أكد عدد من المحللين السياسيين الليبيين أن الدور التركي لم يتراجع في ليبيا، مشددين أن تركيا ما زالت لاعبا أساسيا في هذا الملف “قادرة ضبط المسارات الكبرى في الأزمة الليبية”.
وقبل أيام، أحالت الرئاسة التركية مذكرة إلى رئاسة البرلمان، لتمديد مهام القوات التركية في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافياً.
وشددت المذكرة أن الهدف من إرسال قوات تركية إلى ليبيا “هو حماية المصالح الوطنية في إطار القانون الدولي، واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة ضدّ المخاطر الأمنية التي مصدرها جماعات مسلحة غير شرعية في ليبيا”.
وتعيش ليبيا هذه الفترة حالة من الصراع السياسي، وسط المخاوف من احتمال انزلاق البلاد مجددا إلى توترات أمنية من جديد.
ويرفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب من الشعب لإنهاء كل الفترات الانتقالية.
المحلل السياسي الليبي الباحث نزار كريكش، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “تركيا لا تزال لاعبا قويا في ليبيا لأن سياستها فيما يبدو ليس التدخل المباشر في المسار السياسي وإنما حث الأطراف على إيجاد أرضية مناسبة للذهاب للانتخابات”.
وأضاف كريكش أن “التوازن العسكري الذي تحدثه تركيا هو سر الاستقرار الحالي، والقوة الاستراتيجية التي تصاعدت بعد أحداث أوكرانيا جعلتها أكثر قدرة على ضبط المسارات الكبرى في الأزمة الليبية”.
وأشار إلى أن “ما يحدث في ليبيا عرضة لمحاولات إقليمية خاصة مصر لتصميم نظام سياسي تابع لمصر وهي تعمل لذلك مع أطراف بعينها، لكن مصر تريد القيام بذلك من خلال البرلمان الليبي التابع لمصر على يد رئيسه عقيلة صالح، وبذلك تفرض أمرا واقعا على باقي الأطراف في المنطقة الغربية”.
وتابع كريكش قائلاً “لكن ذلك يحتاج للدخول إلى طرابلس وهنا يصطدم المصريون بالتواجد التركي ولا يريدون مواجهة تركيا”.
ولفت إلى أن “هذا المأزق يحتم على تركيا أن تقود طرفاً ثالثاً يشمل كافة الدول الإقليمية المنخرطة في الشأن الليبي على غرار أستانة في سوريا، وهذا قذ يخفف كثيرا من الجموح المصري ويمنع الحرب بالوكالة غير المباشرة القائمة في ليبيا الآن”.
ومطلع حزيران/يونيو الجاري، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، إنه “لا يمكن الخروج من المأزق السياسي في البلاد إلا عبر دستور واضح وانتخابات رئاسية وبرلمانية”.
وجراء خلافات بين المؤسسات الرسمية الليبية بشأن قانوني الانتخاب، تعذر إجراء انتخابات رئاسية في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، ضمن خطة ترعاها الأمم المتحدة.
ويشير مراقبون إلى أنه “حتى الآن لم يتم الاتفاق على تاريخ جديد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في حين يأمل الليبيون أن تنهي نزاعا عانى منه لسنوات بلدهم الغني بالنفط”.
المحلل السياسي الليبي عبد السلام الراجحي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “المتابع الجيد للشأن الليبي يعرف أن تركيا ومساهمتها في دعم حكومة الوفاق في السابق وحكومة الوحدة الوطنية الحالية، ساهمت إسهاماً كبيراً في إخماد الحروب والصراع العنيف المسلح في ليبيا”، لافتا إلى أن الحروب في ليبيا لم تتوقف إلا بفضل الدور التركي.
وأضاف الراجحي قائلا “أعتقد أن الدور التركي مهم جدا، والأمر الجيد أن تركيا بعثت رسالة للعالم أنها قادرة على أن تساهم في دعم الليبين في الاستقرار وفي بناء مؤسساتهم العسكرية والأمنية والشرطية، وخير دليل أنه منذ أسبوع تقريبا شهدت مدينة أزمير تدريبات عسكرية شارك الجيش الليبي الذي أسهمت تركيا في تدريبه في جزء منها”.
وأكد أن “الدور التركي دور إيجابي ولم يتراجع أبداً، ولكن الإشكال في ليبيا أن الصراع جزء منه سياسي وتركيا لا تريد التدخل في الشأن والصراعات السياسية بل هي فقط تريد مشاركة الليبين في تأمين وحفظ السلم الاجتماعي ودعم المسار الديمقراطي، وهذا الأمر طبيعي لأي حكومة تحترم نفسها بأنها لا تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى حتى لو كانت لها صداقة أو علاقات جيدة، لأن ليبيا تمر الآن بمرحلة صراع سياسي وليس صراعاً مسلحاً”.
وبين الفترة والأخرى، تؤكد تركيا على “ضرورة عدم وقوع ليبيا بالفراغ في السلطة والشرعية، حماية لسلامة الشعب الليبي”، لافتةً إلى أن “تركيا ستتابع دعم الليبيين كافة دون تمييز”.
كما تعتبر تركيا أن “الانتخابات تعتبر منعطفاً مهمًّا في العملية الانتقالية في ليبيا”، مؤكدةً على “ضرورة أن تكون الانتخابات عادلة ومستقلة وأن تحظى بالاعتراف من قبل الأطراف الليبية كافة، وأن تمارس الحكومة التي ستُنتخب صلاحياتها في سائر البلاد”.
وحول الأدور التي تلعبها الأطراف الأخرى (مصر وروسيا على سبيل المثال) بعكس ما تعمل عليه تركيا في ليبيا، أوضح الراجحي قائلاً إن “النظام المصري لا يريد الاستقرار لليبيا إلا أن يكون على رأس السلطة في ليبيا شخصية موالية له بالكامل، وبالتالي لا يدعم إجراء الانتخابات لأنها قد تتسبب بخسارته للمتحالفين مع النظام في مصر”.
وأشار إلى أن “النظام المصري تسبب بجزء كبير من المشاكل في ليبيا بدعمه بعض السياسيين الذين يستهترون بدماء الليبيين”.
ومضى الراجحي قائلا “أمّا في ما يخص الروس، فنعلم جميعا أن شركة فاغنر الروسية (مرتزقة روس) حاضرة في الأراضي الليبية ولديها نفوذ في العديد من القواعد العسكرية، وبالتالي روسيا تمارس تأثيراً سلبياً على الأزمة في ليبيا، من خلال محاولتها إفشال تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة في ليبيا وأيضا إفشال تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة، الأمر الذي يربك المشهد ودور الأمم وبعثتها”.
وختم أن “روسيا ساهمت إسهاماً كبيراً بنوع من الفوضى التي تعيشها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بسبب الفيتو الروسي الذي تلوح به”.
الجدير ذكره، أن المستشارة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز، طالبت قبل أيام، أطراف الأزمة الليبية بـ”إتمام إطار دستوري كامل يقود إلى عملية انتخابية.
وقالت وليامز في بيان، إن “هذه الجولة الأخيرة تأتي في منعطف حرج تشهده ليبيا، بعد مرور سنوات من الانقسام والفوضى والاستقطاب أَرهقَت الليبيين”، مضيفة أنه “ينبغي أن يَنتج عن هذه الجولة إطار دستوري متين يمَكِّن من تنظيم هذه الانتخابات”.