
“رؤى سياسية متطابقة ومتناغمة في كثير من الملفات والقضايا”.. هو العنوان الأبرز للعلاقات المتطورة بين تركيا وقطر، في الذكرى الـ 50 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والدوحة.
منذ 50 عاما وحتى يومنا هذا، فإن العلاقات الدبلوماسية القائمة بين تركيا وقطر تتطور بشكل سريع في كل المجالات، وتكسب الزيارات المتبادلة بين البلدين هذه العلاقات زخماً كبيراً، كما يوجد تعاون وتنسيق وثيقين بينهما فيما يتعلق بقضايا المنطقة.
وتعد العلاقات بني قطر وتركيا عالقات تاريخية قديمة، قائمة على الأخوة والتفاهم والاحترام المتبادل، وهي تستند إلى إرث ٍ كبير من التاريخ والحضارة المشتركة بين الشعبين الشقيقين، وقد ساعدت هذه الخلفية التاريخية على بناء علاقات ثنائية ومثالية منذ بداية السبعينيات وحتى اليوم.
كانت بداية العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وقطر عام 1973، حيث شهد ذاك العام الاعتراف الرسمي الدبلوماسي المتبادل بين تركيا وقطر، فيما افتتحت تركيا سفارتها في العاصمة القطرية الدوحة، عام 1980، بينما افتتحت قطر سفارتها في العاصمة التركية أنقرة عام 1992، ومنذ تلك الفترة تشهد العلاقات نمواً قوياً متسارعا.
عام 1985، شهد توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين والتي كانت بمثابة القاعدة القانونية التي ينطلق منها استكمال البناء المشترك في المجال الاقتصادي والتجاري والفني/ التقني، بالإضافة الى المجال الثقافي.
وفي عام 2007 تمّ افتتاح القنصلية القطرية في إسطنبول، وفي عام 2009 تم افتتاح الملحقيّة العسكرية القطرية.
وشهدت الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2011 نقلة نوعيّة في العلاقات تجلّت في سلسلة زيارات رسمية متبادلة على أعلى المستويات بين البلدين، في خطوة تدّل على مدى عمق العلاقات والمستوى الذي وصلت اليه، وقد ساهمت هذه الزيارات في تعزيز اواصر الصداقة والتعاون، وتمخّض عنها عدّة اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة.
وتشهد الفترة الممتدة منذ عام 2011 وحتى اليوم تناغما في السياسة الخارجية لكل من البلدين وذلك نتيجة التطابق في الرؤى والتوجهات في السياسة الخارجيّة إزاء الأحداث الاقليمية.
وتكثّفت الزيارات الثنائية المتبادلة الرفيعة المستوى بين البلدين منذ العام 2013، خاصة بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في كانون الأول/ديسمبر 2013، تمّ افتتاح المبنى الجديد للسفارة التركيّة في قطر، وفي أيلول/سبتمبر 2014 زار أردوغان الدوحة بصفته رئيسا للجمهورية لأوّل مرّة، ثم زار الرئيس التركي دولة قطر مرّة أخرى في 2 كانون الأول/ديسمبر 2015، وذلك في إطار استضافة الدوحة للدورة الاولى للجنة الاستراتيجية العليا المشتركة على مستوى قيادتي البلدين وتم خلال هذه الزيارة التوقيع على 15 إتفاقية بين البلدين في مجالات مختلفة.
وتتميز العلاقات القطرية التركية بالشراكة الاستراتيجية وتقارب وجهات النظر في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وتربط زعيمي البلدين، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، علاقات قوية ومتينة.
وما عزز من مكانة تلك العلاقة، هو التقارب الكبير على مستوى القادة والشعب والقواسم المشتركة بين البلدين، والتضامن اللامحدود في وقت الأزمات، بجانب الرؤى السياسية المتناغمة في كثير من الملفات والقضايا، فضلاً عن الجهود الصادقة المبذولة والمستمرة من الطرفين للحفاظ على هذا المستوى المميز من العلاقات.
وكان ما قاله أردوغان عام 2021، تأكيدا واضحا على متانة العلاقات بين البلدين إذ قال إن “العلاقات التركية القطرية تتعزز يومًا بعد يوم من خلال منظور استراتيجي يتماشى مع تاريخ وصداقة وإمكانيات البلدين.. لقد وقعنا 69 وثيقة مع دولة قطر في العديد من المجالات وعلى رأسها المجالات السياسية والعسكرية والتجارية والاقتصادية والثقافية، وذلك في إطار آلية اللجنة الاستراتيجية العليا. كما طورنا تعاوننا إلى أبعد من ذلك بفضل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها”.
