تقاريرهام

الرئيس الإيراني في قطر.. بحث عن حليف قوي قادر على التأثير (تقرير)

أنظار المراقبين والمحللين السياسيين متوجهة إلى العاصمة القطرية الدوحة، التي احتضنت لقاءا جمع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، مشيرين إلى أنها زيارة هامة تحمل بين طياتها الكثير من الأهداف والتساؤلات في آن معاً.

“رئيسي” استهل زيارته إلى دولة قطر بعبارة “لتفعيل دبلوماسية الجوار”، مؤكدا على “أهمية تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية وخاصة مع قطر، وأهمية بحث عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، في مقدمتها أمن المنطقة واستقرارها”.

والإثنين، وصل “رئيسي” إلى الدوحة للمشاركة بقمة الدول المصدرة للغاز التي تعقد في الفترة بين 20 – 22 شباط/ فبراير الجاري.

وقبيل توجهه إلى الدوحة، أكد “رئيسي” في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية في مطار “مهر أباد” في العاصمة الإيرانية طهران، أن زيارته لقطر تأتي تلبية لدعوة أمير قطر “ولها هدفان، الأول هو توسيع العلاقات الثنائية مع قطر، والثاني هو المشاركة في مجمع الدول المنتجة والمصدرة للغاز في العالم”.

محللون ومراقبون تحدثوا لـ”وكالة أنباء تركيا” عن أهمية الزيارة الإيرانية إلى قطر، والأهداف التي تسعى إليها إيران من وراء تلك الزيارة.

قطر قادرة على مسك الخيوط السياسية

مصطفى النعيمي وهو باحث مشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية تحدث لـ”وكالة أنباء تركيا”، قائلا “أعتقد أن إيران مازالت تمسك العصى من المنتصف في محاولة مستمرة لإرضاء كافة الأطراف والخروج من أزماتها، بدءًا بالمسارات الاقتصادية وصولا إلى محاولة ضبط المشهد السياسي في المنطقة العربية، وبالتالي لدى قطر القدرة على مسك الخيوط السياسية المتناقضة نظرا لما تتمتع به من قدرات سياسية إضافة إلى القدرات في مجالات الطاقة، وهنا أتحدث عن الغاز المسال الذي ربما سيكون البديل عن الغاز الروسي حال حصول إي مضاعفات لأزمة روسيا مع أوكرانيا، وتفاعلات الدول المتضررة من الاجتياح سواء كان جزئيا أو شاملا”.

وأضاف النعيمي “لذلك تحاول إيران جلب المزيد من الحلفاء لتكون من الدول الإقليمية الهامة في الحلول التي سترعى حجمها وخاصة في الشرق الأوسط في المرحلة الأولى، وصولا إلى إيصال رسائل تطمينيه بخصوص ملفاتها النووية والتفاوضية كي تساهم في عملية جمع حلفاء مؤثرين في الولايات المتحدة، وهي بذات الوقت تلعب ضمن نطاقين السياسي والعسكري، فمن جانبه تجري تدريبات بحرية كبيرة في مياه الخليج العربي ومن جهة تجنح للمسارات السلمية في محاولة لضبط تفاعلات ارتدادات الأزمات المحيطة بها (أوكرانيا والصين)” .

إيران تبحث عن حليف يخفف وطأة العقوبات عليها

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع “رئيسي”، أكد أمير قطر أنه بحث مع الرئيس الإيراني “عددا من الملفات ذات الاهتمام المشترك، في مقدمتها أمن المنطقة واستقرارها”، مضيفا “أكدنا خلال نقاشاتنا أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل كل الخلافات والتحديات التي تواجه المنطقة”.

وأكد أمير قطر، أن “دولة قطر مستعدة لتقديم أي مساعدة تضمن إنهاء الخلافات وتعزز أمن واستقرار المنطقة”، مؤكدا أن “الحوار هو السبيل الأمثل لإنهاء الأزمات”.

وأشار أمير قطر إلى أنه اطلع من الرئيس الإيراني على ما وصلت إليه مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي، مضيفا “نأمل أن يتم التوصل قريبا لاتفاق يرضي كل الأطراف، ويضمن حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية”.

