تتوجه الأنظار إلى الاجتماع الذي سيعقده مجلس الأمن القومي التركي، الخميس 26 أيار/مايو الجاري، والذي من المرتقب أن تصدر عقب انتهائه أخبار تتعلق بالعملية العسكرية الجديدة التي تنوي تركيا شنها شمالي سوريا ضد التنظيمات الإرهابية، حيث أجمع محللون أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “بارع باستغلال اللحظات التاريخية لتحقيق مصلحة تركيا”.
وأكد مراقبون أن يوم الخميس المقبل “لن يكون يوماً عادياً لا بالنسبة لتركيا ولا حتى للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تحسب ألف حساب لساعة الصفر التي سيعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.
ورأى مراقبون أن “تهديدات أردوغان بشن عملية عسكرية والتي تزامنت مع عشية انعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، تسببت بحالة إرباك وزعزعة غير مسبوقة في صفوف تنظيم PKK/PYD الإرهابي شمالي سوريا”.
والإثنين، قال أردوغان إن “تركيا ستبدأ باتخاذ خطوات تتعلق باستكمال الجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كم، على طول حدودنا الجنوبية مع سوريا”، مضيفاً “ستبدأ هذه العمليات بمجرد أن تكمل قواتنا المسلحة والمخابرات والأمن التركية استعداداتها”.
ورصدت “وكالة أنباء تركيا”، آراء عدد من المحللين المهتمين بالشأن التركي وملف القضية السورية سياسياً وعسكرياً.
القيادي في المعارضة السوري مصطفى سيجري قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “العملية العسكرية المرتقبة حاجة ضرورية وواجب المرحلة.. فلا يمكن التعايش مع الإرهاب أو الاستسلام له”.
وأضاف سيجري أنه “طيلة السنوات تلقى إرهاب قسد (PKK/PYD الإرهابي) الدعم الكبير والحماية من القوى الخارجية.. الآن تغيرت الظروف السياسية والمعطيات العسكرية، والجهات الداعمة لقسد لم تعد قادرة على الاستمرار بتقديم الدعم”.
وتابع أنه “بعد الحرب الروسية على أوكرانيا تغير كل شيء، وكل الدول راحت تعيد النظر في سياساتها تجاه سوريا وتركيا”، مبيناً أن “العملية العسكرية المرتقبة تهدف لإقامة منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية وبعمق 35 كلم”.
مراقبون أشاروا إلى أن المحاور المتوقع بدء العملية العسكرية التركية فيها هي “عين العرب، منبج، تل رفعت”، في حين ألمح رئيس المجلس التركماني السابق وجيه جمعة إلى بعض هذه المحاور، قائلا “وقفنا أنا وصديق لي من تل رفعت أمام خيمته في جوار مدينة أعزاز، سالت دمعته وهو يشير إلى مكان منزله في تل رفعت وقال: هؤلاء الإرهابيون يمنعونا من العودة إلى منازلنا”.
وأضاف جمعة “بعد أيام صديقي سيزرف دموعاً ولكن للفرح هذه المرة إن شاء الله”.
وقال جمعة في سلسلة منشورات رصدتها “وكالة أنباء تركيا” على حسابه في “فيسبوك”، إن “إنقاذ مدينة عين العرب من عصابة PYD الإرهابية سيؤدي إلى عودة العديد من إخواننا الأكراد إلى منازلهم في عين العرب”، مضيفا أن “إدماج مدينة حلب في المنطقة الآمنة سيعطيها بعدا سياسيا وإداريا واقتصاديا وسيوفر سببا حقيقيا لعودة الكثير من النازحين”.
من جانبه، قال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “العملية العسكرية التركية تندرج ضمن إطار تأمين الشريط الحدودي السوري مع تركيا وفقا للإعلام الرسمي التركي، لكن ربما يتم تعطيل إنشاء المنطقة الآمنة خاصة وأن هناك تشابك كبير في الملف السوري نظرا للمتغيرات العسكرية التي تجري في الداخل السوري وما رافقها من انسحابات لقوات مرتبطة مع روسيا ومخاطر ملئ الفراغ من قبل الميليشيات الإيرانية”.
وتابع “أرى أن الفراغ الروسي الذي سيحصل في سوريا لا توجد دولة لديها القدرة على ضبط المشهد الحالي بما يتناسب مع الرؤية الدولية، غير تركيا، وأعتقد أن تلك الخطوة تأتي في إطار التفاهمات الدولية حول إدارة تلك المنطقة بما لا يتعارض مع الرؤية التركية”.
ورأى النعيمي أن “هذه الخطوة بحد ذاتها تأتي في إطار المحاولة لفرض تلك المنطقة وذلك لتكون ضمن المناطق التي لن تخضع لعقوبات قانون قيصر بالتوازي مع شرقي الفرات، والتي ستتيح بتخفيف الأعباء الدولية في ملف تدفق اللاجئين إلى تركيا ومنها إلى الإتحاد الأوروبي”.
ولفت إلى أن “من بين التطورات المتشابكة رفض تركيا طلب انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الـ(ناتو)، وذلك إثر التهديدات الروسية المستمرة ومآلات ما يحصل في الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته الكبيرة على الاتحاد الأوروبي والعالم بأسره، إضافة إلى المطالبات التركية المستمرة للولايات المتحدة بضرورة تسليمها مقاتلات أمريكية من طراز اف 16 إضافة إلى ضرورة عودة تركيا للمشاركة في برنامج تطوير المقاتلة الأمريكية من طراز F-35”.
