مع استمرار الاستعادات التركية لشن عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا، تطفو على السطح أسئلة عدة، على رأسها “بعد 11 عاما من الثورة السورية وتواجد تركيا في الشمال السوري بشكل مباشر.. ما الذي تريده تركيا؟”.
واليوم الثلاثاء، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في تصريحات أن “القوات المسلحة التركية جاهزة وعلى أتم الاستعداد للبدء بعملية عسكرية جديدة شمالي سوريا”.
يرى مراقبون أن “العمليات العسكرية التركية المرتقبة، تخدم المصالح الوطنية للشعب السوري بقدر خدمتها لمصالح الأمن القومي التركي”، لافتين إلى أن تنظيمَي PKK وPKK/PYD الإرهابيين هما من التنظيمات الإرهابية الانفصالية المعادية لكل شعوب المنطقة”.
وردًا على سؤال حول “ما الذي تريده تركيا من تواجدها المباشر في الشمال السوري؟”، أوضح الرئيس الأسبق للمجلس التركماني السوري، وجيه جمعة، العديد من النقاط بهذا السياق.
وقال جمعة لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “في البداية لا بد من التوضيح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إنه لا بد من استكمال (عملية نبع السلام)، وهذا الكلام نعزوه إلى الأسباب التالية: أولها أن PYD الإرهابي سيطر على مدينتي منبج وعين العرب شرقي الفرات وهناك ارتباط عضوي بينه وبين PKK الإرهابي وجميعها تنظيمات إرهابية”.
وتابع جمعة “ثانيا.. في 7 آب/أغسطس 2019، كان هناك اتفاق تركي أمريكي على انسحاب PKK/PYD الإرهابي من منبج، لكنّ التنظيم الإرهابي لم ينسحب من المدينة، وتلا الاتفاق تصريحات لأردوغان أن هذا الأمر غير مقبول وأن هذا التنظيم يخطط لإنشاء ممر إرهابي”.
وأشار إلى أنه “في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أخذ أردوغان قراراً بعملية (نبع السلام)، تزامنت مع زيارة أجراها نائب الرئيس الأمريكي إلى العاصمة التركية أنقرة، وبعد مفاوضات تركية أمريكية تم التوصل إلى اتفاق بوقف لإطلاق النار وانسحاب PKK/PYD الإرهابي من منبج وعين العرب، لكن بنود الاتفاق لم تُنفذ، وبعدها تم اتفاق آخر بين الرئيسين التركي أردوغان والروسي فلاديمير بوتين لانسحاب PKK/PYD الإرهابي إلى عمق 30 كلم”.
وأضاف أنه “لا بد من تثبيت هذه الحقائق لنقول إن عملية (نبع السلام) يجب أن تستكمل، كونه يوجد اتفاق لم يتم تنفيذه بين تركيا وروسيا وأمريكا على استبعاد PKK/PYD الإرهابي عن الحدود مع تركيا بعمق 30 كلم، وتشكيل منطقة تركية آمنة”.
وأكد أن “تركيا تريد تخليص المنطقة من هذه العصابة الإرهابية، وفي حال تم تحرير مناطق منبج والرقة ودير الزور فإن كل السوريين سيعودون بأعداد هائلة جدا، وأنا سأكون أول من سيدخل منبج بعد تحريرها”.
ولفت إلى أن العملية العسكرية المرتقبة المشتركة بين الجيشين التركي والوطني السوري شمالي سوريا “هدفها التخلص من العصابة الإرهابية PKK/PYD الإرهابي، والمساعدة على عودة السوريين إلى مناطقهم، والتأسيس لحل دائم في سوريا”.
ويترقب سكان الشمال السوري وأبناء المناطق الذين هجرتهم التنظيمات الإرهابية منها، إعلان ساعة الصفر من الجانب التركي لتطهير هذه المناطق من PKK/PYD الإرهابي.
وحول ذلك، قال جمعة إن “PKK/PYD الإرهابي هو مشروع لا سوري ولا وطني، وهو مشروع تقسيمي وسياسته ضد سياسة السوريين، إضافة إلى ذلك ومن خلال تركيبته الإرهابية يريد إنشاء كيان إرهابي يهدد سوريا بالتقسيم والأمن القومي لتركيا، كما أنه يهدد الاستقرار في كل المنطقة وسوف يصدر الإرهاب إلى كل دول العالم كونه بؤرة إرهاب”.
