بذكراها 951.. “ملاذكرد” أكثر من مجرد معركة في تاريخ المسلمين (تقرير)
خاض المسلمون عبر تاريخهم الممتد لأكثر من 1400 عام، مئات المعارك والغزوات مع الامبراطوريات الكبرى التي تواجدت في مناطقهم، سواء الامبراطورية الرومانية أو الفارسية أو البيزنطية.
وهناك معارك بعينها شكّلت منعطفاً هاماً في تاريخ المسلمين والمنطقة، لما نتج عنها من تأسيس لدول أو تحرير لأراض، وإحدى هذه المعارك، هي معركة “ملاذكرد”، والتي يحتفل العالم الإسلامي عامة وتركيا خاصة بذكراها في 26 من آب/أغسطس من كل عام.
لكن الأهمية لا تتعلق بالمعركة بحد ذاتها، بل إلى آثارها الممتدة حتى اليوم، سياسياً وتاريخياً، إلى مرحلة دعت وزارة الثقافة والسياحة التركية لإطلاق بعثة أثرية مكونة من أكثر من 30 شخصاً للتنقيب عن آثارها.
معركة ملاذكرد
لم تكن المعركة بين السلاجقة والبيزنطيين وليدة قرار مفاجئ اتخذه السلطان ألب أرسلان حينها، بل سبقها عام 1068 عدة معارك بين الطرفين، كانت نتيجتها النهائية أسر الإمبراطور البيزنطي حينها، رومانوس الرابع، ثم عقد معاهدة سلام بين الطرفين في العام التالي.
وفي عام 1071، حاول رومانوس خداع ألب أرسلان، وبعد طلبه تجديد المعاهدة وموافقة ألب أرسلان على الطلب، وتخليه عن حصار مدينة “الرها”، هاجم على الفور مناطق في أرمينيا خاضعة للسيطرة السلجوقية حينها، واستعادة قلاع عسكرية.
بعد هذه الخدعة، اتجه رومانوس إلى “ملاذكرد” حيث يُعسكر الجيش السلجوقي، ومعه أكثر من 200 ألف مقاتل، ونجح ألب أرسلان بالانتصار في معركة خاطفة كان غرضه منها إعادة البيزنطيين إلى الصلح.
رفض رومانوس عرض ألب أرسلان، وأساء معاملة مبعوثي السلطان السلجوقي، ليدرك ألب أرسلان أنه لا مناص من خوض المعركة حتى النهاية.
وتتداول كتب التاريخ جزءًا من خطبة ألب أرسلان لجنوده قبل المعركة، والتي قال فيها “إنني أقاتل محتسباً صابراً، فإن سلمت فنعمة من الله، وإن كانت الشهادة فهذا كفني، أكملوا معركتكم”.
ومع اقتراب المعركة من بدايتها عاد ألب أرسلان ليقول لجنوده “من أراد الانصراف فلينصرف، لا يوجد هنا سلطات يأمر وينهي”.
كانت نتيجة المعركة النهائية انتصار السلاجقة، وهزيمة البيزنطيين هزيمة ساحقة، وأسر رومانوس قبل إطلاق سراحه لاحقاً بعد دفعه فدية ضخمة.
كما فتحت نتيجة المعركة، الباب أمام السلاجقة لتحقيق الانتصارات في قلب آسيا الصغرى (الأناضول)، ليضموا مدن قونية وآق وغيرها من المدن التي مهدت لتبقى مدناً إسلامية حتى يومنا هذا.
البحث عن آثار ملاذكرد في الأناضول
تستمر أعمال التنقيب الأثرية في المواقع التي شهدت معركة ملاذكرد، ضمن مشروع ترعاه وزارة السياحة والثقافة التركية.
ويسعى المشروع، الذي بدأ في عام 2020، لتحديد موقع المعركة بدقة والعثور على الأسلحة المستخدمة وتحديد قبور الشهداء، واستخراج أدلة مادية عن سير المعركة، وهو الأول من نوعه في تركيا.
كما يسعى المسؤولون عن البعثة لتحديد مجريات المعركة بشكل دقيق، بالاعتماد على الآثار، وهو ما يساهم بصياغة الهوية التاريخية للمعركة بشكل أكبر.
ونجحت البعثة المكونة من 30 باحثاً أكاديمياً من 10 جامعات تركية، بالعثور على أكثر من 300 سلاح من سيوف وأسهم حتى الآن.
من هو ألب أرسلان؟
ولد السلطان ألب أرسلان، في عام 1030 ميلادية، ويعني اسمه “الأسد الباسل”، ويُعدّ أحد أهم قادة المسلمين عبر التاريخ، وهو رابع الحكام السلاجقة.
تولى ألب أرسلان الحكم بعد وفاة أرطغرل، أحد المؤسسين للدولة السلجوقية، وحكم قبل ذلك منطقة خراسان، وبعد توليه الحكم نجح ألب أرسلان بتأسيس دولة امتدت من سهول تركستان، إلى ضفاف نهر دجلة.
وإلى جانب اهتمامه بالمعارك والغزوات، شجع ألب أرسلان على الآداب والعلوم، وأنشأ مجامع علمية ومدارس في دولته، منها المدرسة النظامية في العاصمة العراقية الحالية بغداد.