السلطان العثماني مراد الأول.. في الذكرى الـ 633 لاستشهاده (تقرير)
تصادف الأربعاء، الذكرى السنوية الـ 633 لاستشهاد السلطان العثماني مراد الأول، الذي حوّل الدولة العثمانية الفتية من مجرد دولة قوية تسيطر على الأناضول إلى دولة كبيرة تلعب الدور المحوري شرقي أوروبا مع نهاية حكمه.
السلطان مراد بن أورخان بن عثمان بن أرطغرل، ثالث سلاطين الدولة العثمانية، حفيد مؤسس الدولة، ولد عام 1326م، حيث تعد فترة حكمه التي امتدت طوال 31 عاماً إحدى أهم الحقب الزمنية في تاريخ الدولة العثمانية، إذ شهدت تلك الفترة توسعاً كبيراً برقعة الدولة العثمانية، فحين تسلم الحكم كانت الدولة العثمانية لا تتجاوز 95 ألف كم مربع، وخلال عهده تضاعفت رقعة البلاد حوالي خمسة أضعاف لتصل إلى 500 ألف كم مربع.
تسلم السلطان مراد الحكم بعد وفاة أبيه، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره.
في العام التالي لتوليه الحكم قام بفتح “أدرنه” وجعلها عاصمة الدولة بدلا من “بورصا”، وفي العام الذي تلاه قام بفتح “فيليبا” أحد المراكز الحيوية في البلقان، حتى يتسنى له جعْل مدينة القسطنطينية محاطة بالأراضي العثمانية.
وبفتوحات السلطان مراد صارت حدود الدولة العثمانية متاخمة للصرب والبلغار وألبانيا.
قصة استشهاده
كانت التوسعات العثمانية في البلقان مقلقة لأمراء وزعماء أوروبا و منطقة البلقان، الأمر الذي جعل أمير الصرب “لازار” يسعى لتكوين حلفٍ بينه وبين بلاد البوسنة (التي لم تكن مسلمة بعد) وكذلك بعض الإمارات الأخرى المناهضة للنفوذ العثماني في البلقان.
أرسل السلطان مراد الأول قائده العسكري “قولا شاهين باشا” ليقود المعارك العثمانية في بلاد البلقان، فهزم العديد من الإمارات البلقانية، ودخل “قولا شاهين باشا” بلاد البوسنة عام 1388 ومعه 20 ألف جندي عثماني، وعلى حين بغتة هاجم “لازار” وجيوش حلفائه الجيش العثماني في منطقة تدعى بلوشنك، وهزموه هزيمةً كبيرة خسر فيها 15 ألف جندي، واجبروه على التراجع و التخلِّي عن بعض الأراضي التي ضمها في جنوب صربيا.
ومن خلال هذا الانتصار إثبات لازار أن بإمكانه هزيمة العثمانيين، وانضمّ له حلفاء آخرون، فأصبح حلفه يضم إلى جانب البوسنة البلغار والأفلاق (رومانيا) وبولندا والألبان.
ورد على هذه الهزيمة جمع السلطان مراد الأوّل جيشاً ضخماً وتوجّه هو بنفسه إلى بلاد البلقان، وكان عمره آنذاك 64 عاماً، وفي سهل كوسوفو الواسع، التقى الجيش العثماني بقيادة السلطان مراد الأول ومعه ولداه، في حزيران/يونيو 1389 بالحلف البلقاني المسيحي، واستمرّت مدّة 8 ساعات متواصلة.
كانت الكفة في بداية المعركة تميل لصالح الجيش الصربي، لكنّ مقدمة الجيش العثماني استطاعت امتصاص الهجوم، وفي لحظةٍ مواتية هاجم الجيش العثماني فاستطاع تفريق الجيش الصربي وأسر “لازار” ملك الصرب نفسه، وبعض القادة، وقد كان جزاء “لازار” القتل لأنه كان متصالحاً مع العثمانيين قبل أن ينقلب عليهم.
قٌتِل السلطان مراد الأول في الخامس عشر من حزيران/يونيو عام 1389م، وقد قُتِل بطعنة خنجر على يد أحد نبلاء الصرب الذي ادعى أنه يريد اشهار إسلامه خلال تفقد السلطان لساحة المعركة بعد انتصاره الكبير.
دفن جسده في كوسوفو وصُنع له قبرٌ معروف باسم “خُداوندگار” وهو أحد ألقاب السلطان والتي تعني “الحاكم بأمر الله أو بفضل الله”.
ولا يزال قبره موجوداً في كوسوفو حتى الآن، إلا أن جثمانه نقل إلى بورصا، حيث دفن والده وجدّه.
وقد كان انتصار كوسوفو ساحقاً بالنسبة للعثمانيين، فقد تثبّت الحكم العثماني في منطقة البلقان بسببها لمدّة 500 سنة لاحقة. وبوفاته وعمره حوالي 64 عاماً، حكم فيهم قرابة 28 عاماً، كان قد وسّع الدولة العثمانية كثيراً، ووضعها على أولّ الطريق لتصبح إمبراطوريةً ضخمةً مترامية الأطراف.
وأصبحت بعد هذه المعركة “كوسوفو” حاضرة الألبان المسلمين لعدة قرون، وخط الدفاع الأول للدولة العثمانية في أوروبا، ومن ثم أصبحت مركزًا للجيش العثماني الثالث.