تقاريرهام

من بوابة إنقاذ الغذاء العالمي.. تركيا تكرس نفسها كلاعب إقليمي دولي هام (تقرير)

من جديد تتدخل تركيا على خط حل قضية حساسة وملف دولي على درجة عالية من الأهمية، ما يؤكد حجم وأهمية الثقل والوزن التركيين في كثير من القضايا العالقة عربياً وإقليمياً ودولياً، خاصة لناحية إنقاذ العالم من أزمته الغذائية التي بدأ يعاني منها نتيجة عدم تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية إلى الدول المستوردة.

وكان توقيع “وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية”، برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحضور أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بين أنقرة وموسكو وكييف، دليل واضح على أهمية الدور التركي وبخاصة في الأزمة “الروسية الأوكرانية” المشتعلة منذ عدة أشهر.

وتم الاتفاق على كافة الأمور المتعلقة بشحن الحبوب الأوكرانية من إبحار السفن ومسيرها حتى وصولها إلى الموانئ.

وأعرب أردوغان، عن سعادته لمساهمة تركيا في اتفاقية شحن الحبوب الأوكراني التي أزاحت أزمة الجوع التي هددت مليارات البشر.

وقال أردوغان “نعيش فرحة إطلاق مبادرة من شأنها أن تلعب دورا رئيسيا في حل أزمة غذاء شغلت العالم بأسره لفترة طويلة”.

وأشار مراقبون إلى أن الدبلوماسية التركية نجحت مجدداً في حلحلة ملفات عالقة، وأثبتت نفسها مجددا بقضايا دولية حساسة.

وأغلقت موانئ أوكرانيا على البحر الأسود منذ بدء الحرب في 24 شباط/فبراير الماضي، حيث يتم تخزين أكثر من 20 مليون طن من الحبوب في الصوامع.

وحول ذلك قال المحلل السياسي محمود علوش لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “النهج المهم الذي تتبناه تركيا كقناة تواصل بين روسيا وأوكرانيا ودبلوماسية القادى التي يقودها أردوغان ساعدتا أنقرة على لعب دور محوري في التوصل إلى هذه الصفقة، ولقد استطاعت تكريس نفسها كوسيط موثوق بالنسبة لكل من موسكو وكييف”.

وأضاف علوش أنه “في حين أن الجهود التي قادتها تركيا في السابق تركّزت على إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع، فإن جهودها الأخيرة في إبرام صفقة من شأنها أن تُساعد في تخفيف تداعيات الصراع على الاقتصاد العالمي ككل، يمنح دبلوماسيتها النشطة أهمية على المستوى العالمي”.

وتابع “بقدر ما أن هذا النهج يُشكل مصلحة لتركيا للحد من تداعيات الصراع عليها، فإنه يُشكل كذلك مصلحة لمختلف الأطراف بمن فيها روسيا والغرب”.

وأشار إلى أن “الدور التركي في الصراع الروسي الأوكراني يكتسب أهمية كبيرة للسياسة الخارجية التركية، حيث يجعلها أكثر فعالية في القضايا الإقليمية والدولية ويُساعدعا على تكريس نفسها كقوة استقرار إقليمي وعالمي”.

وختم علوش قائلا إنه “في ظل الاضطرابات الجيوسياسية العالمية الواسعة والاستقطاب الدولي الواسع، تسعى تركيا لتقديم نموذج مختلف يجمع ما بين المساهمات بشكل أكبر في السياسات الإقليمية والدولية والدفع باتجاه الاستقرار العالمي”.

وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن شكره لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، على المساهمات المقدمة في التوصل إلى اتفاق تصدير الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية.

كما أعرب أندريه سيبيها، نائب مدير مكتب الرئيس الأوكراني، عن تقديره لموقف الأمم المتحدة وتركيا الفاعل في تسوية قضية الحبوب العالقة في موانئ بلاده.

من جهته، تحدث المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو لـ”وكالة أنباء تركيا”، حيث شدد قائلا إنه “لا شك أن الدور التركي مهم جدا ولولاه لما وصل الطرفان إلى هذا الاتفاق، ما يدل على أنه إنجاز جديد وقوة دبلوماسية تحسب لتركيا في أزمة دولية تطال نيرانها ليس فقط أوكرانيا وروسيا بل دول العالم كلها وهذا ما يؤثر على دول المنطقة بشكل مباشر، وهنا يأتي الدور التركطي الإقليمي كونها طرف موثوق به من قبل روسيا وأوكرانيا على حد سواء”.

