تقاريرحدث في مثل هذا اليومهام

فتح القسطنطينية.. مسيرة طويلة حتى تحققت البشارة النبوية وانتصر المسلمون (تقرير)

يحتفل الأتراك خاصة والمسلمون عامة، اليوم الأحد، بالذكرى الـ 569 لفتح القسطنطينة (إسطنبول حاليا)، والذي تم على يد السلطان محمد الفاتح في 29 أيار/مايو 1453 ميلادي، والموافق لـ 20 جمادى الأولى 857 للهجرة.

وتعد ذكرى فتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، ذكرى عزيزة على جميع قلوب المسلمين، إذ قام المسلمون بالعديد من المحاولات من أجل فتح القسطنطينيّة وتحقيق نبوءة النبي محمد عليه الصلاة والسّلام ومن هذه المحاولات:

• في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان كانت هناك محاولة لفتح القسطنطينيّة إلّا أن هذه المحاولة لم يُكتب لها النّجاح.

• في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك حاول الأمويون مرة أخرى فتحها وفشلوا في هذه المرّة أيضاً.

• في عهد الدولة العباسيّة كانت هناك محاولات عديدة أهمّها الحملة الّتي جرت في عهد هارون الرّشيد والّتي لم تُحقق النّصر أيضاً.

ومع تأسيس الدولة العثمانية وتوسع رقعة أراضيها الواقعة في منطقة الأناضول، تعاظمت قوة هذه الدولة وسعت لوقف الهجمات الصليبية التي كانت تأتي من المعقل الأول والهام للدولة البيزنطية وهي مدينة القسطنطينية.

ففي عهد السّلطان بايزيد الملقب بالصّاعقة كانت هنالك محاولة أيضاً ووقعت القسطنطينيّة تحت الحصار إلا أن هجوم المغول على الدّولة العثمانيّة من ناحية الشّرق أجبر بايزيد على إنهاء الحصار لمواجهة المغول.

وفي عهد السّلطان مراد الثّاني كانت هناك محاولة للفتح إلا أنها لم تنجح كغيرها من المحاولات السّابقة.

ومنذ بداية تسلم السلطان محمد بن مراد الثاني والذي يلقب بـ”الفاتح” و”أبي الخيرات” الحكم عام 1451 للميلاد، قام بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، وركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر.

انتهج محمد الفاتح المنهج الذي سار عليه أجداده في الفتوحات، بعد أن ساهم في استقرار الدولة وقام بالإصلاحات الداخلية الضرورية، تطلع إلى المناطق المسيحية في أوروبا لفتحها ونشر الإسلام فيها، ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، إضافة إلى الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها، فجعل نصب عينيه فتح مدينة القسطنطينية بعد أن أخذ بجميع الأسباب التي تمكنه من تحقيق هذا النصر.

شجعه على ذلك العلماء الذين كانوا من حوله وساهموا في إثراء شخصيته ومن أبزهم أحمد بن إسماعيل الكوراني “معلم الفاتح”، وآق شمس الدين “الملهم الروحي للفتح”.

ومنذ بداية تسلم السلطان محمد الفاتح للحكم عمل على إعداد جيش كبير بلغ عديده نحو 250 ألف مقاتل، وشرع في تجهيز الحصون والقلاع على أطراف مدينة القسطنطينية، وبنى قلعة روملي حصار على مضيق البوسفور من الطرف الأوربي، مقابل قلعة عثمانية التي شيدها السلطان بايزيد الثاني، فيما لم تفلح كل محاولات الامبراطور البيزنطي في إقناعه عن العودة عن قرار الفتح بالأموال ومعاهدات الصلح.

عمل السلطان محمد الفاتح قبيل هجومه على القسطنطينية على توقيع معاهدات مع أعدائه المحتملين ليتفرغ لفتح المدينة، فوقع معاهدات وهدن مع إمارة (غلطة) المحادية للقسطنطينية من جهة الشرق، كما عقد معاهدات مع الإمارات الأوروبية المجاورة (المجد) و(البندقية) واللتان تجاورا مدينة القسطنطينية.

كذلك أولى محمد الفاتح أهمية كبيرة لتطوير الأسطول العثماني وزاد في تسليحه، حتى وصل قرابة 400 سفينة حربية، واعتمد على مهندسين خبراء لتطوير صناعة المدافع والأسلحة، ليكون قادرا على الهجوم على المدينة.

