تقاريرهام

السعودية تشارك بضرب أسعار النفط عالميا.. ومراقبون: دعم لروسيا على حساب أمريكا (تقرير)

أجمع عدد من المراقبين أن خطوة السعودية بتخفيض أسعار النفط العالم هي “ضرب لأسعار النفط في العالم ما سيؤثر سلبا على شرائح واسعة من الناس عالميا وخاصة الطبقة الفقيرة منهم والمتوسطة”، حسب تعبيرهم.

جاء ذلك في وقت قرر فيه “تحالف أوبك+” الذي يضم منظمة الدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها السعودية، تخفيض إنتاجها النفطي بشكل كبير، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة التي أشارت إلى أنه “سيضر بالدول ذات الدخل المحدود والمتوسط”، في حين اعتبر مراقبون أن “هذا القرار يؤشر إلى تقارب سعودي روسي موجه ضد الدول الغربية”.

ويتزامن هذا القرار مع تصاعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، إضافة إلى المخاوف من أن تؤدي هذه الحرب إلى ارتفاع أسعار النفط الخام وزيادة معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية منذ عقود في العديد من البلدان، وفقاً للمراقبين.

مراقبون لفتوا إلى أن “هذا القرار قد يعطي دعما لروسيا قبل حظر الاتحاد الأوروبي لمعظم صادراته من نفطها في وقت لاحق من هذا العام، ومحاولة مجموعة الدول السبع لكبح جماح أسعار النفط”.

واتفق أعضاء “أوبك” الـ 13 وشركاؤهم العشرة بقيادة روسيا، الأربعاء، على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي عبد الحكيم المصري لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “منذ بداية العدوان الروسي على أوكرانيا نلاحظ أن أوبك المدعومة من السعودية تخفض إنتاج النفط، ففي حزيران/يونيو الماضي خفضوا الإنتاج 600 ألف برميل يومياً، واليوم يتم تخفيضه 2 مليون”.

وأضاف أن “هناك خلافات معينة بين السعودية وأمريكا، بعد طلب الأخيرة زيادة الإنتاج والذي قوبل برفض من الرياض”.

وتابع المصري أن “أمريكا وخلال العام الجاري وبعد التضخم العالمي والذي كان أحد أسبابه الحرب الروسية الأوكرانية، اتخذت قراراً برفع سعر الفائدة الأمر الذي رفع سعر الدولار وخفض كل عملات العالم مقابل الدولار، وبالتالي رأت السعودية أن ذلك سيؤثر عليها بشكل كبير جدا”.

من جهتها، ادّعت مصادر روسية رسمية أن هذا القرار “غير مسبوق”، عازيةً ذلك لـ”الحاجة لتحقيق التوازن في سوق النفط”، حسب تعبيرها.

مراقبون آخرون اعتبروا أن “السعودية قررت الوقوف إلى جانب روسيا ضد أمريكا والغرب”، لافتين إلى أن “ذلك يضغط على أوروبا في حربها مع روسيا بسبب نقص الغاز والنفط أصلاً، ويضغط على أمريكا من بوابة ارتفاع أسعار الوقود”.

وحسب المصري، فإنه “من الوضح أن السعودية على توافق مع روسيا بهدف رفع سعر النفط، ومن أجل أن يكون هناك ضغط لتسويق النفط الروسي”.

وزاد قائلاً إنه “نتيجة الخلافات مع أمريكا نرى أن السعودية اتجهت صوب روسيا، وذلك نتيجة لتوافق مصالح معينة بين موسكو والرياض”.

وحسب ما تابعت “وكالة أنباء تركيا” فإنه “وعلى خلفية قرار أوبك تخفيض إنتاج النفط، قدم 3 من أعضاء مجلس النواب الأمريكي تشريعات لإنهاء حماية القوات الأمريكية في السعودية والإمارات”.

واعتبر النواب الأمريكيون أن “تخفيض السعودية والإمارات إنتاج النفط إشارة واضحة إلى أنهما اختارا الوقوف إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، ولا سبب للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في الخليج لحماية أمن ونفط دول تعمل ضد الولايات المتحدة”.

مراقبون أشاروا إلى تبعات هذا القرار ووقوف السعودية إلى جانب روسيا، مشيرين إلى أن “أمريكا ستقوم بسحب الحاملات الراسية في الخليج بسبب تخفيض انتاج النفط وانحيازها لروسيا”.

