قبل أيام وقت مصر والاحتلال إسرائيلي والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لنقل الغاز الطبيعي من الاحتلال الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر.
وحول هذه الخطوة وأبعادها، أجمع محللون مهتمون بملف الشرق الأوسط أن “المنطقة على موعد مع مرحلة من الصراع والتغيير في خارطة العلاقات الدولية”، لافتين في الوقت ذاته إلى أن “العالم يتجهز لنظام عالمي جديد”.
وذكرت مصر على لسان وزير البترول المصري طارق الملا أن “التوقيع على مذكرة التفاهم يمثل خطوة هامة جداً في مسيرة بناء منتدى غاز شرقي المتوسط، ويمكن البناء عليها في تحقيق المزيد من التعاون المشترك بين الدول الأعضاء في المنتدى والاتحاد الأوروبي”.
وحول توقيت المذكرة، أوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين أن “التوقيع على المذكرة فرصة للجميع في التعاون، خصوصاً أنها جاءت في وقت صعب للاتحاد الأوروبي، الذي يبحث عن تأمين مصادر موثوقة لإمدادات الطاقة في ظل المتغيرات الحالية (الحرب في أوكرانيا)“.
المحلل السياسي والباحث في القانون الدولي في جامعة نانتير في باريس ماجد الخطيب، تحدث لـ”وكالة أنباء تركيا”، حيث شدد أن “مصائب قوم عند قوم فوائد.. وهذا ما يمكن إسقاطه تماما على توقيت اتفاق نقل وتسييل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر البوابة المصرية”.
وأضاف الخطيب أنه “بعد أن كانت أوروبا تتغذى بالطاقة من شريان واحد فقط هو الشريان الروسي، اليوم أوروبا تسعى إلى فَطم نفسها عن ذلك الغاز الروسي واستبداله من مصدر آخر.. ولذلك أعتقد أن الاتفاق الذي وقعته المفوضية الأوروبية مع إسرائيل ومصر هو بمثابة إحدى محاولات أوروبا الناجحة لتحقيق ذلك”.
وتسعى أوروبا لإيجاد بدائل سريعة لإمدادات الطاقة الروسية من النفط والغاز، في إطار خطة للتخلي عن هذه الإمدادات على المديين القصير والمتوسط، حيث تستهدف خفض استخدام الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام، وبشكل كامل بحلول عام 2027.
وتابع الخطيب قائلاً إن “أوروبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا تسعي إلى تخليص نفسها من تبعتيها لروسيا بسبب الغاز، واليوم أصبح الطريق ممهدا أمامها أكثر لكي تضيق الخناق عليها أكثر من خلال توسيع حزمة عقوباتها على روسيا، وإتاحة الفرصة للدول المترددة بفرض العقوبات على قطاع الطاقة أن تعيد النظر في ذلك، وهذا من جهة أوروبا”.
ورحب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت بتوقيع مذكرة التفاهم، حيث قال “في سابقة تاريخية، ستتعاون إسرائيل مع مصر والاتحاد الأوروبي لتوفير الغاز الطبيعي لأوروبا”، حسب تعبيره.
الخطيب زاد قائلاً إن “الاتفاق يعتبر أيضا مهما لإسرائيل لأنه ثمرة جهد إسرائيلي استمر على مدى عشرين عاما سعت خلاله إسرائيل لمد أوروبا بالغاز، وهنا لا بد من التذكير بأن الحقل البحري الإسرائيلي للغاز يقدر بمليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ كم ستنتعش جيوب الخزينة الإسرائيلية من وراء هذا الاتفاق”.
وتابع “أمّا بالنسبة لمصر، فهذا الاتفاق سينعش بكل تأكيد اقتصادها المتعب ويملأ محفظتها التجارية الفارغة بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى إقبال المستثمرين العرب والأجانب على الاستثمار ليس في مجال الطاقة فحسب وإنما في مجالات أخرى، ناهيك عن استفادة مصر سياسيا من هذه الشراكة الأوروبية على صعيد لعب أدوار مستقبلية في مجال حل الأزمات واعتبارها شريك استراتيجي مهم”.
