
أصبحت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي منذ تأسيسها في العاصمة القطرية الدوحة عام 2015، ذات صيت معروف متميز أنها تتمتع ببصمات مؤثرة في ما يتعلق بإعادة القيمة والأهمية لدور الترجمة، فهي أصبحت سببا رئيسيا بتعزيز النهوض العلمي والمعرفي، خاصة وأنها جائزة عالمية يشرف عليها مجلس أمناء، ولجنة تسيير، ولجان تحكيم مستقلة.
“وكالة أنباء تركيا” التقت الناطقة الإعلامية لجائزة الشيخ حمد للترجمة الدكتورة حنان الفياض، في حوار خاص حول الجائزة وأهدافها وتأثيراتها على تلاقي الحضارات، خاصة مع اعتمادها هذا العام في دورتها الثامنة، اللغة التركية كلغة أساسية، وذلك للمرة الثانية في تاريخ الجائرة.
كما كان خلال اللقاء حديث عن أهمية التبادل الثقافي بين العرب والأتراك، ونظرة الجائرة تجاه الاهتمام الثقافي في تركيا في ما يتعلق باللغة العربية.
1 – ما هي جائزة الشيخ حمد للترجمة؟ وأهميتها بخدمة اللغة العربية والثقافة الإنسانية؟
أُطلقت جائزة الشيخ حم للترجمة والتفاهم الإنساني عام 2015، لتكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع والتعددية والانفتاح.
وتطمح الجائزة إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب.
2 ـ ماهي أبرز وأهم أهداف الجائزة؟
من أهداف الجائزة: تشجيع الأفراد ودور النشر والمؤسسات الثقافية العربية والعالمية على الاهتمام بالترجمة والتعريب والحرص على التميز والإبداع فيهما، والإسهام في رفع مستوى الترجمة والتعريب على أسس الجودة والدقة والقيمة المعرفية والفكرية، وإغناء المكتبة العربية بأعمال مهمة من ثقافات العالم وآدابه وفنونه وعلومه، وإثراء التراث العالمي بإبداعات الثقافة العربية والإسلامية، وتقدير مَن يسهمون في نشر ثقافة السلام وإشاعة التفاهم الدولي، أفراداً ومؤسسات.
تشجّع الجائزة التي تبلغ قيمتها مليونَي دولار، الترجمة من اللغة العربية وإليها بأكثر من لغة، معتمدةً لغةً عالمية كل عام إلى جانب الإنجليزية؛ فاختيرت التركية في العام الأول، والإسبانية في العام الثاني، والفرنسية في العام الثالث، والألمانية للموسم الرابع، والروسية للموسم الخامس، والفارسية للموسم السادس، والصينية للموسم السابع.
لقد اتسعت دائرة الجائزة عام 2017، فأضيفت لها فئة “جائزة الإنجاز“ التي خُصصت للترجمة من وإلى خمس لغات فرعية يتم اختيارها في كل عام. ووقع الاختيار في الموسم الثامن على اللغات: الرومانية، وبهاسا أندونيسيا، والكازاخية، والفيتنامية، والسواحيلية.
3 ـ كيف تساهم الجائزة بتعزيز تلاقي وحوار الحضارات؟
للجائزة التي تهتم بالترجمة في مجالات الإنسانيات والعلوم الاجتماعية لما لها من آثار إيجابية في تحقيق المثاقفة بين الحضارات، دور ملموس في دعم حركة الترجمة في الوطن العربي وحول العالم، ويمكن ملاحظة ذلك تحديداً في المعاهد العلمية والأكاديمية، فضلاً عن الأوساط الثقافية، فهناك إقبال على اقتناء الكتب المترجمة الفائزة واعتمادها في التدريس والبحث العلمي، فضلاً عن الحرص المتزايد من طرف المهتمين على متابعة الجائزة في كل موسم، وارتفاع عدد الراغبين بالمشاركة فيها، وازدياد اهتمام دور النشر بترشيح الأعمال المناسبة لها.
4 ـ ما هي فئات الجائزة؟
تتوزع الجائزة عموماً على ثلاث فئات، الأولى جوائز الترجمة في اللغتين الرئيسيتين (الكتب المفردة)، وتنقسم إلى أربعة فروع: الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية وبالعكس، والترجمة من اللغة العربية إلى إحدى اللغات الأجنبية وبالعكس. وخُصص لهذه الفئة 800 ألف دولار، توزَّع بواقع 200 ألف دولار لكل فرع؛ 100 ألف دولار للمركز الأول، و60 ألف دولار للمركز الثاني، و40 ألف دولار للمركز الثالث.
والفئة الثانية هي جائزة الإنجاز في اللغتين الرئيستين، وتبلغ قيمتها 200 ألف دولار.
