
ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في 14 أيار/مايو المقبل، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول سبب تلميح أردوغان لهذا اليوم بالذات.
وأشار أردوغان، في خطاب ألقاه أمام الكتلة البرلمانية لحزب “العدالة والتنمية”، الأربعاء، إلى إمكانية إجراء الانتخابات في تركيا في 14 أيار/أيار، المقبل.
فما الذي جعل أردوغان يوجه الأنظار إلى يوم 14 أيار/مايو؟ وما الذي حصل في هذا اليوم ليكون يوماً لإجراء الحدث السياسي الأبرز في تركيا وهو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
يعتبر يوم 14 أيار/مايو 1950 ليس كما قبله من الأيام، ففي ذاك اليوم أصبح مؤسس الحزب الديمقراطي عدنان مندريس، أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الجمهورية التركية.
وفي الانتخابات التي جرت يوم 14 أيار/مايو 1950، فاز الحزب الديمقراطي أمام حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا 27 عاماً (أي منذ تأسيس الجمهورية).
كان مندريس عضواً في “حزب الشعب الجمهوري” الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، وفي عام 1931 أصبح نائبا عن الحزب إثر الانتخابات.
وفي حزيران/يونيو عام 1945 قدم مندريس مع 3 نواب آخرين عن “الشعب الجمهوري” اقتراحا للبرلمان لإبطال المواد المناهضة للديمقراطية الذي يتبناها الحزب، وفي أيلول/سبتمبر 1945، قرر الحزب باجتماع مع رئاسة رئيس الوزراء “شكري سراج أوغلو”، عزل مندريس ورفاقه عن الحزب، لدفاعهما عن الديموقراطية في البلاد.
وبعد ذلك تأسس الحزب الديمقراطي في 7 كانون الثاني/يناير عام 1946، على يد عدنان مندريس، جلال بيار، فؤاد كوبريلي ورفيق كورالتان، إثر الخلاف مع حزب “الشعب الجمهوري”، أعقبها فوز ”الشعب الجمهوري” في العام نفسه بالانتخابات البرلمانية، وحصل مندريس على مقعد في البرلمان عن حزبه الجديد، وطالب بإعادة الانتخابات بسبب أعمال التزوير لكن لم يتم الاستجابة لمطالبه.
وفي 14 أيار/مايو 1950، حصل الحزب الديمقراطي على 53% من أصوات الناخبين، وفاز مؤسسو الحزب بـ 4 مقاعد برلمانية.
وبعد الانتخابات اختارت الكتلة البرلمانية للحزب “جلال بيار” رئيسا للجمهورية، وكلف مندريس بتشكيل الحكومة.
وأعرب مندريس ورفاقه عن سعادتهم بهذا الفوز المبين، وعبَّر عن فرحته الغامرة قائلا “سيُذكر يوم 14/مايو دائما بِعَدِّه يوما تاريخيا استثنائيا، أنهى حِقبة، وبدأ حقبة جديدة، سنذكر هذا اليوم على أنه يوم نصر ليس لحزبنا فحسب، ولكن للديمقراطية التركية”.
كما فرح الشعب التركي فرحا غامرا بهذا الفوز الرائع، وتنفس الصعداء وتنسم رائحة الحرية، وبدأ مرحلة حيوية جديدة، وعاد إلى تركيا وجهها الإسلامي المُشرِق بعد تغييبه رَدَحًا من الزمان.
وتميّزت الفترة التي تولى فيها مندريس رئاسة الوزراء بجنوح نحو السياسات الليبرالية الاقتصادية، وانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي الـ”ناتو”، فضلاً عن تخفيف حدة بعض الإجراءات التي رآها البعض مغالاة علمانية، مثل إلغاء حظر رفع الأذان باللغة العربية وإعادة مادة التربية الدينية إلى المناهج الدراسية.
وفي السياق، قال المحلل السياسي أحمد حسان لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هناك عدة أسباب دفعت أردوغان للتلميح لهذا التاريخ، منها البعد الرمزي الذي ذكره أردوغان وربطه بذكرى عدنان مندريس، لإظهار أن هذه الانتخابات ليست لاختيار رئيس ونواب فقط بل للتصويت على ولادة الجمهورية الجديدة ومنع وأدها كما حصل مع مندريس، إضافة إلى سبب آخر مرتبط بأن حزيران فيه العطلة الصيفية وقد يتراجع فيها الإقبال على الصندوق ولهذا يسعى حزب العدالة إلى استثمار الزخم”.
وكان من أهم إنجازات مندريس خلال تلك الفترة، إلغاء جميع القوانين العلمانية الصارمة التي فرضها “عصمت إينونو”، أعاد الآذان إلى اللغة العربية، أدخل الدروس الدينية إلى المدارس، افتتح أول معهد ديني، إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، قام بعملية تنمية شاملة للبلاد، شملت تطوير الزراعة، وتشييد الطرقات والجسور، وافتتاح المصانع.
بدوره، قال الصحفي نورس العرفي لـ”وكالة أنباء تركيا” تعقيباً على التلميح لهذا الموعد إن “الصراع في تركيا هو صراع بين تيارين واضحين في تركيا: العلماني والتيار المعدل أو تيار الرئيس اردوغان الذي أعاد فتح المساجد وأعطى للمرأة حقوقها بارتداء الحجاب، وهو صراع قديم”.
وتابع أنه “في هذا التاريخ فاز عدنان مندريس بالانتخابات، وبعد فوزه أعاد فتح المساجد التي كانت قد أغلقت وأعطى للمرأة بعض حقوقها، وجميعنا نعرف أنه تم سجنه والحكم عليه بالإعدام (في 17 أيلول/سبتمبر 1961)“.
وأشار إلى أن “رمزية هذا اليوم هو انتصار الفكر المعتدل على الفكر المتشدد الذي يمنع الحجاب والذي حوّل الأذان إلى اللغة التركية، إذاً لهذا اليوم رمزية كبيرة جدا لدى الأتراك، ومن أجل ذلك أراد اردوغان أن يعيد الذكرى لذاك اليوم وأن يفوز بالانتخابات كما فعل الراحل مندريس”.
الجدير ذكره، أن تركيا عاشت منذ عام 2018، تجربة جديدة في ظل الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ليصبح الرئيس رجب طيب أردوغان، أول رئيس عبر الانتخابات المباشرة، بُعيد استفتاءٍ عام جرى في عام 2017 عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أسقطها الشعب دعماً للشرعية في 15 تموز/يوليو 2016، ومن المقرر أن تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة في تركيا منتصف عام 2023.