ما يزال إصرار تركيا على رفض انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي الـ”ناتو” هو سيد الموقف، في حين يؤكد مراقبون ومحللون سياسيون على أن هذا الموقف سيجبر واشنطن على تقديم تنازلات لصالح أنقرة.
وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تحفظ تركيا على عملية انضمام السويد وفنلندا إلى الـ”ناتو”، مشيراً إلى أن “السويد وفنلندا لا تبديان موقفا صريحا ضد التنظيمات الإرهابية، ولا يمكن لأنقرة الموافقة على انضمامهما إلى الـ (ناتو) في هذه المرحلة”.
وصعّد أردوغان، من لهجته ضد السويد وفنلندا، مؤكدا في تصريحات له أنه “في حال موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى الـ(ناتو)، فإن الحلف سيخرج عن كونه منظمة أمنية ويتحول إلى مكان يتركز فيه من هم بمثابة ممثلين للإرهابيين”.
وقدمت السويد وفنلندا طلبين للحصول على عضوية الـ”ناتو”، لينهي البلدان عقودًا من عدم الانحياز العسكري.
وحول الموقف التركي وأبعاد هذا الرفض، قال الكاتب والمحلل السياسي، معاذ عبد الرحمن درويش لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “تركيا تحاول وبصعوبة أن تحافظ على موقف المحايد الإيجابي ما بين روسيا وأوكرانيا، وفي حال موافقتها على انضمام السويد أو فنلندا فهذا سيؤدي إلى سوء علاقتها مع روسيا”.
وأضاف “من جانب آخر تركيا تحاول منذ إنطلاقة الحرب بالسعي جاهدة لإيقافها، وإذا تم ضم أي دولة أوربية جديدة للحلف سيؤدي إلى تفاقم الوضع واتساع رقعة الحرب وهذا ما لا تتمناه تركيا”.
وتابع درويش قائلاً “أمّا عن التبرير التركي لعدم موافقتها بأن فنلندا والسويد تؤويان عناصر ينتمون لأحزاب كردية تصنفها تركيا إرهابية، فهذا مقدمة لطلبات مرتفعة المستوى لتقديم تنازلات كبيرة من قبل الولايات المتحدة الحليف والداعم الأساسي للأحزاب الكردية في سوريا، في حال تم الضغط لأخذ موافقة تركيا لإنضمام السويد وفنلندا للحلف”.
وتعتزم “السويد وفنلندا” إجراء زيارة إلى تركيا لبحث مسألة اعتراض تركيا على انضمامها لحلف شمال الأطلسي.
وفي هذا الصدد، قال أردوغان إنه “لا داعي لهذه الزيارة إن كان الهدف منها إقناع تركيا بقبول انضمام البلدين لحلف الـ(ناتو)”، لافتاً إلى أن “البلدين المذكورين يصرحان بأنهما لن يسلما إرهابيين مطلوبين إلى تركيا، عوضا عن التصريح بأنهما سيقفان ضد التنظيمات الإرهابية”.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي نائل بركات لـ”وكالة أنباء تركبا”، إن “حلف شمال الأطلسي الـ(ناتو) هو تحالف عسكري دفاعي شكلته 12 دولة عام 1949، بينها: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، لمواجهة تهديد التوسع السوفياتي في أوروبا بعد الحرب، وعلى مر العقود منذ ذاك الحين، نما الحلف ليشمل إجمالي 30 عضوا”.
وأضاف “علينا أولا معرفة أمر مهم يتعلق في ميثاق حلف الـ (ناتو)، وهو أنه يحق لكل دولة استخدام حق الفيتو ضد انضمام أي دولة بالحلف، وبالتالي من حق أنقرة التحفظ على عضوية فنلندا والسويد، وبهذا لن يتمكنا من الانضمام إليه”.
