أكد عدد من المهتمين بالشأن التركي من محللين وأبناء جاليات عربية أن “ما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ليس كما قبله”، لافتين إلى أبرز ثمرات إجهاض هذه المحاولة على يد الشعب التركي ومن خلفه الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته، وخاصة أن تركيا اليوم باتت أكثرة قوة في ما يتعلق بقدرتها على إجهاض مشاريع أعدائها.
ومع بداية تموز/يوليو الجاري، بدأ الشعب التركي بمختلف أطيافه وتوجهاته، التحضيرات لإحياء الذكرى السنوية السادسة للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا مساء 15 تموز/يوليو 2016، ويوم “الديمقراطية والوحدة الوطنية”.
وتشهد كافة ولايات تركيا الـ 81، أنشطة وفعاليات يشارك فيها ممثلو كافة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حيث تمتد الفعاليات في هذا اليوم للبعثات والممثليات التركية في الخارج.
وتمتزج في هذا اليوم مشاعر الفرح بالحزن والفخر، إذ تستذكر أيضا الأسر التركية شهداءها الذين ارتقوا دفاعا عن وطنهم.
وذكرى “الديمقراطية والوحدة الوطنية”، هو اليوم الذي تلاحم فيه الشعب التركي صفا واحدا، وتمكن من إفشال محاولة الانقلاب التي قام بها تنظيم “غولن” الإرهابي مساء 15 تموز/يوليو 2016.
وشهدت العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف تموز/يوليو 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لتنظيم “غولن” الإرهابي، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم الولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة نحو مقرّي البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، ومطار “أتاتورك” الدولي بإسطنبول، ومديريات الأمن بعدد من الولايات.
وأجبر الموقف الشعبي آليات عسكرية تتبع للانقلابيين كانت تنتشر حول تلك المقرات على الانسحاب، ما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي الذي أوقع نحو 251 شهيدًا وإصابة ألفين و 196 آخرين.
المحلل السياسي أحمد حسان قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “أهم ثمرات الإنضاج كانت استعادة الشعب التركي مؤسساته الوطنية العسكرية والأمنية، التي كانت مخترقة من عدة محاور دولية وأدواتهم التركية، ولذلك يعتبر إجهاض الانقلاب ضربة إلى هذه المحاور التي فقدت نفوذها داخل جسم الدولة التركية وهذا أول توجه لاستقلال تركي كامل بعيدا عن التدخلات الدولية”.
وأضاف أن “محاولة الانقلاب تم الرد عليها بانقلاب شعبي على أدوات التدخل الدولي في تركيا عبر العسكر، حيث استعاد الشعب التركي سيطرته على أهم مؤسسة تركية وهي العسكر وباتت حاليا تمثل الشعب التركي وليس دول المحاور”.
وتابع حسان أنه “على صعيد حزب العدالة يعتبر إجهاض الانقلاب فرصة لتنفيذ المرحلة الثانية من الاستقلال بعد المرحلة الأولى، التي ركزت على بناء سياسة خارجية تركية قوية والمرحلة الجديدة هو بناء مؤسسات داخلية قوية ويتم العمل هلى ذلك منذ إجهاض الانقلاب”.
من جانبه، قال رئيس منتدى الجالية الجزائرية في تركيا حذيفة جباري لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “ذكريات الانقلاب الفاشل مازالت حتى اليوم، وللأسف آثاره أيضا.. نعم لقد نجح الشعب التركي والحكومة التركية بإفشال الانقلاب لكن ضربته كانت قوية ومازالت محاولات إسقاط تركيا متواصلة”.
وزاد جباري قائلاً إنه “بعد مرور 6 أعوام على الانقلاب الفاشل، الذي فشل بإخضاع الدولة التركية يبدو أن مدبريه بدؤوا استعمال طرق أخرى لتفتيت الشعب التركي، وذلك باللعب على حبل الاقتصاد والتمييز العرقي بالتحريض على الأجانب عموما، وكل ما له علاقة باللغة العربية والإسلام خصوصا”.