وزاد حافظ أوغلو بالقول “تأتي تركيا لتحل أزمة دولية هي أزمة الحبوب لكنّها كانت حريصة وحذرة من أن يتم خرق هذا الاتفاق، ومن أجل ذلك أرادت أن يتم الاتفاق بحضور الأمم المتحدة، لأن الثقة غائبة ما بين أوكرانيا وروسيا”.

وأشاد صحفيون وأكاديميون عرب، برعاية تركيا تسهيل التوصل إلى اتفاق تصدير الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية، مشددين على أنه لا غنى للعالم عن تركيا.

في حين اعتبر مراقبون أن “ريادة إسطنبول وأهميتها في أزمة الحبوب لا ترتبط فقط بموقعها الاستراتيجي، كما أنه ليس نتيجة لنجاح العلاقات الخارجية الدولية لحكومة حزب العدالة والتنمية، بل إن حاجة العالم الملحّة إلى هذه الحبوب هي التي دفعت بإسطنبول إلى الواجهة”.

وقال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “المجتمع الدولي يسعى بشكل عام من أجل تأمين خطوط الغذاء، إضافة إلى تداعيات الحرب الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمية، ومن هنا فإن تركيا تلعب دورا مهماً وكبيراً بخصوص ضمان إيصال الحبوب من أوكرانيا إلى المجتمع الدولي والدول المستفيدة منها، لذلك أعتقد أن الدور التركي سينشط في الأيام القادمة بشكل كبير جداً نظرا لموقعها الديموغرافي والجعرافي بنفس التوقيت”.

وتابع النعيمي أن “غالبية المجتمع الدولي بات يدرك تماماً بأهمية دور وحجم تركيا اليوم ضمن خارطة القوى، وعلينا أن ندرك بأن تركيا أصبحت دولة مركزية مهمة في إدارة مجموعة من نقاط الصراع في العالم بأجمعه”.

وأعربت بريطانيا وعلى لسان مندوبتها لدى الأمم المتحدة السفيرة بارارا وودوارد، في تغريدة على حسابها في “تويتر”، عن شكرها لتركيا والأمم المتحدة على جهودهما بشأن اتفاق تصدير الحبوب الموقع الجمعة بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركية.

وقالت وودوارد “بعد أسابيع من الدبلوماسية المكثفة، نشكر تركيا والأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) على جهود الوساطة التي أسفرت عن توقيع الاتفاق”.

وأضافت أن “إخراج الحبوب بأمان من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود بعد أشهر من الحصار الروسي، سيكون خطوة إيجابية لتحقيق الأمن الغذائي العالمي”.

وتوالت ردود الفعل الأوروبية حول الاتفاق، إذ رحب منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بالجهود التي تبذلها تركيا والأمم المتحدة والتي أدت إلى اتفاق بين موسكو وكييف على إزالة العقبات أمام شحنات الحبوب الأوكرانية.

وكتب بوريل على حسابه في “تويتر”، إن “اتفاقية إسطنبول اليوم هي خطوة في الاتجاه الصحيح” لحل المشاكل الناجمة عن الحرب الروسية غير القانونية ضد أوكرانيا والتي تركت الملايين عرضة لخطر الجوع”.

ويرى مراقبون أن خطوة الاتفاقية التي رعتها تركيا “يمكن أن تساهم في التخفيف من خطر الجوع الذي يواجه الملايين في أنحاء العالم بعدما أدت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء حول العالم ما يهدد دولًا عدة تعتمد على صادرات الحبوب الأوكرانية والروسية”.

وحسب المراقبين أيضاً، فإن “تأثيرات هذا الوضع لم تنحصر على الدولتين المتحاربتين فقط (روسيا وأوكرانيا)، بل أثرت على العالم كله، لأن روسيا وأوكرانيا كانتا توفران حوالى ثلث إمدادات القمح العالمية، وبالتالي فإن منع تصدير القمح من أوكرانيا أثر بشكل ملحوظ في تفاقم أزمة الغذاء العالمية”.

اقرأ أيضا.. أمين عام الأمم المتحدة: اتفاق روسيا وأوكرانيا على الحبوب نجح بجهود أردوغان

زر الذهاب إلى الأعلى