وبيّن بعض المحللين المهتمين بالشأن الاقتصادي، أن “قرار السعودية بتخفيض إنتاج النفط سيعزز الخزينة الروسية قبل حظر الاتحاد الأوروبي لمعظم صادراته من النفط الروسي في وقت لاحق من هذا العام، ومحاولة مجموعة الدول السبع الحد من أسعار النفط”.

ورأى آخرون في هذا القرار “تمردا سعوديا على أمريكا، وتعاونا مع روسيا أشد أعداء أمريكا، والسبب هو أن أمريكا لم تحم منشآت السعودية النفطية من صواريخ ومسيرات اليمن، ويبدو أن روسيا تعهدت بحمايتهم من اليمن”، حسب تعبيرهم.

وكان اللافت للانتباه ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في افتتاحيتها، الأربعاء، والتي جاء فيها أن “السعودية سمعت كل المطالبات والمخاوف الأميركية إلا أنها قررت تخفيض إنتاج النفط، لا يبدو أنهم يعتقدون أن المخاطرة بالعلاقات مع الولايات المتحدة أمر كبير إلى هذا الحد، وقد وضعوا العلاقات الودية مع روسيا فوق (سمعتهم) في الولايات المتحدة”.

وفي هذا الصدد، قال الخبير بالشأن الروسي، منتصر البلبل لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هذا القرار هو فقط لإظهار القوة أمام أمريكا والغرب”، لافتاً إلى أن “العلاقة السيئة بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته ما تزال حتى الآن من دون أي حل بسبب قضيه خاشقجي”.

ولفت إلى أن “هناك معلومات عن تقديم محمد بن سلمان وجماعته إلى العدالة الأمريكية، وهذا هو السبب الرئيسي بتحدي السعودية من خلال سلاحها الوحيد وهو النفط، لإجبار إدارة بايدن على تغيير مواقفها من السعودية ومحمد بن سلمان”.

واعتبر البلبل أن ما يجري هو “عملية مساومة لا أكثر ولا أقل، حيث أن محمد بن سلمان مرشح كملك للسعودية وبدون موافقة الإدارة الأمريكية لا يستطيع الجلوس على العرش بعد أبيه”.

وبيّن أن “السعودية لا تقف مع روسيا من منطلق الصداقة، بل من منطلق مصالح مشاركة فقط، وأمور تستخدمها السعوديه للتمركز وأخذ وضع سياسي وإقليمي في المنطقة”.

وأنذر كثيرون من مغبة هذا القرار على السعودية قائلا إن “هذا التوجه غيرر مفهوم خاصة لناحية معاداة الغرب ومحابة روسيا في هذا الوقت الخطير.. نتمنى أن لا تدفع السعودية الثمن غالياً لاحقاً”.

من جهته، حذّر رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية محمود رفعت، من “تبعات وآثار هذا القرار الذي سيشعل أسعار النفط في العالم خاصة بعد فشل الهدنة في اليمن وتوقع قصف مصادر النفط في السعودية والإمارات”، مضيفاً “واضح أننا نعيش أجواء الثلاثينات حيث كل الأطراف تدفع لحافة الهاوية وهو ما فجر الحرب العالمية الثانية”.

الجدير ذكره، أنه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السعودية النفط كـ”سلاح سياسي ضد منافسيها”:

  • في تشرين الثاني/نوفمبر 2006، أشار نواف عبيد المستشار الأمني السعودي والمرتبط بالأمير تركي الفيصل، في مقال في صحيفة الواشنطن بوست، إلى أنه إذا “عززت المملكة العربية السعودية من إنتاجها وخفضت سعر النفط إلى النصف، فإنه سيكون مدمرا لإيران، وسيحد من قدرتها على مواصلة ضخ الملايين كل عام للمسلحين الشيعة في العراق وأماكن أخرى”.
  • بعد ذلك بعامين، وفي ذروة الأزمة المالية العالمية، أغرق السعوديون السوق بالنفط.
  • وخلال 6 أشهر انخفضت أسعار النفط من أعلى معدل 147 دولار للبرميل إلى 33 دولار فقط.
  • وبهذا بدأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عام 2009، مكافحة لمواجهة الانهيار المفاجئ في عائدات النفط الحكومية، واضطر لخفض الدعم الشعبي والبرامج الاجتماعية.

وقد ظهرت إشارات لطوفان جديد في وقت مبكر في حزيران/يونيو من عام 2011، ففي كلمة ألقاها أمام كبار المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين في قاعة عمليات حلف شمال الأطلسي الـ”ناتو”، حذر الأمير تركي الفيصل إيران من “استغلال الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن الربيع العربي”. 

زر الذهاب إلى الأعلى