
ما الذي تغير في تركيا بعد مرور 6 أعوام على محاولة الانقلاب الفاشلة، التي أفشلها الشعب التركي في 15 تموز/يوليو 2016 ومن خلفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته؟
“وكالة أنباء تركيا” التقت الطبيب والباحث في الشؤون التركية وأوراسيا مختار فاتح بي ديلي، والذي تحدث عن هذه الذكرى وتأثيرها على تركيا بعد تلك الليلة المشؤومة، وأجاب على أبرز الأسئلة وعلى رأسها “ما الذي تغير في تركيا بعد مرور 6 أعوام على محاولة الانقلاب الفاشلة؟”.
وقال ديلي “في هذه الذكرى الأليمة والتي يختلط فيها الألم بالأمل، يتذكر الشارع التركي الشهداء الأبرار بالرحمة ويدعون لهم بالمغفرة من سبحانه وتعالى، وفي هذه التجربة الصعبة، نجحت تركيا في إخماد حربا أهلية مدمرة تشابه ما يحدث في بعض بلدان الجوار التركي، ولكن وبعد مرور هذه السنوات الست، لا زالت تركيا تحاول تضميد الجراح التي عانتها بسبب تلك الانقلاب الفاشل والتجربة المريرة التي عاشتها المجتمع التركي، ولازال الشعب والحكومة تحاول التعافي من آثار تلك الحادثة، في الحياة العامة من القضاء والتعليم والجيش، وغيرها من القطاعات الدولة”.
وأضاف “في السنوات العشر الأخيرة وصلت إلى مستوى رفيع على مستوى العالم من الناحية الاقتصادية والعسكرية والسياسية، لذلك أصبحت تركيا هدفًا للاعتداءات المتزايدة خلال السنوات الأخيرة، حيث أن الجهات المعادية لتركيا يسعون بكل قوتهم لإجبار تركيا على التركيع والتراجع عن أهدافها وأحلامها الاقتصادية والعسكرية وبحثها عن الحق والعدل، والهدف هو إعادة تركيا إلى وضع الذل مجددًا كما كانت في الثمانينات من القرن الماضي”.
وأشار ديلي إلى أن “تركيا دولة كبيرة ومهمة في المنطقة ولا يمكن حصر محورها في منطقة جغرافية واحدة، وقد وضعت تركيا خطة عمل من مشاريع تم إنجاز القسم الأكبر منها على سبيل المثال مشافي كبيرة في المدن وكذلك إنشاء الطرق والجسور، حيث تم تدشين 146 جسرا، و23 نفقا، في عموم البلاد خلال عام 2021 فقط، واستخراج الثروات الباطنية من الغاز الطبيعي في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط بعد الانقلاب الفاشل للوصول إلى أهداف 2023”.
وعن أهم الإنجازات التي حققتها تركيا خلال السنوات الست الماضية، أوضح الدكتور ديلي قائلاً:
- أنشأت تركيا خامس فرقاطة بحرية ضمن إطار مشروع (السفينة الوطنية/ ميلغم)، تحمل اسم (فرقاطة إسطنبول تي جي غي)، حيث تعتبر تركيا ضمن 10 دول تصمم وتبني سفنها الحربية بنفسها، حيث بدأت تركيا بإنتاج أول سفينة حربية مسيرة محلية (أولاق).
- الصادرات التركية إلى الخارج حطمت أرقاما قياسية خلال العام الماضي بتجاوزها 203 مليارات دولار، وخلال فترة جائحة (كورونا) بدأت تركيا إنتاج لقاح (توركوفاك) المضاد لفيروس (كورونا)، لتصبح بذلك واحدة من 9 دول تنتج لقاحات للفيروس.
- افتتحت الحكومة التركية العام الماضي (مركز أتاتورك الثقافي) في إسطنبول الذي يعد من أبرز معالم تركيا الحديثة.
- افتتاح (البيت التركي) في مدينة نيويورك الأمريكية وهو مشروع يعكس عظمة تركيا وقوتها المتنامية.
- وضع حجر الأساس لبناء المفاعل الثالث في محطة (أق قويو) للطاقة النووية في ولاية مرسين جنوبي البلاد.
- نجاح أول اختبار التدفق في حقل صقاريا للغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود، وتسجيل رقم قياسي في إنتاج طاقة الرياح، وارتفاع حجم الغاز الطبيعي الذي اكتشفته تركيا في البحر الأسود إلى 540 مليار متر مكعب.
- ضمت تركيا سفينتها الرابعة إلى أسطول التنقيب، بعد كل من سفن الفاتح، ويافوز، والقانوني
- أطلقت تركيا قمريها الصناعيين توركسات 5A، وتوركسات 5B، بواسطة صاروخ فالكون 9 لشركة سبيس إكس.
- افتتاح برج تشامليجا للبث الإذاعي والتلفزيوني، ما ساهم في تخليص المدينة من التلوث البصري الناجم عن تعدد أبراج البث الإذاعي.
- افتتاح مطار إسطنبول الدولي الذي تم بناؤه حديثًا، والذي يعد أحد أكبر المطارات في العالم بسعة 50 مليون راكب.
- وضعت الحكومة وثيقة استراتيجية الإصلاح القضائي، حيث وضعت تركيا خريطة طريق في مسيرتها التنموية على كافة الأصعدة بخطوات ثابتة بما يتماشى مع دولة ديمقراطية تحترم سيادة القانون.
- تم إنشاء المصنع الأول للسيارة التركية المحلية التي حولت حلم الشعب التركي منذ 60 عامًا إلى حقيقة التي ستطرح في الأسواق أواخر عام 2022 .
