اقتصادتقارير

الاقتصاد التركي.. بين التضخم والانتعاش (تقرير)

يواصل الاقتصاد التركي نموه رغم التحديات الإقليمية والعالمية خلال الفترة الحالية، ما جعل تركيا من بين الدول التي تعافت من الأزمات الاقتصادية بأسرع ما يمكن بعد جائحة “كورونا”، حتى أنه لم يتغير هذا التقليد خلال فترة وباء “كورونا” الذي أصاب الاقتصاد العالمي بشدة.

ويتزامن نمو الاقتصاد التركي مع ارتفاع نسب التضخم في تركيا لأسباب عدة، حسب مراقبين، في حين ذكرت هيئة الإحصاء التركية ارتفاع التضخم على أساس سنوي خلال تموز/يوليو الماضي ووصوله إلى 79.6%.

ويقيس مؤشر أسعار المستهلك في تركيا، التغيرات التي تحصل في المستوى العام للأسعار، انطلاقا من تتبع سلة تشمل جميع السلع والخدمات المستهلكة.

وتشهد أسعار السلع عالميا ارتفاعات متتالية، مدفوعة بتبعات الحرب الروسية الأوكرانية، إذ قفزت أسعار الطاقة بصدارة النفط والغاز الطبيعي، وأسعار الأغذية بصدارة الحبوب.

ورفع البنك المركزي التركي، نهاية تموز/يوليو الماضي، توقعاته للتضخم من 42.8% إلى 60.4% لنهاية 2022، في خفض نسبة الفائدة، أمس الخميس، إلى 13%.

وقدّم محافظ البنك المركزي شهاب قاوجي أوغلو، إحاطة إعلامية في العاصمة التركية أنقرة، بمناسبة إعلان تقرير التضخم الثالث للعام.

وأوضح في إحاطته أن البنك المركزي رفع توقعاته للتضخم لنهاية العام الحالي 17.6% من 42.8% إلى 60.4%.

وأضاف أن توقعات البنك المركزي للتضخم لنهاية 2023 عند 19.2%، ولنهاية 2024 عند 8.8%.

الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، أوضح مسيرة التضخم الذي تشهده تركيا منذ عدة أشهر، رغم كل الأرقام الإيجابية التي يحققها اقتصادها.

وقال على مدونته في الإنترنت حسب ما تابعت “وكالة أنباء تركيا”، إن “التضخم في شهر أيار/مايو الماضي سجل أعلى معدل خلال أكثر من عقدين ليسجل 73%، وهي نسبة مرتفعة وخطيرة من شأنها عرقلة مختلف السياسات الاقتصادية التركية، إضافة لتركها آثاراً اجتماعية خطيرة، كما ستنعكس آثارها على المشهد السياسي، لا سيما في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ولذلك من غير المستبعد أن تستثمر المعارضة التركية هذا الأمر في برنامجها الانتخابي”.

وعن أسباب التضخم، أوضح السيد عمر، أن “الأسباب المؤدية لارتفاع التضخم في تركيا تعددت منها أسباب داخلية وأخرى خارجية، فالأسباب الخارجية تتمثل بارتفاع أسعار حوامل الطاقة والتضخم العالمي وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة سلاسل التوريد، إضافة إلى رفع سعر الفائدة الأمريكي والذي أدى لارتفاع مؤشر الدولار ليبلغ في شهر أيار/مايو قيمة 104، وهو ما سبّب ارتفاعاً في القيمة الحقيقية للواردات التركية”.

أما الأسباب الداخلية، حسب  السيد عمر فتتمثل بـ”خفض سعر الفائدة، فالتخفيض وعلى الرغم من كونه يخالف الأعراف الاقتصادية إلا أنه كان خطوة صحيحة في ظل الظروف الداخلية والدولية التي رافقته، ولكن عقب المتغيرات الدولية التي أفرزتها الحرب الروسية تغيرت فعالية قرار تخفيض سعر الفائدة ليؤدي لزيادة الكتلة النقدية في السوق التركية، وبالتالي تحفيز التضخم”.