وأشار إلى أن العلاقات الثنائية بين تركيا وقطر ستتواصل بزخم أكبر في المرحلة القادمة قائلاً، إنه “إلى جانب قطر نعمل على تطوير علاقاتنا مع كافة دول الخليج الأخرى”.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، قال الكاتب القطري فالح الهاجري في مقال له، إن “العلاقات الثنائية بين قطر وتركيا شهدت تطورا لافتا خلال العقدين السابقين، وغدت علاقات إستراتيجية راسخة وذات أولوية بالغة، فالزيارات المتبادلة والتنسيق المشترك في جميع القضايا البارزة على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والعسكري قاد لبلورة رؤية مشتركة ومواقف موحدة”.
وأظهرت الشدائد التي مرت بها الدولتان، حسب الهاجري، “عمق ورسوخ العلاقات، حيث زاد حجم التنسيق السياسي والأمني والتبادل التجاري، وتدفقت الاستثمارات المتبادلة عبر شركات الإنشاءات وقطاع الضيافة وشركات التصدير وقطاع الأغذية واللوجستيات والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية والتدريب الأمني والإعلام”.
فالعلاقات بين الدولتين وصلت حدا لا يوصف عند متابعة المشهد الدبلوماسي العالمي، وغدت خيارا إستراتيجيا للحاضر والمستقبل بما يضمن الرخاء والاستقرار لكلا الشعبين وشعوب الشرق الأوسط والعالم، حسب تعبيره.
وبذلت تركيا وقطر جهدا بارزا من أجل تعزيز ودفع العلاقات الثنائية منذ عام 2014، مرورا بالاتفاق المهم لإنشاء اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة للبلدين، وهو ما فتح الباب نحو آفاق تخدم الشراكة الثنائية وتليق بإمكانات البلدين على المستوى الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والعسكري، حسب السفير التركي في قطر مصطفى كوكصو، في مقال رأي نشره في موقع “الجزيرة” القطري.
وتعقد اللجنة الاستراتيجية العليا اجتماعاتها السنوية برئاسة مشتركة للرئيس أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، إذ عقدت اللجنة اجتماعها الأول بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 2015 في الدوحة، واجتماعها الثاني بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2016 في طرابزون، واجتماعها الثالث بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 في الدوحة، واجتماعها الرابع بتاريخ 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 في إسطنبول.
وتم خلال هذه الاجتماعات التوقيع على العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات مما أسهم في تعزيز التعاون بين البلدين.
من جهة ثانية، عقدت الدورة الأولى من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية التركية والقطرية بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2018 في أنقرة.
وكان المستوى السياسي أولوية مهمة لقيادة البلدين، حيث عملا على بلورة رؤية مشتركة ومواقف موحدة تجاه العديد من القضايا البارزة في المنطقة، إذ أبدت تركيا وقطر سياسات متطابقة تجاه العديد من الأزمات العربية والإقليمية.
وحسب مراقبين، يمكن القول إن “العلاقات بين تركيا وقطر راسخة ومتنوعة، وقد انتقلت من التعاون الثنائي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، كما أن البلدين يعتبران شريكان استراتيجيان ويتعاونان في العديد من القضايا منذ سنوات، وقد شهدت العلاقات بينهما تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة في جميع المجالات”.
ووفقاً للمراقبين، فإن “الرؤية السياسية لقيادتي البلدين تتطابق في العديد من القضايا التي تهم منطقة الخليج والأمتين العربية والإسلامية، فهناك اتفاق على أهمية إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية بما يضمن عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأيضًا أهمية تكاتف الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في العراق وسوريا، وثمة أيضًا فهم عميق لما يجري في العالم من تحولات وأحداث تتطلب التعاطي معها بحكمة وواقعية وهو نهج أكسب البلدين احترامًا واسعًا في العالم”.
الجدير ذكره، أن “متانة العلاقة بين البلدين تعود إلى أن قطر أول دولة دعمت تركيا في تصدِّيها لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي عرفتها في منتصف تموز/يوليو 2016، وهي الخطوة التي لاقت الشكر الدائم من القيادة التركية، كما أبدت تركيا في المقابل دعماً كبيراً لقطر، ورفضت الإجراءات المتخَذة ضدها عقب اندلاع الأزمة الخليجية، إذ وقّع الجانبان اتفاقية فُتحَت بموجبها قاعدة عسكرية تركية في قطر، مع إقامة تدريبات عسكرية مشترَكة بين البلدين”، حسب مراقبين.