، التخفيف من خطره.

ورغم أن الطريق لم تكن سهلة أبداً أمام تركيا، إلا أنها تابعت أبحاثها الخاصة، إلى أن تكللت بنجاح، بحيث دخلت نادي الدول المطوّرة والمصنّعة للقاحات “كورونا”، بعد حصول لقاحها الوطني “توركوفاك” على رخصة الاستخدام الطارئ في 22 كانون الأول/ديسمبر الجاري.

وبمجرد الإعلان عن جهوزية “توركوفاك” للاستخدام، تعهّدت تركيا بمشاركة إنجازها مع العالم أجمع دون تمييز، آملةً أن تسد النقص وغياب العدل في توزيع اللقاحات وخاصة في الدول الفقيرة.

تلك كانت بشارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العالم، حيث أعلن عزم تركيا على مشاركة لقاحها مع البشرية جمعاء دون تمييز، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن الانتقال إلى مرحلة الإنتاج المتسلسل للقاح المحلّي المضاد لـ”كورونا”.

ومن خلال هذا النجاح المخبري، لحقت تركيا ركب الدول المطوّرة والمصنّعة للقاحات “كورونا”، بمجرد إعلانها بدء الإنتاج المتسلسل في أحد مراكز تصنيع اللقاحات في ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، حيث صارت تاسع دولةٍ تشارك في سباق البشرية مع هذا المرض الذي غيّر وجه الحياة بكل معنى الكلمة.

بداية الرحلة

ما أن تمّ تأكيد أول إصابةٍ في تركيا بفيروس “كورونا” في 11 آذار/مارس 2020، حتى انغمس مطور اللقاح التركي البروفيسور أيكوت أوزدارنديلي وفريقه في جامعة إرجييس في ولاية قيصري، بالتجهيزات لمباشرة مشروع تطوير لقاح وطني 100%.

لذلك الغرض استخدم  أوزدارنديلي مركز تطعيم كان قد شُيّد عام 2013 بهدف إجراء الأبحاث العلمية على عائلة فيروس “كورونا”، التي يعود ظهورها الأول لعام 2003 في القرم والكونغو.

جاء البروفيسور أوزدارنديلي إلى معركة “كورونا” متسلّحاً بخبرات واسعة بعائلة هذا الفيروس، فانطلق بخطىً ثابتة في تجاربه المخبرية،  مستفيداً من عمله السابق على علاج للفيروس لمدة 3 سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أطلق عام 2010 دراسات لتطوير لقاحات لسلالة الفيروس، بالتعاون مع هيئة الأبحاث التركية TÜBİTAK ووزارة الصحة والجامعة.

هذه التجربة الغنية بالدراسات الخاصة بسلالات كورونا، قدمت مساهمة إيجابية كبيرة في مشروع تطوير اللقاح التركي “توركوفاك”.

في البداية، أطلق على المشروع اسم “إي-آر-يو-كوف-فاك” (ERUCOV-VAC)، نسبة إلى جامعة إرجييس وسط الأناضول، التي كانت ترعى أبحاث تطوير اللقاح.

وفي ما بعد، أعلن الرئيس التركي تغيير اسم اللقاح إلى “توركوفاك”، للدلالة على البلد كلّه وليس فقط على الجامعة التي طوّرته، فالاسم الذي استقرّ عليه الرأي يعني “اللقاح التركي”.

التجارب السريرية

في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أعلنت جامعة “إرجييس” أنها حصلت على جميع الأذونات اللازمة لبدء تجربة اللقاح على البشر مباشرةً، بعد نجاح التجارب المخبرية، فبدأت مرحلة التجارب السريرية الأولى، عبر تلقّي 44 متطوعاً أول جرعة من اللقاح.

في 10 شباط/فبراير 2021، تلقى 150 متطوعاً أول جرعة ضمن المرحلة الثانية من التجارب السريرية، دون تسجيل ظهور أية أعراض جانبية عليهم.

وفي 23حزيران/يونيو الماضي، انطلقت المرحلة الثالثة من تجارب اللقاح التركي، حيث حضر أردوغان عبر تقنية الفيديو العملية التي جرت في أحد مراكز الأبحاث بمستشفى العاصمة التركية أنقرة.

وفي هذه المرحلة، بلغ عدد المتطوعين لتجربة اللقاح عليهم، 846 ألفا و451 تركيًا، تقدّموا جميعاً بطلبات تطوُّع للمشاركة في تجربة اللقاح المحلي عليهم.