وختم الخطيب قائلا “باختصار توقيت هذا الاتفاق سيمهد لمرحلة من الصراع وتغيير في خارطة العلاقات الدولية على المدى المتوسط”.
وأبرمت مصر والاحتلال الإسرائيلي اتفاقاً عام 2018، يقضي بأن يصدّر الجانب الإسرائيلي 64 مليار متر مكعب سنوياً من حقلي غاز “تمار” و”ليفياثان” في شرق البحر المتوسط إلى مصر، بقيمة 15 مليار دولار، ولمدة عشر سنوات.
من ناحيته، قال مدير عام مركز ديوان الأزهر للعلاقات الدولية في إسطنبول محمد العقيد لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “منطقة الشرق الأوسط تتجهز لأحداث جديدة غالبها يدور حول الاستقطاب الحاد بين قطبي الأرض الغرب والشرق، خاصة في تلك الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وكأن العالم يتجهز لنظام عالمي جديد سيولد بعد صراعات ناعمة وخشنة على مصادر الطاقة التي تتجه كل المؤشرات لنضوبها من دول الغرب تحديداً، خلال بضع عقود أو قلتها وعدم كفايتها للإستهلاك المحلي على أقل تقدير”.
وأضاف أن “الاتفاقات جاءت بأطراف تدل على أسباب وأهداف الاتفاقية، أو جاءت الاتفاقية بين أطراف احتياجهم للطاقة معاً في غاية الأهمية بل الخطورة”.
وأشار إلى أن “الاتحاد الأوربي ومصر وإسرائيل تمثلان دول عمق استراتيجي لأمريكا تحالفاً وصداقة، ومهما تبذل كل من الصين وروسيا من جهود أو تمد من جسور لن تنافس أمريكا في المنطقة”.
وأعرب العقيد عن اعتقاده أن “الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل ستكون أبعد من الطاقة وأضخم من الغاز وأهم من مجرد اتفاقية، بل ستصل لحلف ضد قوى الشرق خاصة أن سبب احتياج الاتحاد الأوربي للغاز والطاقة عموماً يأتي بعد حرب (روسيا ـ أوكرانيا)”.
يشار إلى أن وزارة الطاقة الاحتلال الإسرائيلي كشفت تفاصيل مذكرة التفاهم الموقعة بشأن تصدير الغاز عبر مصر إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتنص على:
- “في السنوات اللاحقة، من المتوقع استخدام الغاز الطبيعي في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الأقل حتى الامتثال لالتزام الاتحاد الأوروبي بشأن الاقتصاد الخالي من الانبعاثات في عام 2050.
- ستعمل الأطراف الموقعة معا لتمكين الإمداد المنتظم للغاز الطبيعي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من مصر وإسرائيل وجهات أخرى، من خلال البنية التحتية الحالية لتسييل الغاز الطبيعي في مصر.
- هذا الالتزام يخضع للحفاظ على أمن الطاقة، والقدرة على إمداد السوق المحلية لدى كل من الأطراف الموقعة، ولن يمنع إسرائيل ومصر من تصدير الغاز الطبيعي إلى جهات أخرى.
- تضمن المذكرة عددا من الخطوات التي ستمكن من تسريع تنفيذها.. من بينها، بند يشجع بموجبه الاتحاد الأوروبي الشركات الأوروبية على المشاركة في إجراءات تنافسية والاستثمار في مشاريع التنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه في إسرائيل ومصر.
- سيتم وضع خطة للاستخدام الأمثل للبنية التحتية، وفحص الحاجة إلى بناء وتطوير مرافق صرف جديدة، وصياغة خارطة طريق لاستكمال وتسريع الحصول على الموافقات المطلوبة لتنفيذ مذكرة التفاهم.
- سيعمل الطرفان على تقليل انبعاثات الميثان، وسيقومان باختبار التقنيات المتقدمة لعمليات التقاط الميثان والتخفيف من حدته، في جميع مراحل سلسلة التوريد”.