
أجمع عدد من المحللين السياسيين على أن العام الجاري 2023 هو عام ترتيب تركيا لأوراقها الخارجية، مشيرين إلى أن ذلك يتزامن مع قرب الانتخابات الرئيسية التركية، إضافة إلى أنه خطوة استباقية تتماشى مع التغييرات الحاصلة في مسرح المنطقة إقليمياً ودولياً.
ودفعت تطورات كثيرة في العالم الغربي إضافة لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تحولات فتحت الباب أمام مرحلة جديدة في المنطقة، دفعت بتركيا إلى إعادة ترتيب الأوراق السياسية والاقتصادية ضمن المنظومة الديمقراطية والتوازنات الإقليمية.
وحول ذلك قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الظروف الخارجية والداخلية اضطرت تركيا إلى إعادة ترتيب أوراقها تجاه الدول المحيطة بها، لتعيد سياسة صفر مشاكل من جديد والتي انتهجتها قبل الربيع العربي، الذي دعمته تركيا بكل قوة وساندت حقوق الشعوب في نيل حريتها، لكن النتائج كانت مغايرة لما أرادته الشعوب العربية ولما دعمته أنقرة”.
وأضاف “ثم حدثت متغيرات دولية سياسية واقتصادية كثيرة مثل اكتشاف حقول الغاز شرقي المتوسط وأزمة (كورونا)، والحرب الروسيه الأوكرانية، والدعم الخارجي الذي تتلقاه التنظيمات الكردية الإرهابية، وعلى رأس هؤلاء الداعمين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وأيضاً استغلال المعارضة الانتهازية لورقة اللاجئين للضغط على حزب العدالة والتنمية وإلصاق كل الكوارث باللاجئين وإلقاء التبعة على العدالة والتنمية الذي اتخذ مواقف إنسانية تجاه ملف اللاجئين الفارين من ويلات الحروب والثورات في سوريا ومصر، وإن كان العدد الأكبر يخص السوريين الذين يقارب عددهم في تركيا من ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجىء، يضاف إلى ما سبق المصالحة الخليجية التي أنهت الخلاف مع قطر”.
ولفت إلى أن “كل تلك العوامل دفعت الإدارة التركية إلى إعادة ترتيب أوراقها الخارجية، والعودة إلى تصفير المشاكل مع دول الجوار، وطي صفحات الخلاف مع الأنظمة التي كانت على غير وفاق مع أنقرة بالأمس”.
واعتبر أن “الإدارة التركية تهدف من وراء ذلك إلى الحفاظ على حقوقها في حقول غاز وبترول شرقي المتوسط، وأيضاً جلب استثمارات من الدول الخليجية، وكذلك نزع أوراق الضغط من المعارضة الداخلية الانتهازية”، حسب تعبيره.
ويرى مراقبون أن تركيا كثفت من تحركاتها الدبلوماسية، اعتباراً من كانون الثاني/يناير الماضي 2022، الأمر الذي عزز من دورها ومكانتها ضمن النظام الدولي، حيث قامت بإجراء العديد من اللقاءات والاتصالات لتعزيز العلاقات الثنائية مع كلّ من الإمارات العربية المتحدة، والسعودية ومصر، والتواجد كوسيط بين روسيا وأوكرانيا منذ الأيام الأولى لاندلاع الاشتباكات بينهما، وذلك عبر نجاحها في ترتيب لقاء بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا، على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي.
وحسب مراقبين أيضاً، فإن تركيا تحاول أن تعيد رسم خارطة الطريق ولو مرحلياً، وخصوصاً في ما يتعلّق بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ودول شرقي المتوسط والولايات المتحدة الأميركية.
المحلل السياسي، مهند حافظ أوغلو قال لـ”وكالة انباء تركيا”، إنه “مع تغير النسق الإقليمي فضلاً عن الدولي فإن الدول مضطرة إلى إعادة ترتيب الأولويات كي تتموضع بطريقة تتناسب مع ذلك التغير، وتركيا إحدى أهم دول المنطقة والتي تواجه ضغوطات خارجية وداخلية على حد سواء، لذلك كان لزاماً ان تعدل على تكتيكاتها بما يتناسب مع هويتها ومع رؤيتها الاستراتيجية والتي قد لا يرى فيها البعض تناغما بين هذه التموضعات المستجدة وبين الغايات الثابتة”.
وزاد بالقول إنه “للوصول إليها يجب تحديد أهدافاً قريبة وبعيدة، ومنها: قطع الطريق على كل الخطط الخارجية المباشرة أو غير المباشرة من خلال تحريك بعض الأيادي الداخلية التي ارتهنت للخارج وإن كان لسانها تركي”.
وتابع أنه “من بين تلك الخطط هي اللعب على ملف وجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية لتأليب الناخب على الحكومة، وبالتالي جر البلاد إلى جعلها هدفا للتقسيم بعد سوريا، إذ يمثل الملف السوري للدولة التركية تحديا قريباً وبعيدا، لذلك كان لا بد من عدم الرفض لفتح حوار مع دمشق بل وأخذ خطوة استباقية من خلال دعوة موسكو ودمشق لعقد لقاءات ذي مستويات متعددة، ورهن عقد لقاء قمة حسب التطورات”.
ومضى بالقول إن “ما قامت به أنقرة من تهدئة أولية ثم تعاون اقتصادي ليوصل إلى تنسيق سياسي مع كل من أبو ظبي، تل أبيب، الرياض والقاهرة، خاصة وأن الملفات مع تلك العواصم متعددة ليس أولها الملف الليبي ولن يكون آخرها شرقي المتوسط”.
وختم بالقول إن “كل هذه الأهداف القريبة تصب في هذا بعيد عظيم استراتيجي وهو جعل هذا القرن قرن تركيا واستمرار المسيرة التي أصبح عمرها عقدين ونيف، حيث يمكن القول إنهم أرادوا اللعب السياسي بخبث لكنهم وجدوا تركيا تلعبه باحتراف”.
يشار في هذا السياق، إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بات يؤكد بين الفترة والأخرى ومع نهاية العام الماضي 2022، أن “الحكومة التركية عازمة على تقديم إنجازات أكبر للشعب التركي في القرن الجديد للجمهورية، عبر رؤية (قرن تركيا) التي تهدف لجعل تركيا واحدة من أكبر 10 دول في العالم من الناحية الاقتصادية”.
وتجدر الإشارة في ما يخص إعادة ترتيب تركيا لأوراقها داخليا وخارجيا، إلى ملف آخر بدأ يطفو على السطح مؤخراً وهو العلاقات مع النظام السوري وانعكاساته على ملف اللاجئين السوريين في تركيا.
وفي هذا الصدد يرى مراقبون ومحللون ومن بينهم الكاتب والباحث محمد مختار الشنقيطي، أن “القيادة التركية ذات حاسة إستراتيجية مرهَفة، وطموح سياسي عظيم، واعتداد كبير بالذات، وهي تسعى لتحويل بلادها من قوة إقليمية إلى قوة عالمية، طبقا للشعار المحبب إلى الرئيس أردوغان: (العالم أكبر من خمسة)، ولن تورط تلك القيادة نفسها في مغامرة إرجاع أكثر من 3 ملايين سوري إلى سوريا قسرا، وهي تدرك أكثر من غيرها أن الأمر مستحيل عمليا، وحتى لو افترضنا أنه ممكن التنفيذ -وهو افتراض خاطئ- فإنه تترتب عليه آثار سلبية ضخمة لا تستطيع تركيا تحملها: إنسانيا وقانونيا وأمنيا ومعنوياً”، حسب تعبيره.