وفي ردّ على سؤال “هل تضطر الحكومة التركية لرفع سعر الفائدة؟”، قال السيد عمر إن “الظروف الدولية الحالية قد تفرض تراجع الحكومة التركية عن سياسة خفض سعر الفائدة، وقد تضطر لرفعها بمعدل 100 أو 200 نقطة على مراحل، وفي حال عدم القيام بهذا الأمر من غير المستبعد استمرار ارتفاع التضخم، خاصةً في ظل استمرار الظروف الدولية الحالية، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن تخفيض سعر الفائدة لم يكن قراراً خاطئاً، ولكن تغيّر الظروف الدولية أثّر على فاعليته”.

ويرى خبراء اقتصاديون أن معدل التضخم لا يعني أن كل السلع يرتفع ثمنها بنفس القدر، وإنما يعني متوسط ارتفاع الأسعار، وهو قياس لمعدل سنوي.

وحسب هيئة الإحصاء التركية، صعد تضخم أسعار المستهلك في الأسواق التركية خلال يونيو/حزيران الماضي، بنسبة 4.95 % على أساس شهري، مقارنة مع أيار/مايو الماضي.

وذكرت الهيئة في بيان، أن مؤشر أسعار المنتجين خلال حزيران/يونيو صعد بنسبة 6.77% على أساس شهري، فيما ارتفع بنسبة 138.38 % على أساس سنوي.

الباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية مخلص الناظر، قال في تقرير له حسب ما وصل “وكالة أنباء تركيا”، إنه “ما يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستلعب العملة القوية دورا في كبح التضخم، أو ما يسمى في علم الاقتصاد (بمعدل التمرير وهو معدل تأثير سعر الصرف مقابل العملات الأخرى على مؤشر أسعار المستهلكين) حتى الآن لا تأثير يذكر، تاريخيا كان ارتفاع الدولار بقيمة 10% يؤدي إلى انخفاض التضخم بنقطة مئوية كاملة، أما الآن وعلى الرغم من ارتفاع الدولار بسبب رفع الفائدة إلى أعلى مستوى منذ عشرين عاما، فقد قفز التضخم في الولايات المتحدة الأميركية إلى أعلى مستوى له منذ أربعين عاما، فهل تكون حرب العملات الحالية لعبة محصلتها صفر؟”.

ومنتصف حزيران/يونيو الماضي، رفعت وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني، توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي خلال العام 2022 من 2.4 % إلى 4.5 %..

وأوضحت فيتش في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر بعنوان “عودة السياسة النقدية المتشددة”، أن الاقتصاد التركي حقق خلال الربع الأول من العام الجاري نموا فاق المتوقع.

وعدّل صندوق النقد الدولي (IMF) توقعاته لنمو الاقتصاد التركي “إيجابا” وللاقتصاد العالمي “سلبا” في العامين 2022 و2023.

وحسب التقرير الصادر عن المؤسسة الدولية، نهاية تموز/يوليو، فإن توقعات نمو الاقتصاد العالمي للعام الجاري انخفضت إلى 3.2 % العام الحالي و2.9 % للعام المقبل.

ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد التركي من 2.7% إلى 4% للعام الجاري، ومن 3 % إلى 3.5 % للعام 2023.

ووسط كل ذلك، أشار خبراء اقتصاديون إلى أن “نسبة الزيادة في أسعار المستهلكين حسب مجموعات الإنفاق الرئيسية لشهر تمّوز/يوليو 2022، مقارنة بذات الشهر من العام الماضي 2021، شملت قطاع المواصلات والأغذية والمشروبات غير الكحولية والأدوات المنزلية بنسب 119 و95 و88% على التوالي، فيما كان قطاع الإتصالات الأقل زيادة مع نسبة اقتربت من 26%“.

وأضافوا أنه “إذا ما ألقينا نظرة على تغيرات أسعار السلع في تموز/يوليو 2022، مقارنة بالشهر الذي سبقه، نجد أن المنتجات الأكثر زيادة كانت الأدوية والبيض بنسب اقتربت من 17 و14% على التوالي، في حين كانت أكثر المنتجات انخفاضاً وقود وزيوت السيارات الخاصة ولحوم الدواجن بنسب 8 و6% على التوالي،”، مبينين أن “مؤشر أسعار المستهلك يقيس التغيرات التي تحصل في المستوى العام للأسعار، انطلاقاً من تتبع سلة تشمل جميع السلع والخدمات المستهلكة داخل بلد معين”.

