“إنما الأمم الأخلاق مابقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا“.. بهذه الكلمات لشاعر النيل الراحل حافظ ابراهيم، عبّر كثير من المراقبين عن مدى التلوث الناجم عن الشذوذ الجنسي، في ظل خطره على المجتمعات عامة والمسلمين خاصة.
ونقل بعض الباحثين ومنهم الباحث ساجد تركاوي، عن المفكر الإسلامي عبد الوهاب المسيري، قوله إن “الشذوذ الجنسي لم يعُد مجرد تعبيرٍ عن مزاجٍ أو انحراف شخصي، إنما تحوّل إلى أيديولوجيةٍ تهدِف إلى إلغاءِ ثنائية إنسانية أساسية، هي ثنائية (الذكر/الأنثى) التي يستند إليها العُمران الإنساني والمعيارية الإنسانية“.
وعلى اعتبار أن الشذوذ الجنسي تحوّل إلى “إيديولوجية“، حسب المفكر الإسلامي المسيري، باتت الأصوات تتعالى مطالبة أهل الفكر والعلم بالتصدي لها بمختلف الوسائل والسبل، لحماية المجتمع من هذا “التلوث“، حسب وصفهم.
وفي هذا الجانب أوضح الباحث ساجد تركاوي في حديثه لـ“وكالة أنباء تركيا” قائلًا إن “لوثة الشذوذ الجنسي التي تجتاح العالم مؤخراً بطريقة مجنونة ويتم تسخير مؤسسات وإمكانات ضخمة لعولمتها قطعاً ليست عبثية، إنما المراد تدمير بواقي الأخلاق ودك آواخر حصون القيم والفضيلة في الأمم والمجتمعات ليسهل اختراقها والسيطرة عليها وإضعاف مقاومتها، ثم استعمارها فكرياً وسلوكياً، ليتولد عنها ارتهان حضاري يجعل من الإنسان مجرد مسخ مطموس المعالم ومجرد من الهوية“.
وأضاف تركاوي “لا توجد ديانة سماوية ولا أعراف إنسانية أو فطرة سليمة إلا وتأبى الشذوذ والانحلال، وربما ليس من العسف والافتئات أن نزعم أن المجتمعات الإسلامية اليوم وبما تملكه من ضوابط قيمية ومفاهيم أخلاقية، وكتاب سماوي وسنة مطهرة محفوظين في الوجدان والعقول قبل الكتب والسطور، تعتبر آخر حصون الإنسانية قبل الارتكاس بها نحو قعر سحيق من الانحطاط والانحلال، ولذلك يتم التركيز عليها اليوم بقوة، ويتم إنفاق المليارات على كيانات ومؤسسات وجمعيات ومنصات إعلامية تروج للشذوذ الجنسي ويتم إدراجه تحت عناوين جذابة مثل (الحرية الشخصية)، (احترام ميول الآخرين)، (مراعاة مشاعر الشاذين)، (حقوق الشذاذ)، ونتيجة للرفض الصلب من المجتمعات الإسلامية لتقبل هذا الانحلال والشذوذ، يتم مؤخراً إعادة تقديمه تحت عناوين أخرى مضللة مثل (الجندرة أو الجندر) و(تمكين المرأة) و(مقاومة الذكورية) و نحوها من هذه المصطلحات المضللة“.
وكان الكاتب محمد خاطر، ذكر في مقال له في موقع “الجزيرة نت“، أنه “من البديهي ومن المعلوم من الدين بالضرورة كما يقول العلماء أن الإسلام يحارب الفاحشة، وينهى عن الاقتراب منها، ووضَع لها حدودًا شرعية، ولكن البعد عن جوهر الإسلام الصحيح وعن النبع الصافي للدين، وهما: الكتاب وصحيح السنة، أنتج لنا أنواعًا ومسميات عديدة من الإسلام كـ (الإسلام الغربي)، أو (الليبرالي)، أو (الإسلام الأميركاني)”.
ولفت خاطر إلى أن “الشذوذ الجنسي مُحرّم لأسباب كثيرة منها: مخالفة الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، ومنها ميل الذكر إلى الأنثى وميل الأنثى إلى الرجل، وسنّة الزوجية التي وضعها الله عز وجل في الكون، والتزواج بين الذكر والأنثى“.
من جهته، رأى المؤرخ عمر الحسون الهاشمي في حديثه لـ“وكالة أنباء تركيا“، أن “الشذوذ الجنسي هو هدف الدولة العميقة السرية العالمية التي لا تؤمن بدين ولا بحق البشرية في العيش، وهي لا تستهدف المسلمين فقط بل تستهدف أيضا النصارى، بل إن هناك قساوسة دفعوا أرواحعم بسبب معارضتهم لهذا النظام الذي يفسد أخلاق المجتمعات“.
