
رأى مراقبون أن السعودية بدأت بتوجيه بوصلتها نحو ترميم علاقاتها مع تركيا، مرجعين السبب إلى مخاوف السعودية من أي فراغ أمريكي قد يحصل في المنطقة، في حين أجمع محللون سياسيون آخرون على أن المملكة بحاجة لدولة قوية مثل تركيا للاعتماد عليها في ظل غياب الضمانات الأمنية الأمريكية الحقيقة.
وحسب مراقبين، فإن “السعودية باتت تعتقد أن عليها أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها ومصالحها، بعد أن تخلت واشنطن عنها بعد استهداف منشآت أرامكو عدة مرات، إضافة إلى سحب الأخيرة معظم منظومات الدفاع الجوي من قواعدها في السعودية وإعادة نشرها في دول آسيوية أخرى لمواجهة التهديدات الصينية”.
المحلل السياسي علي تمي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “السعودية اليوم بأمس الحاجة إلى تركيا بعد أن خذلتها واشنطن وتركتها رهينة لصواريخ الحوثيين، وبالتالي فإن إعادة ترتيب العلاقات ما بين الرياض وأنقرة ستقلب الموازيين في المنطقة”.
وأضاف أن “محور الشر الذي تقوده طهران في الشرق الأوسط استغل الخلافات مابين الدوحة وأنقرة والرياض، واستفرد بالمعارضة السورية من جهة، ودعم محاور الشر داخل لبنان واليمن والعراق من جهة ثانية”.
واعتبر تمي أن “أهمية عودة العلاقات إلى طبيعتها لا شك ستقلب الموازين في المنطقة، خاصة أن تركيا اليوم لديها القدرة العسكرية بالتدخل لصالح السعودية ضد الحوثيين وقصقصة أجنحة طهران داخل اليمن والعراق”.
ونوّه إلى أن “عودة العلاقات مهم جدا والخاسر الاكبر من عودة هذه العلاقات هو محور الشر، وأيضاُ واشنطن التي تخذل حلفاءها وتتركهم فرائس للمحور الإيراني والروسي في المنطقة”.
وأشار المراقبون إلى أن “اندفاع الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران عبر مفاوضات فيينا المستمرة منذ شهور، دفع السعودية ودول الخليج الأخرى لإعادة النظر في مدى التزام واشنطن بحمايتها وحماية أمن الممرات المائية في الخليج العربي والبحر الأحمر من التهديدات الخارجية، الإيرانية تحديدا”.
وفي وقت سابق من عام 2021، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن “إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قررت تقليص عدد الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ، بسحب 8 بطاريات من العراق والكويت والأردن والسعودية، رغبة في إعادة تنظيم تواجدها العسكري، للتركيز على (مواجهة) الصين وروسيا”.
ولفت مراقبون الانتباه، إلى أن “واشنطن وضعت الرياض في موقف صعب يستدعي من الأخيرة تهدئة إقليمية وإصلاح علاقاتها مع إيران وتركيا، أو إحداهما، خاصة وأن الانفتاح على روسيا لن يحل مأزق السعودية”.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني نائل بركات لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “العلاقات التركية السعودية كانت تسير على نحو إيجابي حتى حدوث ومجيء الربيع العربي، وزاد المشكلة اغتيال الكاتب السعودي عدنان خاشقجي على الأرض التركية، وكذلك مشكلة الصراع بين قطر والسعودية والإمارات، وموقف تركيا الواضح في الدفاع عن قطر وإرسال قوات عسكرية إلى قطر، والملف المصري والليبي، ومحاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وتوجيه الاتهام إلى دول تدعم الانقلابيين منها الإمارات والسعودية، وقضية محاولة ضرب العملة والبورصة التركية لزعزعة الاستقرار في تركيا، وقد أدى هذا إلى تراجع كبير في العلاقات بينهما”.
وأضاف “بالنظر إلى الدولتين، نرى أنه لم تطرأ تغيرات هامة على مواقفهما بخصوص القضايا وملفات الخلاف، إلا أننا نلاحظ انخفاض في حدة التوتر ورغبة متبادلة في الارتقاء بمستوى العلاقات”.
وزاد بركات قائلاً إن “التطورات التي جرت على الصعيدين الإقليمي والدولي وتأثير هذا على الدولتان دفع إلى التفكير جيدا لإيجاد رغبة في التقارب”.
ومنتصف عام 2021، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن القائد الأعلى للولايات المتحدة للمنطقة المركزية الجنرال فرانك ماكنزي، قوله إنه “مع قيام الولايات المتحدة بتقليص وجودها العسكري في جميع أنحاء الشرق الأوسط، للتركيز على منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا، فإنها تخاطر بمنح هاتين الدولتين فرصة لملء الفجوة وتوسيع نفوذهما حول الخليج”.
وحول هذا الأمر، مضى بركات قائلا إن “السعودية في مأزق بسبب إيران وحرب اليمن وضعف الضمانات الأمنية الأمريكية، لذلك هي تحتاج لدولة قوية تستطيع الاعتماد عليها ولن تجد دولة بقوة تطور تركيا عسكرياً، التي أثبتت الحقائق على الأرض قوة تركيا العسكرية كان في ليبيا أو أوكرانيا أو أرمينيا”.
وختم بركات قائلاً إن “تركيا بحاجة لفتح ملف التعاون مع السعودية لما للسعودية من أهمية كانت دينية أو اقتصادية، ومن هنا فإن الزيارة (التي أجراها أردوغان للسعودية) مهمة لتجاوز الخلاف بما لا يؤثر على موقف تركيا من القضايا المهمة، ويؤدي إلى تحكيم مصلحة الطرفين في التقارب”.
وعام 2021، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن “مدى السوء الذي وصلت إليه العلاقات بين الرياض وواشنطن منذ تولي بايدن المسؤولية، ومدى غضب ولي العهد السعودي من الإدارة الأمريكية الحالية، وذلك في سياق عدد من المواقف التي تشير إلى مدى عمق التوتر الحاصل بين الرياض وواشنطن، وكيف أن ذلك أمراً غير مسبوق تماماً منذ أن بدأت العلاقات بين البلدين عام 1945، من خلال اتفاق استراتيجي طويل الأمد كانت مدته 60 عاماً وتم تجديدها عام 2005 للمدة نفسها”.
وخلال الفترة ذاتها، أبلغ رئيس المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان، دبلوماسيين أوروبيين أن “الرياض تفكر تغيير كبير في علاقاتها مع الولايات المتحدة، احتجاجا على عدم تحركها بشكل فعال فيما يخص الحرب السورية ومبادرتها للتقارب مع إيران”، حسب وكالة رويترز.
اقرأ أيضا| تركيا بديل عن أمريكا.. محللون: التقارب التركي السعودي مصلحة لكل المنطقة (تقرير)