بينما خُصص مليون دولار للفئة الثالثة التي تشمل جوائز الإنجاز في اللغات الفرعية المختارة، وتُمنح لمجموعة أعمال مترجمة من لغات مختارة إلى اللغة العربية ومن العربية إلى تلك اللغات.
5 ـ لماذا تم إطلاق الموسم الثامن للجائزة في زنجبار؟
لقد ارتأينا إطلاق الموسم الثامن للجائزة بندوة وفعاليات متنوعة في زنجبار بمناسبة اختيار اللغة السواحيلية ضمن لغات “فئة الإنجاز“ لهذا العام. إذ عُقدت مجموعة ندوات علمية ولقاءات إعلامية للتعريف بفئات الجائزة وفروعها وغاياتها.
إن مشروع الندوات العلمية الذي نعدّه بالتعاون مع جهات أكاديمية ومعاهد وجامعات وأفراد في دول اللغات المدرجة في كل موسم، يهدف إلى مناقشة واقع وآفاق الترجمة بين اللغة العربية وكل من تلك اللغات، وحفز المشتغلين بالترجمة لإنجاز مشاريع نوعية تؤهلهم لخوض المنافسة وصولاً إلى نيل الجائزة.
6 ـ أهم ما يميّز الدورة الثامنة للجائزة؟
تتضمن الدورة الثامنة للجائزة (عام 2022) ثلاث فئات؛ الفئة الأولى تشمل جوائز الترجمة في الكتب المفردة، وتنقسم إلى أربعة فروع: الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، والترجمة من الإنجليزية إلى العربية، والترجمة من العربية إلى التركية، والترجمة من التركية إلى العربية. والفئة الثانية تشمل جوائز الإنجاز في اللغتين الرئيستين (الإنجليزية والتركية). والفئة الثالثة تشمل جوائز الإنجاز في اللغات الفرعية المختارة، وهي: بهاسا إندونيسيا، والكازخية، والرومانية، والسواحيلية، والفيتنامية.
كما أدرجنا في الموسم الثامن اللغةَ التركية لغةً رئيسة ثانية إلى جانب الإنجليزية، رغم أن التركية أُدرجت في الموسم الأول للجائزة عام 2015، وذلك لثراء الثقافة التركية ولغنى المحتوى الفكري والمعرفي فيها.
7 ـ لماذا تم اختيار اللغة التركية كلغة رئيسية في الجائزة لهذا العام؟
إن اختيارنا مجدداً اللغةَ التركية كلغة ثانية جاء نظرًا لأهميتها في تحقيق التقارب الثقافي العربي التركي، وبالتالي زيادة المنجز المعرفي المترجَم بين اللغتين.
8 ـ لماذا الاهتمام بالترجمة ما هي أهمية الترجمة بين الشعوب؟
للترجمة دور كبير في التأثير الثقافي المتبادل بين الحضارات والأمم والشعوب مختلفة اللغات، وهي وحدها القادرة على نقل التجليات الحضارية في أي أمة وإشاعتها على المستوى الإنساني، وهي بالطبع لا تعني النقل قدر ما تعني الكشف عن ثراء الحضارة المنقول عنها وإثراء الحضارة المنقول إليها.
فلولا حركة الترجمة التي شهدها العالم الإسلامي، منذ العصر العباسي تحديداً، لما عرفنا شيئاً عن معارف الأمم الأخرى في ذلك الزمن أو قبله، ولما تعرفنا على العلوم والفنون والآداب فيها.
والأمر نفسه حين بدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، فعرف العالم من خلالها أعمال المسلمين وإبداعاتهم العلمية والفكرية التي أصبحت مصدراً لعصر التنوير الأوروبي وللاختراعات العلمية.
9 ـ ما هي فوائد الترجمة المتبادلة بين الأدبين التركي والعربي؟
مما لا شك فيه أن ترجمة الأدب العربي إلى اللغة التركية ساهمت إلى حد كبير في تغيير الصورة النمطية عن العرب، بل إننا نلحظ وجود تقارب أدبي بين الثقافتين العربية والتركية في الوقت الراهن بفعل حركة الترجمة المتبادلة لأعمال معاصرة أو من التراث الأدبي للأمتين.
وأتوقف هنا عند تجربة المترجم التركي محمد حقي كمثال، وكنا قد استضفناه في ورشة عقدتها الجائزة مؤخراً ضمن موسمها الثامن، إذ ترجم حقي مجموعة من الأعمال الأدبية العربية إلى التركية، من أهمها المعلقات السبع، و“طوق الحمامة“، وعدداً من روايات نجيب محفوظ، وكتب جبران خليل جبران، ومجموعات أدونيس ومحمود درويش الشعرية.