وفي هذا الجانب، قال النعيمي، إن “أبرز تلك الملفات التي تناولها لقاء أمير قطر برئيس إيران هي بحث التهدئة في المنطقة العربية لا سيما بعد المتغيرات التي حصلت في الانتخابات العراقية والهزيمة الكبيرة التي لحقت بالجناح السياسي للميليشيات المرتبطة بطهران، ومحاولة ضبط المشهد والتي بائت بالفشل، فإيران تبحث عن حليف يساهم بتخفيف من وتيرة العقوبات الأمريكية وبنفس الوقت باتت تقدم نفسها على أنها دولة محورية ولديها القدرة على التأثير على المنطقة ما إن فتحت جبهات جديدة تجاه طهران من المنطقة العربية”.

ورأى أن “إيران ستحافظ على الهدوء النسبي بموجب ما يتحقق لها من مصالح، وستستخدم لغة الردع عبر أذرعها المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن لضرب المنطقة وإرضاخها للرؤية التي تتناسب مع تطلعاتها في بقاء المنطقة رهينة الفوضى، وبدوره تستثمر ذلك في عملية الالتفات إلى عملية تطير برنامجها النووي عبر رفع مستوى تخصيب اليوانيوم ولربما قد نشهد تطورا كبيرا في هذا الخصوص، خاصة وأن العقوبات الأمريكية تجاه طهران لا تتناسب مع التقدم الكبير الذي تحرزه إيران في برنامجها النووي غير السلمي وفقا للواقع الذي بات الجميع بدرك مخاطره وتداعياته”.

وتابع النعيمي “لا أعتقد بأن تلك المباحثات ستأتي بجديد نظرا لأن نظام الحكم الإيراني مازال ينظر إلى الشرق الأوسط كحديقة خلفية يستثمر خيراتها، ويهدد العالم بضرب الطاقة في قلب العالم خاصة بعد الاستهداف لأكثر من مرة بالصواريخ البالستية والمسيرات لمحطة النفط السعودية أرامكوا وإلحاق الأذى بها، وهذا بحد ذاته رسالة إلى المجتمع الدولي أنها مازالت تستطيع أن تهدد مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة عبر ضرب حلفاء الولايات المتحدة، والضربات بشكل أو بآخر ستساهم في ضعضعة أسعار النفط العالمية وتبعاتها ستؤثر على العالم بأسره”.

اتفاقيات هامة بين البلدين

وتم خلال الزيارة توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات عدة أبرزها:

• المشاورات السياسية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بين وزارتي خارجية البلدين.
• التعاون في مجال التدريب الدبلوماسي بين المعهد الدبلوماسي ومعهد الدراسات السياسية الدولية التابع لوزارة الخارجية في البلدين.
• إلغاء متطلبات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة بين حكومة البلدين.
• البرنامج التنفيذي الثاني للتعاون الإذاعي والتلفزيوني بين المؤسسة القطرية للإعلام ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني.
• البرنامج التنفيذي الأول لاتفاق التعاون في مجال الشباب والرياضة للعامين (2022- 2023).
• مذكرة تفاهم بين الشركة القطرية لإدارة الموانئ (قطر) وهيئة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية.
• النقل البحري، والنقل البري.
• مذكرة تفاهم بين المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء وشركة إيران لتوليد الطاقة الكهربائية وإدارة النقل والتوزيع.
• مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التقييس بين الهيئة العامة القطرية للمواصفات والتقييس وهيئة المواصفات الإيرانية الوطنية.
• تفاقية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والبرنامج التنفيذي الأول لاتفاقية التعاون الثقافي والفني بين البلدين للعامين (2022- 2023).
• المجال السياحي ، ومجال المناطق الحرة بين هيئة المناطق الحرة والمجلس الأعلى لمناطق التجارة الحرة والصناعية والاقتصادية في إيران.

مساعي قطري إيرانية لمد أوروبا بالغاز

وفي تصريحات له خلال “منتدى الدول المصدرة للغاز”، اعتبر الرئيس الإيراني أن “الزيارة تشكل خطوة باتجاه تفعيل العلاقات بين هذه الدول (المنتجة والمصدرة للغاز)، والاستفادة من قدراتها لأجل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية وخاصة مع قطر التي نتشارك معها حقلا مشتركا للغاز”، حسب تعبيره.

وتأسس “منتدى الدول المصدرة للغاز” في كانون أول/ديسمبر 2008، كمنظمة حكومية دولية مقرها الدوحة، تُعنى بوضع إطار لتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول الأعضاء ورفع مستوى التعاون والتنسيق بينها.