لكن الفحوصات المسبقة أوضحت أن 40 ألفاً و822 منهم فقط يستوفون المعايير الطبية للتجارب البشرية للقاح، والتي تؤكد ضرورة أن يكون المتطوع بين الـ18 و55 من العمر، ولم يسبق أن أصيبوا بالفيروس أو تلقّوا أي لقاح ضدّه.

وفي آب/أغسطس 2021، أثبت لقاح “توركوفاك” فعّاليته ضد المتحوّر البريطاني، كما اختُبرت فعّاليته في مواجهة متحوّر “دلتا” الهندي.

رسمياً.. تركيا تاسع دولة تنتج لقاحاً ضد “كورونا”

بعد تجاوز مراحل الاختبارات الأولية بنجاح، ها هو الرئيس التركي يبشّر العالم بتوصّل تركيا رسمياً إلى إنتاج لقاحٍ فعّال ضد فيروس “كورونا”، بعد حصوله على رخصة الاستخدام الطارئ.

وقال أردوغان في تصريح له في 22 كانون الأول/ديسمبر الجاري “نشعر بالسعادة لمشاركة (توركوفاك) مع البشرية جمعاء”.

وتابع قائلاً “بعد فترة طويلة من الدراسة والتحضير، أصبح لقاحنا توركوفاك الذي بلغ مرحلة الإنتاج والاستخدام بعد الحصول على الموافقات اللازمة، رمزاً لجهودنا لحماية أمّتنا من الوباء بأكثر الطرق فعّالية”.

وعلى عكس الدول التي سبقت تركيا إلى تطوير اللقاحات، تعهّد أردوغان بأن تشارك تركيا العالم أجمع هذا الإنجاز، وقال “تركيا ليست دولة تبخل بلقاحاتها وأدويتها كبعض الدول الأخرى”.

وذكّر بلفتة تركيا منذ بداية انتشار الجائحة قائلاً “لقد أرسلنا خلال الجائحة إمداداتنا الطبية، لا سيما الأقنعة، إلى 160 دولة و12 منظمة دولية حول العالم، كما أرسلنا بعض اللقاحات التي نتلقاها من أماكن أخرى إلى بلدان صديقة هي في أمسّ الحاجة إليها”.

أما وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه، فأشاد بالإنجاز التركي لافتاً إلى أن “لقاح (توركوفاك) التركي هو نتاج نجاح العلماء الأتراك في صنع لقاح محلي 100% للمرة الأولى منذ 50 عاما”.

وأعلن أن “الإنتاج المتسلسل للقاح سيبدأ في التو بناءً على توجيهات الرئيس”، موضحا أن “تصنيع اللقاح سيُدَشَّن في أحد مراكز تصنيع اللقاحات بولاية شانلي أورفا”.

وجاءت الموافقة على استخدام الطوارئ رسميًا لـ”توركوفاك”، بعد مرور نحو شهر على البيان الوزاري، وردا على الطلب المقدّم لوكالة الأدوية والأجهزة الطبية التركية.

الجدير بالذكر أن اللقاح التركي TURKOVAC يعمل من خلال تقنية الأجسام المضادة والفيروسات الميتة.

في حين يعمل لقاح فايزر بايونتيك الذي طوّره في الولايات المتحدة الأمريكية، العالمان التركيان أوغور شاهين وزوجته أوزلم توريجي، من خلال المادة الجينية.

وكان أردوغان، قد أعلن في 9 تموز/يوليو 2021، أن تركيا تخطط لاستضافة العالمين التركيين في أقرب وقت ممكن.

ويضاف إنجاز “توركوفاك” إلى سلسلة إنجازات تتابع تركيا تحقيقها في جميع مناحي الأعمال والحياة، حيث تسعى لتثبيت مكانتها كدولةٍ فاعلة ومؤثرة في كل القضايا الجوهرية، المحلية والإقليمية والدولية.

ليس هذا في شؤون التجارة والاقتصاد والسياحة والصناعات الدفاعية وحسب، بل أيضاً في المجال الصحيّ، خاصة أن أزمة “كورونا” عرّت الدول وأظهرت للبشرية أن خدمة الشؤون الصحية العالمية يجب أن تأتي في سلم الأولويات الدولية على الإطلاق.

زر الذهاب إلى الأعلى