تتوجّه أنظار المحللين السياسيين والمهتمين بقضايا المنطقة، إلى الزيارة التي بدأها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تركيا، اليوم الإثنين.
وأشار مراقبون إلى أن هذه الزيارة هي الأولى لرئيس جزائري منذ سنوات طويلة، إذ من المقرر أن يلتقي خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، ويجري خلالها توقيع اتفاقيات شراكة في عدة ميادين اقتصادية تكريسا لتطور لافت وسريع للعلاقات بين البلدين في غضون الخمسة أعوام الأخيرة.
وفي إطار الزيارة التي تأتي في الذكرى السنوية الـ 60 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والجزائر، سيتم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون الراهن بين البلدين.
وقالت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية في بيان، إن زيارة تبون ستستمر 3 أيام من 15 إلى 17 أيار/مايو الجاري.
ولفتت إلى أن “الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى بين تركيا والجزائر، سيعقد في العاصمة التركية أنقرة، الإثنين، برئاسة أردوغان وتبون”.
وأشارت إلى أنه “ستتم خلال الاجتماع الذي يشارك فيه الوزراء المعنيون مراجعة العلاقات التركية الجزائرية المستندة إلى روابط تاريخية متجذرة بكافة أوجهها”.
وحول هذه الزيارة قال رئيس منتدى الجالية الجزائرية في تركيا حذيفة جباري، لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى تركيا في هذه المرحلة تعتبر زيارة ذات أهمية بالغة نظرا للوضعين الاقتصادي والسياسي في العالم، لذا فهي زيارة سياسية أخوية اقتصادية بامتياز، ونتمنى أن تكون لها مخرجات تعود بالفائدة على البلدين”.
وأضاف جباري أن “الزيارة يميزها حضور وفد رفيع المستوى من رجال الأعمال الجزائريين الذين يرافقون رئيس الجمهورية تبون إلى تركيا في هذه الأثناء، والتي من المقرر أنها ستدوم لمدة 3 أيام”.
وأشار إلى أن “اللقاء الأول للرئيس تبون سيكون مع الجالية الجزائرية في تركيا، وغدا الثلاثاء سيلتقي الرئيس أردوغان، كما سينعقد منتدى رجال الأعمال الجزائريين والأتراك في إسطنبول، والذي ينتظر أن يتم فيه التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات تفوق الـ 70 اتفاقية في مجال الطاقة والبناء وفي مجالات اقتصادية أخرى تهم البلدين”.
وفي وقت سابق من العام الماضي 2021، وصف تبون، خلال لقاء مطوّل مع مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية الأسبوعية، العلاقات التي تربط بلاده بتركيا بـ”الممتازة”، مؤكدًا أن “تركيا دعمت الجزائر دون مقابل”.
وفي هذا الصدد، قال جباري إن “علاقات تركيا والجزائر ضاربة في الأزل منذ قرون أي منذ العهد العثماني وقد تميزت في العهد الأخير منذ استلام تبون في تطور ملحوظ وتسارع في عملية التقارب بين قيادة البلدين، مما زاد من حجم التبادل التجاري والسياحي والثقافي والأكاديمي باستضافة تركيا لعديد من الباحثين الجزائريين واستضافة الجزائر للعديد من الأساتذة الأتراك، إضافة إلى افتتاح قسم اللغة التركية في جامعة الجزائر وغيرها من الإنجازات التي تتم منذ سنة 2019 إلى يومنا هذا على أمل أن تستمر هذه الإنجازات في التطور”.
وعن المتوقع من هذه الزيارة، أوضح جباري قائلا إن “الرئيسين سيدرسان الحالة الليبية وملف دول الساحل مالي والنيجر، وملف الصحراء الغربية، والعلاقات مع دول الجوار، كونها كلها ملفات حساسة، كما يتوقع بحث ملفات أخرى داخلية كموضوع التأشيرة وإلغائها بين البلدين، يضاف إلى ذلك بحث موضوع المركز الثقافي الجزائري والتركي الذي تم الحديث عنه من قبل بين الرئيسين وغيرها من الأشياء التي تهم الجالية الجزائرية في تركيا”.
ومطلع العام 2020، زار أردوغان الجزائر ضمن جولة شملت زيارة عدد من الدول الإفريقية ومن بينها السنغال وغامبيا، بحث خلالها في الجزائر التي كانت محطته الأولى، سبل تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين، وتوسيع مجالات التعاون بينهما، بالإضافة إلى مناقشة أهم الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها الملف الليبي.
من جانبه، قال خبير دراسات شمالي إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط “أورسام” عمر روابحي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “العلاقات الجزائرية التركية المتنامية في الآونة الأخيرة تشكل إعادة اكتشاف وصياغة لمعادلات جيوسياسية جديدة قديمة، وما يعزز هذا الخط هو التوجه الجزائري نحو التحرر من الارتهان للطرف الفرنسي، وقد بدا ذلك واضحا في ميل الموقف الجزائري إلى الجانب التركي في الملف الليبي”.
وتابع روابحي قائلا إن “زيارة رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون، إلى تركيا تأتي تتويجا لهذه العلاقات المتنامية مع تركيا وإعلانا لانطلاق عمل هيئة التعاون رفيعة المستوى التي أسست بين البلدين غداة زيارة الرئيس التركي للجزائر قبل فترة”.