وزاد ديلي قائلاً إن “فشل الانقلاب ساهم مع عوامل أخرى بتغيرات كبيرة ومهمة في تركيا وعلى كافة الأصعدة، مثل الانتقال للنظام الرئاسي بدلا من النظام البرلماني التي كانت سائدة قبل الانقلاب، وتحوّلُ السياسة الخارجية التركية من الاعتماد بشكل شبه حصري على القوة الناعمة إلى التبني المتزايد للقوة الصلبة، وتدخلها في الأزمات الإقليمية بشكل مباشر، حيث نفذت القوات المسلحة التركية عمليات عسكرية خارج حدودها من أجل القضاء على الإرهاب منها (عملية نبع السلام، في 9 تشرين الأول، لمكافحة الإرهاب وحماية أمن تركيا، كما نفذ الجيش التركي (عملية درع الفرات) في منطقة جرابلس والباب في أغسطس 2016، و(عملية غصن الزيتون) في منطقة عفرين في كانون الثاني عام 2018، وكذلك القواعد العسكرية التركية خارج الحدود في كل من العراق والصومال وقطر وأذربيجان وليبيا”.
ولفت إلى أن الأهم هو “النمو المتسارع لقطاع الصناعات العسكرية التركية في السنوات الأخيرة، في صناعة الطائرات بدون طيار التي باتت العمود الفقري للأسلحة التركية المستخدمة في العمليات الخارجية، ونقلت تركيا إلى مصاف الدول المصدرة للسلاح لا سيما الطائرات بدون طيار بيراقدار واقنجي وغيرها، وهكذا تم تطهير مساحة قدرها 4 آلاف كيلومتر مربع من عناصر (داعش وPKK وPYD، وتم تآمين عودة 370 ألف لاجئ سوري إلى المناطق الآمنه في ديارهم في الداخل السوري”.
وذكر أنه “عبر عملية (نبع السلام)، تم تطهير منطقة تبلغ مساحتها حوالي 4300 كيلومتر مربع بين رأس العين وتل أبيض من الإرهابيين، وتم توقيع مذكرة التفاهم بشأن التعاون الأمني والعسكري ومذكرة التفاهم بشأن تعيين حدود المناطق البحرية مع ليبيا نهاية شهر تشرين الثاني، الأمر الذي حقق مكاسب ذات أهمية استراتيجية كبيرة لتركيا.“.
وأكد الدكتور ديلي أن:
- تركيا ماضية خطوة بخطوة بتنفيذ مشروع قناة إسطنبول الكبرى والذي سيساهم مساهمة كبيرة في تطوير تركيا من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية.
- تركيا تواجه على مدار السنوات الست الماضية محاولات ومخططات لمحاصرتها من كافة الجوانب بدءًا من الإرهاب ووصولًا إلى الاقتصاد.
- مع ذلك تمكنت الحكومة في صد هذه الهجمات التي لها أبعاد عديدة تتراوح بين السلامة الإقليمية والوحدة الوطنية، من اقتصاد إلى سلامة أمنية للبلد.
- مع كل ذلك لم يستسلم ولم يرضخ الحكومة والشعب لمخططات إثارة الشوارع أو الهجمات الدموية التي تشنها المنظمات الإرهابية، أو لمحاولات الانقلاب الغاشمة التي ارتكبها الخونة في داخل البلد، التي استهدفت وتستهدف اقتصاد وأمن تركيا من دون توقف.
- للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، نجح الشعب التركي في الوقوف بوجه دبابات العسكر.
- شهدت تركيا في العقود الماضية 4 انقلابات عسكرية ناجحة، ولكن أردوغان نجح في منع نجاح انقلاب خامس إذ يختلف انقلاب 2016 عن سابقيه الأربعة من حيث الجهة التي نفذته وهي الكيان الموازي أو جماعة (غولن الإرهابي) وليس قيادة المؤسسة العسكرية، ودمويته ليلة تنفيذه؛ إذ ذهب ضحيته في تلك الليلة أكثر من 250 مواطنا تركيا، وتحول الرئيس رجب طيب أردوغان من رئيس كاد يفقد السيطرة على بلاده الى زعيم وطني لا يقهر رغم كل الضغوطات التي تمارس ضده داخليا وخارجيا.
- في النهاية، لقد أحدثت المحاولة الإنقلابية هزة في المجتمع التركي نتيجة حملة الاعتقالات والإقالات، حيث اعتقل وفصل من وظائفهم عشرات الآلاف من الأتراك المتهمون بالانضمام إلى جماعة (غولن الإرهابية).
- في ذات الوقت تلاشت آمال تركيا في الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي التي كانت تسعى في الانضمام اليها.
- أصبحت تركيا أكثر انقساما من الناحية السياسية من ذي قبل بسبب المعارضة الداخلية ذات أجندات خارجية.
- تُعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016 محطة وعلامة فارقة في تاريخ تركيا الحديثة بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان، وانعطافة مهمة ساهمت في الدفع تركيا نحو متغيرات مهمة في سياساتها الداخلية والخارجية، بغض النظر عن كيفية تقييمها سلبا او إيجابا.
وشهدت العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف تموز/يوليو 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لتنظيم “غولن” الإرهابي، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم الولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة نحو مقرّي البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، ومطار “أتاتورك” الدولي بإسطنبول، ومديريات الأمن بعدد من الولايات.
وأجبر الموقف الشعبي آليات عسكرية تتبع للانقلابيين كانت تنتشر حول تلك المقرات على الانسحاب، ما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي الذي أوقع نحو 251 شهيدًا وإصابة ألفين و 196 آخرين.