وتؤكد مصادر اقتصادية تركية رسمية، أن جائحة “كورونا” التي اجتاحت العالم خلال عام 2020، والحرب الروسية على أوكرانيا التي تفجرت العام الجاري، تسببتا بارتفاع أسعار السلع الأساسية في العالم وعلى رأسها أسعار الطاقة والغذاء، فضلا عن انقطاع في سلاسل التوريد.

أما لناحية الاستثمار في تركيا، فكان مركز “EY Attractiveness Survey Europ” المختص بأبحاث الاستثمار في أوروبا قد قال إن “نسبة الاستثمار الأجنبي في تركيا ارتفعت إلى 27% خلال العام الماضي 2021″، مشيرا إلى أن “تركيا تتفوق على كثير من الدول الأوروبية بنسبة الاستثمار الأجنبي”.

وأشار إلى “وجود 263 مشروعا استثماريا في تركيا، وهو ما يجعلها تتفوق على الكثير من الدول الأوروبية”.

ولفت إلى “احتلال تركيا المرتبة الخامسة على صعيد أوروبا في جذب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر”.

ووفق البيان “جاءت تركيا في المرتبة الخامسة بعد فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا”.

وتسعى تركيا للتحول إلى مركز عالمي للصناعة والتصدير، من خلال استغلال أزمة سلاسل التوريد الناتجة عن جائحة فيروس “كورونا” المستجد، خاصةً مع امتلاكها لموقع جغرافي هام يربط بين القارات الثلاث (أوروبا وآسيا وإفريقيا).

كما تمتلك تركيا البنى التحتية اللازمة للتوريد، وهو أمر عمل عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ وصوله إلى الحكم عبر مشاريع النقل الضخمة التي شهدتها تركيا منذ عام 2002.

وتجاوزت حصة تركيا من الصادرات العالمية نسبة الـ 1% للمرة الأولى تاريخياً في العام الماضي 2021.

رئيس مجلس إدارة شركة “عمران ترك“ في يلوا التركية، عبد العزيز الكاشف، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “أرقام الاستثمارات في تركيا لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة السياسة الاقتصادية التركية الناجحة على مدة أعوام وأعوام”.

وأشار الكاشف إلى أن “تركيا استطاعت أن تثبت نفسها وقوتها في مجال جذب الاستثمار الأجنبي وفي أدق الظروف الاقتصادية العالمية، حيث نراها تتقدم وتتبوأ المركز الخامس أوروبيا”.

ومطلع الشهر الجاري، أعلن وزير التجارة التركي محمد موش أن الصادرات التركية سجلت رقماً قياسياً جديداً بتحقيق أعلى رقم لصادرات خلال تموز/يوليو الماضي، حيث بلغت 18.6 مليار دولار.

وأضاف موش أن “صادرات تركيا خلال تموز/يوليو الماضي، بلغت 18.6 مليار دولار بزيادة 13.4% مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي”.

وأوضح أن “حجم التجارة الخارجية في شهر تموز/يوليو 2022 ارتفع إلى 47.7 مليار دولار بزيادة 28.7% مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي”.

وأشار إلى أن “هذا الرقم يعد الأعلى حتى الآن لصادرات أشهر تموز/يوليو الماضية.. كما أن قيمة الواردات خلال تموز/يوليو 2022 بلغت 29.1 مليار دولار”.

وأوضح أن “قيمة الصادرات التركية خلال الأشهر الـ 7 الأولى من عام 2022 بلغت 144.4 مليار دولار”.

وفي حزيران يونيو الماضي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن “الصادرات التركية تصل إلى 217 دولة ومنطقة حول العالم.. وهذا مؤشر على الخطوات الحازمة التي تتمثل في زيادة تنمية تركيا عبر زيادة الإنتاج والتوظيف والتصدير والاستثمار”.

وشددّ أردوغان على أن “الحكومة التركية نجحت بزياد صادرات البلاد 6 أضعاف، ورفعت عدد المصدرين 4 أضعاف خلال 20 عاما”.

وأضاف “حققت تركيا استثمارات بقيمة 3.5 ترليون دولار خلال 20 عاما في مجالات التعليم والصحة والصناعة والسياحة والدعم الاجتماعي”.

زر الذهاب إلى الأعلى