
أصبح الشُغل الشاغل للنّاس اليوم الحديث عن أيّ عمليّة عسكريّة ومدى شرعيّتها، والتي قد تقوم بها الحكومة التركيّة ضد معاقل التنظيمات المصنّفة إرهابيّة على قوائمها، التي اتهمتها بالمسؤولية عن العمليّة الإرهابيّة الأخيرة في “تقسيم” في إسطنبول، والتي أسفرت عن استشهاد 6 مدنيين وإصابة العشرات، وقصف نقاط المراقبة العسكريّة المنتشرة في الأراضي السوريّة بموجب تفاهمات أستانا وسوتشي، واستهداف المعابر والقرى الحدوديّة مع سوريّة وكان آخرها استهداف مدينة قرقميش بصواريخ سقطت على مدرسة ابتدائية وعلى ساحة الجمارك وسط المدينة لتُخلِّف ثلاثة شهداء وعدد من الإصابات الخطيرة اغلبهم من الأطفال، وإلحاق ضرر ماديّ كبير في مبنى المدرسة والأماكن المستهدفة، وتفيد الأخبار و التحليلات بأن مصدر هذه الصواريخ من مناطق يسيطر عليها كلٌّ من نظام أسد و ميليشيات “قسد” تشرف عليها الدوريّات الروسيّة وفق التفاهمات المذكورة.
وحيث أن هذه الأفعال تُعتبر وفقاً لنصوص القانون الدولي عملاً من أعمال العدوان والإرهاب، كونها تستهدف المدنيين، وكون مصدرها الأساسي يأتي من خارج الحدود التركيّة، ومن قبل تنظيمات مُصنّفة على قوائم الإرهاب ترعاها بعض الدول الأوروبية ويتحكّم بها ويدير عمليّاتها النظام السوري.
وللحديث عن شرعيّة أو قانونيّة أي عمليّة عسكريّة تركيّة داخل الأراضي السوريّة يجب الرجوع إلى اتفاقيّة أضنا لعام 1998 المُبرمة بين الحكومة التركيّة وبين النظام السوريّ كونها المرجع القانوني الذي يتم اللجوء إليه لتحديد مدى التزام النظام السوري بنصوص هذه المعاهدة وإيفائه بتلك الالتزامات التي تضمنتها بنود الاتفاقيّة وملحقاتها الثلاث وأهمّها:
عدم السماح لعناصر حزب العمال الكردستاني في الخارج بدخول سورية، وإغلاق معسكرات الحزب في سورية، والتزام الجانب السوري بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيه بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا. وعدم السماح بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة الحزب على أراضيه. والتي قامت وبناءّا عليه بتصنيف الحزب على أنه منظمة إرهابية وحظرت أنشطته والمنظمات التابعة له على أراضيها، وتعهّدت بعدم السماح لأعضاء الحزب باستخدام أراضيها للعبور إلى دول ثالثة أو منحهم الملاذ الآمن أو منحهم وثائق هوية مزورة والامتناع عن تحريض البلدان الأخرى الأعضاء في جامعة الدول العربية ضد تركيا.
وقد تضمّن الملحق الثالث شرطاً في غاية الأهمية حيث ورد فيه: في ضوء ما سبق، وما لم تُوقِف سورية هذه الأعمال فورًا، مع كل العواقب، تحتفظ تركيا بحقها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وتحت كل الظروف للمطالبة بتعويض عادل عن الخسائر في الأرواح والممتلكات.
وعليه فإن عدم التزام النظام السوري بنصوص اتفاقية أضنا وقيامه بالتحريض المُستمر ضد الدولة التركيّة و كيل الاتهامات لها، و قيامه و بالتعاون والتنسيق مع قوات قسد والتي يّعتبر كلٌّ من حزب العمال الكردستاني و وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديموقراطي، أهم التشكيلات العسكريّة فيها بإرسال أو السماح لأعضاء من هذه التنظيمات وبالاشتراك مع عملائه لتنفيذ أعمال إرهابيّة ضدّ المدنيين أو استهداف المنشآت المدنيّة والأسواق ودور العبادة يُعتبر عملاً من أعمال العدوان المنصوص عنه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ” 3314″ لعام 1974 الفقرة السابعة التي تنصّ على أن : “ إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال السابقة، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك“.
الأمر الذي يمنح الدولة التركيّة الحقّ في الدفاع عن أمنها القومي و عن استقرارها السياسي وحماية شعبها من خلال اللجوء للمادة “51 ” من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أنّه: ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
ولا يتوقّف استخدام هذا الحق على إذن أو موافقة أحد حتى مجلس الأمن الدولي، إذ أن الشرط الوحيد في هذه المادة هو وجوب تبليغ مجلس الأمن بالتدابير التي اتخذتها أو التي ستتخِذّها الدولة التركية، للحيلولة دون تفاقم الأمور بما يُهدد السلم والأمن الدوليّين، و بالتالي فإن الكلام عن وجوب حصول الحكومة التركيّة على موافقة الولايات المتّحدة أو روسيا أو حتى النظام السوري في غير محلّه القانوني ولا يترتّب عليه أي أثر قانوني يتنقص من شرعيّة أيّ عمليّة عسكرية تركيّة، بل على العكس من ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية ورسيا والنظام السوري مسؤولين قانونيّا عن أفعال هذه التنظيمات وجرائمها، فالأولى هي من تدعمها عسكريّا وسياسيّا بالتنسيق مع روسيا والدول الأوروبية الأخرى، وكذلك فإنّ روسيا مسؤولة عن تصرفات هذه التنظيمات باعتبارها أحد الدول الضامنة بموجب تفاهمات أستانا وسوتشي، وكذلك النظام السوري مسؤول باعتباره راعي الإرهاب الرسميّ وباعتباره السلطة القائمة المسؤولة عن تنفيذ اتفاقيّة أضنة لعام 1998 وحماية الحدود مع دول الجِوار وبما أن هذه الأفعال تعتبر من أعمال العدوان والتي تُعتبر جريمة جنائيّة وفق نصّ المادة ” 5 ” من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة فإن كلٌّ من النظام السوري والحكومتين الأمريكية والروسيّة هي المسؤولة جنائياً ويُمكن لتركيا اللجوء إلى محكمة العدل الدوليّة لمقاضاتها واللجوء إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة لمحاكمة أفراداً وقادةً وعناصر تلك التنظيمات والقوات العسكريّة الأمريكيّة والروسيّة و ميليشيات أسد وفق نصّ المادة “28 ” من نظام المحكمة التي تُحدّد مسؤولية القادة والرؤساء الأخرين.