وإذا كان هناك مَن ما يزال يعتمد على “الوسيط اللغوي“ في الترجمة، فالأمل كبير أن تزداد وتيرة الترجمات المباشرة من العربية إلى التركية، أو العكس، فالترجمة المباشرة تتيح للمترجم التفاعل مع النص في سياقه، هذا إذا كان ملمّاً باللغة المنقول عنها، قادراً على التعامل مع المصطلحات والتعابير وتحولات المعنى والدلالة، عارفاً بحضارة الأمة التي يترجم عنها وبثقافتها.
وإذا كانت الترجمة من التركية إلى العريية بدأت مع الكتب الدينية إلى حد كبير قبل سواها، فإننا نشهد في العقود الأربعة الأخيرة وتيرة متسارعة لترجمة الأعمال الأدبية لعدد من المبدعين الأتراك الذين برزوا خلال القرن الأخير، على اختلاف مدارسهم الأدبية وأساليبهم، على شاكلة عزيز نسين، وأورهان باموق، وناظم حكمت، وأليف شافاق.
10 ـ كيف تقيمون الاهتمام الثقافي في تركيا في ما يتعلق باللغة العربية؟
هناك اهتمام متزايد بالثقافة العربية في تركيا خلال الأعوام الأخيرة، ويرتبط هذا في جزء كبير منه بالانفتاح الناتج عن ازدياد أعداد الجاليات العربية في تركيا، إضافة إلى الوعي المتزايد في الأوساط الأكاديمية والثقافية بأهمية تعميق المعرفة بالآخر؛ بخاصة أن هناك تاريخاً مشتركاً بين تركيا والمنطقة العربية، فضلاً عن أثر الجيرة وعامل الجغرافيا.
وكما هو واضح؛ فإن إقبال الطلبة الأتراك على دراسة اللغة العربية في الأعوام الأخيرة يسير بوتيرة متسارعة، ناهيك عن اختيار تركيا مقصداً سياحياً لكثير من العرب في الآونة الأخيرة.
ولا يكاد يمر شهر في السنة إلّا ونسمع فيه عن تظاهرة ثقافية أو فكرية في تركيا بحضور عربي ومشاركة عربية أو تحتفي بالثقافة العربية؛ معارض كتب، ومهرجانات، ومؤتمرات، وندوات، وملتقيات ومشاريع أكاديمية مشتركة، بل إن هناك مراكز وصروحاً ثقافية وفكرية وإعلامية وفنية عربية تم تأسيسها في تركيا مؤخراً، في الوقت الذي ينشط فيه المركز الثقافي التركي (يونس أمرة) في عدد من الدول العربية، من بينها دولة قطر، للتقريب بين الشعوب والثقافات وتعزيز التفاهم الإنساني.
هذا المناخ مشجّع لحركة النقل والترجمة بين اللغتين؛ فكيف سيكون الأمر مع اختيار جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الإنساني، التركيةَ لغةً رئيسية ثانيةً، للمرة الثانية خلال مسيرة الجائزة، وبقيمة 400 ألف دولار تتوزع على فرعيَن: الترجمة من العربية إلى التركية، والترجمة من التركية إلى لعربية؛ 100 ألف دولار للمركز الأول، و60 ألف دولار للمركز الثاني، و40 ألف دولار للمركز الثالث.
11 ـ على أي أساس يتم اختيار اللغات ضمن الجائزة وكيف تتم عملية التحكيم؟
للجائزة مجلس أمناء يتم اختيار أعضائه من جنسيات متعددة لمدّة سنتين قابلة للتجديد، ويقوم بتقديم النصح والمشورة، والإسهام في اختيار اللغات الأجنبية المخصصة للجائزة كل عام، والمشاركة في تقويم الأداء الإداري والعلمي للجائزة.
إدارة شؤون الجائزة تتولاها لجنة تسيير تشرف على أعمال الجائزة وضمان شفافيتها، والفصل بين عمليات الإدارة وبين اختيار الأعمال المرشحة وتحكيمها ومنحها الجوائز. ولا يحق لأي من أعضاء مجلس الأمناء أو لجان التحكيم أو لجنة التسيير الترشُّح للجائزة.
يُسنَد تحكيم الأعمال المرشحة إلى لجان تحكيم دولية مستقلة، تضم أعضاء ذوي مكانة علمية رصينة ويتسمون بالموضوعية والحيادية، يتم اختيارهم من قِبل لجنة تسيير الجائزة بالتشاور مع مجلس الأمناء، ويمكن زيادة أو إنقاص عدد أعضاء كل لجنة بحسب الحاجة في كل موسم، كما يمكن الاستعانة بمحكمين ذوي اختصاصات محددة لتقييم الأعمال في مجالات اختصاصاتهم.