كانت مدينة القسطنطينية محصنة جدا من الناحية العسكرية، فهي محاطة بالمياه البحرية في ثلاث جبهات، مضيق البسفور، وبحر مرمرة ، والقرن الذهبي الذي كان محمياً بسلسلة ضخمة جداً تتحكم في دخول السفن إليه، بالإضافة الى ذلك فإن خطين من الأسوار كانت تحيط بها من الناحية البرية من شاطئ بحر مرمرة إلى القرن الذهبي.

لذلك تعد من أفضل مدن العالم تحصيناً، لما عليها من الأسوار والقلاع والحصون إضافة إلى التحصينات الطبيعية، وبالتالي فإنه يصعب اختراقها، إذ استعصت على عشرات المحاولات العسكرية لاقتحامها، فيما كان السلطان الفاتح يقوم بزيارات استطلاعية يشاهد فيها تحصيانتها وأسوارها، ويجهز الخرائط اللازمة لحصارها، وقد عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لتكون صالحة لجر المدافع الكبيرة.

تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية، في مدة شهرين تحت حماية الجيش العثماني الذي كان يقوده الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 نيسان/أبريل 1453 ميلادي والموافق لـ 26 ربيع الأول 857 للهجرة.

أحكم الجيش العثماني قبضته على المدينة التي كانت محصنة بشكل قوي جدا، فيما ارتأى السلطان محمد الفاتح أن يتم نقل السفن الراسية في ميناء بشكتاش إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطريق البري الواصل بين الميناءين بعيدا عن حي غلطة خوفا على سفنه من الجنوبيين الذين كانوا يقطنونه، وعمد على جر السفن على أخشاب مدهونة بالزيت لمسافة 3 أميال، حتى وصلت إلى نقطة آمنة في القرن الذهبي، وتمكنوا في ليلة واحدة من سحب أكثر من 70 سفينة وإنزالها بدون معرفة البيزنطيين وبعيدا عن أنظارهم.

وعند رؤية البيزنطيين للسفن الراسية في القرن الذهبي، ظهر اليأس في صفوفهم وكثرت الإشعات بينهم، ما ساهم في إضعاف الروح المعنوية لدى الجنود البيزنطيين المدافعين عن المدينة والذين اضطروا لسحب كثير من القوات المتمركزة على الأسور الأخرى في المدينة إلى الأسوار الواقعة على القرن الذهبي، إذ كانت تعتبر من أضعف الأسوار بسبب جهتها من المياه، ما سبب خللا في الدفاع الأسوار الأخرى.

وفي صباح يوم الثلاثاء 29 أيار/مايو 1453 للميلاد، بدأ الهجوم العام على المدينة، بعد أن صدرت الأوامر بالهجوم وتعالت صيحات التكبير لدى جنود الجيش العثماني الذين اتجهوا نحو الأسوار، وكان الهجوم متزامنا بريا وبحريا وموزعا على كثير من المناطق، فيما شرع البيزنطيون في دق أجراس الكنائس واللجوء إليها، بينما استشهد العديد من أفراد الجيش العثماني، وقتل الآلاف من المقاتلين البيزنطيين.

وبعد دخول الجيش العثماني لقلب المدينة، توجه السلطان محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا، وكان يجتمع فيها عدد كبير من القساوسة والرهبان والسكان، وعندما اقترب من أبوابها خرج أحد الرهبان وفتح أبوابها له، فطلب السلطان محمد الفاتح منه أن يطمئن الناس وأمرهم بالعودة إلى منازلهم، ما دفع العديد من الرهبان إلى إعلان إسلامهم.

بعد ذلك أمر الفاتح بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وتحضيره لإقامة صلاة الجمعة، وسمح للنصارى في المدينة بإقامة شعائرهم الدينية وممارسة طقوسهم في العبادة بشكل عادي.

يعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمي، عدّه الكثير من المؤرخين الأوربيين نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، وفتح الباب على مصراعيه أمام الدولة العثمانية لنشر الدين الإسلامي في قارة أوروبا، حيث توسعت الانتصارات العثمانية فيما بعد لتشمل الممالك الأوربية المجاورة.

لقد امتدت آثار فتح القسطنطينية في كل  أوروبا حتى العصر الحديث، فما تزال أوروبا تتعامل مع تركيا الحديثة على أنها وريثة الإمبراطورية العثمانية التي قضت على الإمبراطورية البيزنطية وغيرت وجه الحياة في أوروبا، ولعل أبرز ما يعبر عن النظرة الأوروبية العدائية لتركيا، المحاولات المستمرة لوضع العصا في عجلة النهوض التركية.

اقرأ أيضا| في ذكرى وفاته.. محمد الفاتح حامل البشارة النبوية وصاحب وصية “لا يغرنك المال”

زر الذهاب إلى الأعلى