وعن أهمية الزيارة الإيرانية إلى قطر، قال الباحث في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “بات من الواضح الدور الذي تلعبه دولة قطر وهو دور الوسيط في المنطقة وأخذ دور سلطنة عمان، إن كان في ما يتعلق بموضوع الملفات النووية أو في ما يتعلق بالوساطة بين الدول المتخاصمة في المنطقة، وقد شاهدنا الجهود القطرية في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني سواء السرية والعلنية للوساطة ما بين إيران وامريكا للجلوس على طاولة واحدة لحل هذا الملف”.

وتابع عبد الرحمن “من جهة ثانية هناك مشروع متوسط المدى يتعلق بموضوع اقتصادي، إذ تحاول إيران وقطر لعب دور استراتيجي في ما يخص الطاقة خاصة الغاز، لكي يكون هناك بديل عن روسيا بمد أوروبا بالغاز، لذا قطر وإيران تعملان سويا على مشروع مد أوروبا بالغاز”.

وبعد توقيع الاتفاقيات قدّم أمير قطر قميص منتخب بلاده “العنابي” هدية للرئيس الإيراني، داعياً إياه لحضور مباريات كأس العالم 2022.

وتستضيف قطر النهائيات العالمية في الفترة ما بين 21 نوفمبر و18 ديسمبر المقبلين، وذلك لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقال الباحث في الشأن الإيراني أيضا “نحن نعرف أن قطر قادمة على مشروع كبير وهو كأس العالم، وبما أن قطر لا تستطيع استيعاب كل الحشود القادمة لمتابعة هذا الحدث العالمي فمن المفترض أن تقوم إيران بفتح جزيرتي (كيش وقشم) كونهما تحتويان على فنادق كثيرة وبذات الوقت هي قريبة من قطر، وذلك بهدف استيعاب أكبر قدر ممكن من الزوار”.

إيران وتقليد تركيا في تكوين العلاقات

ولفت الباحث في الشأن الإيراني إلى “رغبة إيران في بناء العلاقات مع دول المنطقة، محاولة بذلك تقليد تركيا التي بدأت بتقوية علاقاتها مع الإمارات والسعودية وإسرائيل ومصر وغيرها”، مشيرا إلى “الفارق ما بين التفكير التركي والتفكير الإيراني، إذ أن تركيا تسعى لتعزيز تلك العلاقات دعما لاقتصادها ولما فيه مصلحة شعبها قبل كل شيء وبعيدا عن أي أيديولوجيات”.

ورأى أن “إيران تدّعي أنها تريد السلام مع دول المنطقة وبناء العلاقات معها لكن هناك فرق ما بين الرواية الإيرانية والتطبيق على الأرض، إذ تحاول إيران مد يدها من جهة، وباليد الأخرى تعمل على إثارة وزعزعة الاستقرار في المنطقة ودعم الميليشيات ضد الدول العربية، إضافة لاستغلال عدد من الملفات الخلافية ما بينها وبين تركيا للضغط على الأخيرة”.

الجدير ذكره أن إيران كانت من أولى الدول التي اعترفت باستقلال دولة قطر، وبعد شهر من نيل الاستقلال، تم نشر الإعلان عن الاعتراف بدولة قطر وإقامة العلاقات بين البلدين وقدم أول سفير إيراني أوراق اعتماده عام 1972، بينما وصل إيران أول سفير قطري عام 1973، حسب ما نشرت سفارة دولة قطر في طهران على موقعها الرسمي في الإنترنت.

وتلفت سفارة قطر إلى أن الجوار والدين الإسلامي يعتبران عاملين عاملين هامين في إقامة الصلات بين الشعب الإيراني وخاصة أهالي المناطق الجنوبية من إيران ومع الشعب القطري بالذات، ولذلك فقد كان للإيرانيين دوراً متميزاً في التنمية الاقتصادية والإعمار في قطر، وأن اكتشاف النفط في الأربعينات في قطر وحاجتها الشديدة والمتزايدة للطاقة العمالية كان السبب لزيادة نسبة هجرة أهالي مدن وموانئ الجنوب الإيراني إلى قطر، حسب ما نشرت على موقعها أيضا.

زر الذهاب إلى الأعلى