ولفت إلى أنه “من المتوقع أن تثمر زيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، وكذلك عقد تفاهمات حول ملفات شائكة مثل الملف الليبي والأزمة الأوكرانية، وحتى ملف الساحل في ظل انحسار النفوذ الفرنسي من المنطقة، ويبقى السؤال مطروحا حول أي تفاهمات تتعلق بالتسلح في ظل سعي الجزائر لتنويع مصادر تسلحها مع احتمالات اضطراب المصدر الروسي الذي يحتكر السوق الجزائرية نتيجة للحرب في أوكرانيا، ولعل الأيام القادمة تجيبنا عن هذا السؤال”.
ومنتصف العام الماضي 2021، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو في مقال كتبه في صحيفة “الخبر” الجزائرية تزامنا مع زيارة رسمية أجراها إلى الجزائر، أن “تركيا والجزائر تمتلكان سواحل واسعة في شرق وغرب حوض البحر الأبيض المتوسط، وقد كانتا مهدا لحضارات مهمة عبر التاريخ، فهما دولتان صديقتان وشقيقتان ترتبطان ببعضهما البعض ارتباطا وثيقا بعلاقات تاريخية وثقافية واجتماعية”.
وقال أيضاً إن “الروابط التاريخية والثقافية المشتركة بين بلدينا، التي تعود إلى قرون، لا تزال تدعم مشاعر الأخوة بين شعبينا. إن الاهتمام الوثيق الذي أبداه إخواننا الجزائريون بتركيا وبالثقافة التركية مصدر فخر وسعادة لنا”.
بدوره، قال رئيس مركز العلاقات الجزائرية التركية محمد وعراب لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الزيارة تعتبر خطوة في غاية الأهمية لتعزيز مسار تقوية العلاقات الجزائرية التركية الذي بدأ بشكل جلي عقب انتخاب الرئيس تبون منذ سنتين ونصف، حيث يجدر التذكير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو أول من قام بزيارة رسمية للجزائر عقب رئاسيات ديسمبر 2019”.
وأضاف وعراب أن “كلاً من الجزائر وتركيا الآن وفي ظل الأزمات الدولية الكبيرة في المنطقة، كل منهما محتاج لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الآخر، خصوصا مع وجود خلفية تاريخية كبيرة مشتركة بين البلدين، وحركة تجارية سياحية نشيطة جدا تحتاج لمرافقة وتخفيف بعض العراقيل الادارية لتبلغ مدى كبيرا سيعود بالفاىدة على الشعبين الجزائري والتركي”.
وختم بالقول إنه “يجب أن تعمل كل الأطراف على أن تكون هذه الزيارة انطلاقة حقيقية للعلاقات الجزائرية التركية، وذلك باتخاذ قرارات عملية جريئة من شأنها تسهيل تحرك المواطنين في الاتجاهينـ إضافة إلى التبادل العلمي بين الجامعات والمراكز، وتسهيل حركة الأموال في الاتجاهين أيضاً”.
وتمتاز العلاقات التركية الجزائرية بالاستراتيجية والمتطورة في مختلف المجالات سواء الاقتصادية والتجارية وحتى الثقافية.
وعن أهمية تلك الزيارة، قال الأمين الوطني للإعلام والاتصال لحركة مجتمع السلم حمدادوش “تثمن الحركة هذه التنوع في علاقات الجزائر مع أهم المحاور والأطراف الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشاركة والاحترام المتبادل بين الدول والشعوب”.
وفي حديث مع “وكالة أنباء تركيا”، قال ناصر إن “هناك قواسم مشتركة تاريخية وحضارية وثقافية تجمعنا بالدولة التركية، وهو ما يسهل مثل هذه الزيارات والعلاقات”.
وتابع “لقد دفعت الجزائر أثمانا باهضة لعلاقات غير متوازنة وغير متكافئة مع الدول الغربية – وتحديدا فرنسا والاتحاد الأوروبي، وتسببت العصابة السابقة في خسائر استراتيجية للبلاد، وآن الأوان للجزائر أن تراجع مثل تلك العلاقات والاتفاقيات، ومنها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي كلف الجزائر خسائر باهضة على كافة المستويات، بما فيها الثقافية والحضارية”.
وزاد بالقول “هذه زيارة دولة لمدة 3 أيام، وليست مجرد زيارة رسمية عادية، وأكيد أنها تنسجم مع حجم هذا التوجه في العلاقة والتعاون”.
واعتبر أن “الوضع الدولي والإقليمي المعقَّد يفرض علينا الخروج من الآحادية القطبية، ومن الهيمنة الغربية، وتفتح الجزائر على نفسها آفاق لعلاقات متعددة ومتوازنة”.
وختم قائلا “لقد أثبتت العلاقات الاقتصادية والتجارية مع تركيا أنها تقوم على الاحترام المتبادل، وعلى المصلحة المشتركة، وهو ما يدفعنا إلى تشجيعها وتطويرها والارتقاء بها إلى اتفاقات استراتيجية متنوعة”.
يشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجزائر وتركيا عام 2020، بلغ 3.1 مليار دولار، كما أن الجزائر تعد ثاني شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، إضافة إلى أن قيمة المشاريع الاستثمارية التي تنفذها تركيا في الجزائر تقدر بـ3.5 مليار دولار، في حين أن مجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين جرى تأسيسه في كانون الثاني/يناير 2020، حسب وزارة الخارجية التركية.