وختم قائلا إنه “بالمجمل أرى أن تشابك تلك الملفات سينعكس إيجابا على الموقف الدولي من الملف السوري ويحد من قدرات (النظام السوري) في عملية إعادة تأهيله والتطبيع معه مجددا، وبوجود منطقة آمنة في سوريا سيمنح المنطقة استقرارا يتيح للاستثمار وسيؤمن وحدات سكنية لمن يرغب بالعودة الطوعية إلى سوريا في المرحلة الأولى، وربما قد تتبعه مواقف دول أخرى نتيجة لحجم التغول الميليشياوي على حدودها وبحثها الحثيث عن إيجاد حلول ناجعة تعيد فيها اللاجئين ضمن إطار التنسيق والإشراف من قبل الأمم المتحدة”.
مصادر عسكرية في المعارضة السورية (فضّلت عدم الكشف عن هويتها)، أكدت لـ”وكالة أنباء تركيا”، أن “هناك عملية عسكرية تركية قادمة، وأنه طلب منهم رفع الجاهزية والاستعداد لها”.
المحلل السياسي محمود علوش، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الرغبة التركية بتوسيع حدود المنطقة الآمنة ليست جديدة، لكنّ الظروف لم تكن مناسبة لتحقيق هذه الرغبة في الفترة الماضية، ففي 2019 لم تستطع أنقرة توسيع حدود منطقة (نبع السلام) بفعل الضغوط الأمريكية والغربية التي مورست عليها في تلك الفترة على عكس اليوم”.
وتابع علوش “يعتقد أردوغان أن الظروف الآن تبدو مثالية لشن هجوم جديد.. فمن جانب، تبدو روسيا مشغولة بأزمتها في أوكرانيا ويتعرض وجودها العسكري في سوريا لضغوط شديدة من جانب تركيا بعد تقييد حركة الأجواء وإغلاق البحر الأسود. ومن جانب آخر يحتاج الغرب إلى ضمان عدم توتر العلاقات مجدداً مع أنقرة والاستفادة من مزايا أنقرة في استراتيجية احتواء روسيا وتوسيع حلف الـ(ناتو)”.
وأشار إلى أن “هناك عوامل عديدة تضغط على أنقرة لتوسيع مناطق سيطرتها في شمال سوريا. على المستوى الأمني، سيُساعد توسيع حدود المنطقة الآمنة شرقي الفرات على تقليص المخاطر التي تُشكلها الوحدات الكردية على هذه المنطقة، وتقييد قدرة الإدارة الذاتية الانفصالية”.
واعتبر علوش أن “ملف إعادة اللاجئين السوريين يضغط كذلك على تركيا لتوسيع المنطقة الآمنة، حيث أن مثل هذا المشروع يتطلب أولاً تأمين المناطق الآمنة المقامة بالفعل، وثانياً توسيع نطاقها لاستيعاب أكبر عدد من اللاجئين”.
ولفت إلى أن “أي عملية عسكرية جديدة في سوريا من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الرئيس أردوغان في الداخل لا سيما مع اقتراب الانتخابات”.
وكان أردوغان قال في تصريحات له بخصوص العملية المرتقبة “سنجري المفاوضات اللازمة لضمان سير العملية بطريقة صحيحة، وفي هذه العملية، تركيا ستميز مجددا، بين من يحترمون حساسياتها الأمنية، والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وسوف نجعلها مرجعية لسياساتنا المستقبلية”.
بدوره، وصف الحقوقي عبد الناصر حوشان، المتابع لمجريات الأحداث شمالي سوريا، الخطوة التركية الجديدة بـ”المهمة جدا كونها تتجه نحو إنشاء منطقة آمنة يمكن أن تستوعب أكثر من مليوني سوري من المهجرين سواء من أبناء المناطق التي سيتم تحريرها أو المناطق المحررة سابقا”.
ورأى حوشان في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “العملية المرتقبة خطوة بالاتجاه الصحيح في ظل المخاوف الدولية من الاثار الاقتصادية الخطيرة التي خلفتها الحرب الروسية على أوكرانيا وخاصة على الأمن الغذائي الدولي”.
أما بالنسبة لتوقيت الإعلان عن العملية العسكرية، فأشار حوشان إلى أنه “يدل على براعة الرئيس أردوغان في استغلال اللحظات التاريخية لتحقيق أهداف بلاده، فكانت ورقة دخول الدول الداعمة لتنظيم PKK/PYD الإرهابي إلى الـ(ناتو) ورقة مهمة في هذه المعركة، لأنه ضمن كفّ يد تلك الدول عن دعم الأحزاب الانفصالية، مما يمكنه من النجاح في طردها وإعادة الوضع إلى ماكان قبل احتلالهم لهذه المنطقة و تهجير أهلها”.
وتخوض تركيا حربا شاملة ضد عدد من التنظيمات الإرهابية، على رأسها تنظيمات داعش و PKK/PYD في شمالي سوريا، وأطلقت في سبيل ذلك عمليات “درع الفرات” و“نبع السلام” و“غصن الزيتون” و”درع الربيع”، بالتعاون مع بعض فصائل الجيش الوطني السوري، للقضاء على التنظيمات الإرهابية التي تروع السكان في الشمال السوري.