وأشار بركات إلى أن “الرئيس أردوغان قال إنه لن يوافق على قبول الدول التي تفرض عقوبات على تركيا، وكانت السويد قد علقت مبيعات الأسلحة لتركيا، بسبب ما تعتبره التدخل العسكري لتركيا في سوريا، وقد رفضت كل من فنلندا والسويد عشرات الطلبات لتسليم مسلحين أكراد تصفهم تركيا بالإرهابيين”.
والثلاثاء، قال الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو، إن تركيا تتخذ موقفا صارما ضد عضوية بلاده والسويد في حلف شمال الأطلسي الـ “ناتو”، معربا عن أمله في أن يتم حل المسألة عبر “مفاوضات بناءة”.
وأوضح نينيستو في تصريح بالبرلمان السويدي، أن العديد من الأحداث دفعت السويد وفنلندا إلى تقديم طلب للانضمام إلى الـ “ناتو”، مبينا أن المخاوف الأمنية زادت مع الحرب الروسية الأوكرانية، حسب زعمه.
ومضى المحلل السياسي بركات، بالقول إن “أنقرة تعتبر أن لتلك الدولتان علاقة بالجماعات التي تعتبرها تركيا حركات وتنظيمات إرهابية كعناصر من حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن (الإرهابيين)”.
ولفت إلى أن “العلاقة بين السويد وتركيا شهدت العام الماضي توتراً، حيث استُدعي سفير السويد إلى الخارجية التركية احتجاجاً على مشاركة وزير دفاعها، بيتر هولتكفيست، في مؤتمر عبر الفيديو مع (قوات سوريا الديمقراطية)، ووجهت تركيا انتقادات لاذعة إلى وزيرة الخارجية السويدية، آنا ليند، بسبب ما وصفته باجتماعات مع (عناصر إرهابية)، إثر زيارة وفد كردي، لكن مع هذا في السياسة لا يوجد مستحيل خاصة أن تلك الدولتان ترسل الوفود لتركيا لحل الخلاف”.
وأكد أن “تركيا مصممة على انتزاع ثمن ما وكبير ومهم لها على جميع الأصعدة، عسكريا واقتصاديا وأمنيا، لتصويت دخول فنلندا والسويد لحلف الـ(ناتو)، ومن المرجح أن تهيمن القضية على المناقشات المرتقبة بين وزيري الخارجية الأمريكي والتركي في واشنطن”.
وعن تلك التطورات، قال القاضي إبراهيم الحاجي، في منشور على حسابه في “فيسبوك”، إن “بيضة القبان في السلة التركية”، مبيناً أن “الأقدار ليست وحدها تسعف السيد أردوغان ولكن مساعدته للمظلومين والمستضعفين بالتأكيد تسهل له جميع الطرقات وتذلل الصعوبات، ومرة أخرى من جديد تسارع روسيا وأمريكا لكسب الود التركي”.
وذكر أن المعادلة على الشكل الآتي “الـ (ناتو) يوافق على قبول طلبي انضمام السويد وفنلندا، وتركيا تقدم اعتراض بصفتها عضو في الـ (ناتو)، ولايستطيع الحلف قبول الطلب إلا بسحب الاعتراض التركي “.
وزاد بالقول “الـ(ناتو) سيبازر أمريكا على التخلي عن PKK/PYD وجزر بحر إيجه واتمام صفقة S-400 وF-35 كمطلب تركي لسحب الاعتراض”.
وختم بالقول إنه “في حال فشل الـ(ناتو) في تلبية هذا المطلب سيتجه ليبازر روسيا على تطبيق مقررات سوتشي عام 2018 و2019، واسترجاع مورك وتل رفعت ومنبج وعين عرب والمالكية والدرباسية شمالي وشرقي سوريا، ارضاءاً للجانب التركي لسحب الاعتراض”.
الجدير ذكره، أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ناتو”، ينس ستولتنبرغ، أكد أن تركيا حليف مهم وينبغي إزالة كافة المخاوف الأمنية التي تعتريها، حسب تصريحات له، في حين أعرب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن أمله أن يتمكن حلف شمال الأطلسي، من إيجاد حل لاعتراضات وتحفظات تركيا بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.