وتابع “لكن نحن على ثقة أن الشعب التركي المسلم مثلما وقف مساء 15 تموز/يوليو 2016 وقفة رجل واحد، سيقف إن اقتضى الأمر مرة أخرى ليدهش العالم ويدهش الخونة بأنه ينتمي للإسلام ويحب الخير وينبذ الفرقة والعنصرية”.
وأشار إلى أن من أهم العوامل التي ساهمت في إجهاض الانقلاب هي “وجود الثقة بين الشعب والحكومة، ومستوى التعليم والوعي لدى الشعب التركي، وتجربته السابقة مع الانقلابات، في رأيي هذه أهم ثلاثة عوامل لعبت دورا مهما في إفشال الانقلاب”.
وختم جباري قائلا إن “الجاليات العربية كان تضامنها مهيبا ومحترما، حيث افترش الآلاف من أبناء الجاليات العربية الطرق والساحات، في الأيام التي كانت تستمر فيها الوفود التركية بالتجمع لحماية مؤسسات الدولة خاصة في إسطنبول وأنقرة، والمدن التي تعرف أعدادا كبيرة للجاليات العربية، أيضا الجاليات العربية قدمت شهيدا، الشاب المغربي الذي استشهد برصاص الانقلابيين”.
وعقب تلك المحاولة، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء الجيش التركي الذي كان أكثر القطاعات المتضررة من محاولة الانقلاب، وشمل ذلك حملة تطهير طالت الآلاف في صفوف القوات البرية والبحرية والجوية، من الموالين لتنظيم “فتح الله غولن” الضالعة بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.
من ناحيته، قال المحلل السياسي مهند حافظ أوغلو لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “على الرغم من مرارة الذكرى والتي شهدنا في ليلتها تلك إرهابا خاصا حاول من خلاله أولئك الذين خططوا له ونفذوه، أن يزرعوا الخوف في قلوب وذاكرة الشعب التركي، وأن يأخذوا البلاد لا أقول للماضي بل للمجهول لأن التخطيط كان متعدد الجهات، والذي سيدفع أثمانا ليست فقط دماءً طاهرة بل مستقبلا خُطط و بُني له لسنوات طويلة”.
وتابع “ولكن بدلا من أن يزرعوا الخوف زرع الشعب بكل توجهاته وأطيافه بذور الشجاعة وسرعان ما نمت وأورقت وتفيأت أجيال تحت شجرات العزة ومقاومة الكيد بتركيا، ولم يبق لا رضيع ولا طفل ولا امرأة ولا رجل ولا صحيح ولا عاجز، إلا وسطّر كلٌ بموقفه وموقعه سطّر ما لا يستطيع القلم ان يعطيه حقه شعب عظيم وواعٍ بما يحاك له”.
وقال حافظ أوغلو أيضا “كم وكم كان جلياً تلك النخوة العربية التي وقفت إلى جانب المواطن التركي، وقفت إلى جانب الحق والعدل والمستقبل، ولا عجب فهذا دأب العرب عبر التاريخ مع الدولة التركية التي يشعرون وكانها دولتهم رغم اختلاف اللغة، ولكن جمعتهم معها الثقافة والماضي الجميل والتطلع لمستقبل واعد”.
وختم قائلا “رسالتي مهما حاولوا النيل وإضعاف تركيا فلن يفلحوا، لأن الشعوب قد تمرض في فترة ما، لكنها أبداً أبداً أبداً لا تموت”.
الجدير ذكره أنه وبعد أسابيع من محاولة الانقلاب الفاشلة، نشرت الجريدة الرسمية التركية قرارا يقضي بإعادة هيكلة “مجلس الشورى العسكري الأعلى”، وهو المجلس الذي يمتلك صلاحيات واسعة فيما يتعلق بإقرار الترقيات العليا في الجيش وإحالة الرتب العليا للتقاعد أو التمديد لها.