وأواخر عام 2021، صادق البرلمان التركي، على مذكرة رئاسية تقضي بتمديد مدة مهام القوات التركية العاملة في كل من سوريا والعراق لعامين إضافيين، وذلك من أجل القضاء على الهجمات الإرهابية المحتملة ضد تركيا، التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية المتواجدة في كلا البلدين.
ويعتبر مراقبون أن “الملف السوري هو مسألة وجودية بالنسبة لتركيا”، مشيرين إلى أن “سوريا تعتبر العمق الاستراتيجي الأهم بالنسبة لتركيا أيضاً”.
وفي هذا الجانب، قال الكاتب السياسي صالح عكيدي، في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه في “تويتر” وتابعتها “وكالة أنباء تركيا”، إن تركيا تسعى إلى عدد من الأهداف في سوريا”.
وأشار إلى هدف القضاء على PKK/PYD الإرهابي في الشمال السوري، موضحاً أن “ذلك يأتي على رأس الأولويات، فنجاح مشروع قوات سوريا الديمقراطية (PKK/PYD الإرهابي) على حدود تركيا الجنوبية يعني إيقاظ مارد التقسي، لذا من المنطقي افتراض أن تركيا لن تتسامح مع الموضوع مهما كلف الأمر”، حسب تعبيره.
أمّا الهدف الثاني، حسب عكيدي “هو إعادة إعمار سوريا آمنة تضمن عودة اللاجئين”، مبيناً أنه “سيكون للبدء بإعادة الإعمار في سوريا أثر جذري على تركيا، إذ سينتعش اقتصاد البلاد الذي يعتمد بشكل كبير على نشاط شركات البناء، وسيعود جزء لا يستهان فيه من اللاجئين؛ ما سيجرد المعارضة من كرت بالغت في استخدامه ضد الحكومة مؤخرا”.
وتابع “كما تهدف تركيا إلى “كسر حصار روسيا ـ إيران الجيوسياسي المطبق على تركيا، امتدادا من شمال البحر الأسود ووصولا للجنوب في سوريا”، مضيفاً أن “هذا الثنائي (روسيا إيران) يحاصر تركيا من ثلاث جهات، بدءا من أوكرانيا ومرورا بروسيا، جورجيا، أرمينيا، إيران، العراق وصولا لسوريا، وبالتالي فإن كسر هذا الحصار في سوريا مسألة جيوسياسية وجودية”.
ومن الأهداف الأخرى، حسب عكيدي “ضمان حقوق ودور السنة وخاصة التركمان منهم في المستقبل السوري”، مشيرا إلى أن “لدى الأتراك قناعة تامة أن إيران تحاول هندسة سوريا ديمغرافيا حسب هواها، وتدرك أن للموضوع آثار قد تغير من صورة المنطقة، إذ تريد تركيا الوقوف أمام المشروع، وإضافة الشرعية لدورها في سوريا عبر ضمان حقوق السنة والتركمان”.
وختم أن “من بين الأهداف، القبول بدور تركيا كوسيط معتبر في المنطقة، من قبل القوى الدولية والإقليمي، كما أن تركيا ترغب في نهاية الأمر في الخروج من الملف السوري كضامن معتبر في المنطقة، معتمد من قبل القوى الدولية والإقليمية”.
يذكر أنه في وقت سابق من العام 2021، أكد المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، أن “إيجاد حل دائم في سوريا بمعزل عن تركيا أمر غير وارد”، مشيرا إلى أن “تركيا لا تريد مغادرة سوريا بسبب مخاوفها الأمنية، فهي تريد أن تدافع عن نفسها على طول حدودها”.
ومنذ عام 2011، تشهد سوريا حربا أهلية بدأت إثر تعامل نظام بشار الأسد بقوة مع احتجاجات شعبية مناهضة له بدأت في 15 آذار/مارس من العام ذاته، ما دفع ملايين الأشخاص للنزوح داخليا أو اللجوء إلى الدول المجاورة وعلى رأسها تركيا.
اقرأ أيضا.. سياسي سوري معارض: أهداف تركيا شمالي سوريا تتوافق مع أهداف السوريين (مقابلة)