وزاد قائلا “يريدون من هذه الحركة تغيير خلق الله بعد ان يأسوا من كل أساليب محاربة الله سبحانه وشرائعه متجاهلين قول الله تعالى (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ*عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)“.
وتابع الهاشمي قائلا “أيضا أدعياء المثلية الجنسية يريدون منع الزواج بأية وسيلة ويريدون نشر الفاحشة والشذوذ الجنسي، كما أنهم يريدون الحمل سفاحا في تحدي لله سبحانه وهو خالقهم، لكنهم سيفشلون كما فشلوا في جميع حروبهم، قال تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)”.
وأواخر العام الماضي 2021، أكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيان، إجماع الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) على التحريم القاطع التام للشذوذ الجنسي ومخالفته للفطرة السليمة وبقاء الجنس البشري، ويستنكر بشدة المحاولات الاستبدادية لفرضه على شعوب العالم.
وأكد الاتحاد أن “العلاقات الجنسية الشاذة (بين ذكر وذكر، أو بين أنثى وأنثى) محرمة تحريما قطعيا تاما، بالكتاب والسنة وإجماع العلماء من جميع المذاهب الإسلامية“، وأن “العلاقات الجنسية الشاذة قد ثبت تحريمها واستنكارها في كل الديانات والشرائع المنزلة؛ كاليهودية والمسيحية وغيرهما“.
من جهته، قال الحقوقي المهتم بالقضايا الاجتماعية والإسلامية محمد أبو كريم لـ“وكالة أنباء تركيا“، إن “الشذوذ الجنسي دائما ما نسمع بهذا المصطلح الذي يتم تلبيسه بمسميات كثيرة منها الحرية الجنسية ومنها الإضطراب السيكلوجي أو أنها سلوك نفسي، لكنها في الحقيقة حرب على الطبيعة البشرية“.
وأضاف “من الذين استنكروا المثلية الجنسية كونها تمثل حربا حقيقة على الطبيعة البشرية جوزيف نيلوكوسي المعالج النفسي، وهو الذي أكده الدكتور سام جيم ماكفرلاند في مقالة نشرها موقع الجمعية الامريكية للطب النفسي قائلا: إن علم النفس ساهم في قبول المجتمع المثلية الجنسية، الأمر الذي أدى إلى انتقال هذا الأمر إلى الأطفال والمراهقين بترويج المثلية الجنسية بوصفها ميولا طبيعيا، الأمر الذي أدى إلى انتشار وزيادة المثلية الجنسية منذ عام 1991 عن طريق مايسمى اللوبيات السياسية والإعلامية في التعليم من أجل نشر هذه الثقافة الشاذة“.
ولفت أبو كريم إلى أن “عالم الانثروبولوجيا جوزيف أنويل والذي قام بدراسة 86 حضارة في كل العالم قا: إن قيام الحضارة كان دائما مرهونا دائما وأبدا بالنشاط الجنسي المتسامي والانضباط الجنسي عبر قصر الممارسة الجنسية على العلاقة الحصرية بين الجنسين. كما خلص ذات العالم إلى أن المثلية الجنسية كانت دائما مرهونة ببدء انهيار الحضارة كنمط متكرر في التاريخ“.
وختم أبو كريم قائلا إن “هذا الأمر الذي نستنتجه أن انتشار المثلية الجنسية كان نتاج التاريخ الحديث والرأسمالية والذي تم ترويجه لأغراض سياسية لاعلاقة لها بالطبيعة البشرية، الأمر الذي أدى إلى تفكك الأسرة باعتبارها نواة أي مجتمع يريد التقدم باعتبار أن الأسرة هي عماد التطور الاقتصادي والصناعي والثقافي في أي مجتمع، حيث أن انتشار المثلية في أي مجتمع ماهو الا علامة عل مجتمع غارق في الملاهي وغافل عن البناء الاجتماعي السليم، ومجتمع استشرت فيه الإضطرابات النفسية تحت مسمى الممارسة الحرة، وهذا الذي نجده في المثلية الجنسية كونها داء حينما يغزو أي مجتمع يدمره ويحيله إلى الانهيار والانحطاط الفكري والنفسي والاجتماعي والاقتصادي“.
الجدير ذكره أن الاتحاد العلمي لعلماء المسلمين، أنذر في بيان سابق له من أنه وخلال السنوات الأخيرة “تصاعدت وتيرة الحملات والضغوط الغربية لفرض القبول والترحيب بالشذوذ الجنسي على مختلف شعوب العالم وأفراده، وجعله حقا أساسيا من حقوق الإنسان“.
وحذّر من أن “الاتهامات وحملات التشهير الموجهة ضد رافضي الشذوذ الجنسي تعدُّ انتكاسة مفجعة لحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، وتمثل شكلا من أشكال التسلط والأنانية والاستبداد والوصاية، يمارسه الغرب وأتباعه على شعوب العالم“، حسب ذات البيان.